أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنه جاري البدء في إجلاء الرعايا الفرنسيين من النيجر اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق 1أغسطس 2023 حيث توافد عدد من المواطنين الفرنسيين خارج مطار “ديوري حماني الدولي” في نيامي بحقائب صغيرة فقط حسب التوصيات الصادرة من القنصلية الفرنسية في النيجر والتي أبلغتهم بتنظيم عملية الإجلاء طوعيًا.
وفي ذات الاتجاه أوصت ألمانيا رعاياها في نيامي بقبول عرض فرنسا لإجلائهم هم الآخرين أيضًا على متن الطائرات التي أرسلتها لإجلاء المواطنين الفرنسيين، وتتجه إيطاليا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى أيضًا إلى إجلاء رعاياها.
وهذا يأتي بعد الانقلاب الذي حدث في النيجر الذي أطاح بالرئيس المنتخب “محمد بازوم” في 26 يوليو/2023.
حيث أعلن جيش النيجر ولاءه لقوات الدفاع والأمن والتي أطاحت بالرئيس محمد بازوم، وقد صدر بيان وقعه رئيس أركان القوات المسلحة في النيجر (الجنرال عبده صدّيق عيسى) بتأييده لوضع حد “لنظام” بازوم.
ما الذي أدى إلى الانقلاب؟
من وجهة نظر الكاتب جوزيف أتامان ولاري مادوو وآخرين، والذين أفردوا أسباب الانقلاب بمقالتهم في CNN، حيث يرون أن النيجر كانت واحدة من الدول الديموقراطية القليلة المتبقية بمنطقة الساحل بأفريقيا، حيث أن الخلافات نشأت حول كيفية قمع التمرد الإسلامي بعد أن تضاعفت الأحداث العنيفة المتورط فيها الجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة الساحل إلى 2912 عملية منذ عام 2021، وذلك فقًا لتقرير صادر عن مركز الأبحاث التابع لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وأن الوفيات المرتبطة بمثل هذه العمليات الإرهابية تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا.
تضامن بوركينا فاسو ومالي مع الانقلاب رداً على رد فعل دول الغرب الإفريقي
حيث صرحت بوركينا فاسو ومالي في بيان مشترك لهما “أن أي تدخل عسكري ضد النيجر سيعتبر بالتالي حربًا عليهما”، وذلك جاء بعد أن قام زعماء غرب إفريقيا بفرض غرامات مالية ووقف سفر على مدبري الانقلاب مع توجيه تحذيرات ضدهم.
وبذلك يكون هناك ردود فعل متباينة من دول منطقة الساحل الغربي، فبيان كلاً من بوركينا فاسو ومالي جاء مباشرةً بعد أن أصدرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” يوم الأحد الموافق 30 يوليو/2023، تحذيراً شديداً ضد المجلس العسكري في النيجر ومنحه أسبوعاً للإفراج عن رئيس النيجر المحتجز “بزوم” وإعادة تنصيبه من جديد، محذرةً من أنهم في حالة عدم تلبية طلباتهم لن يستبعدوا “استخدام القوة”.
وقد فرضت الكتلة الاقتصادية “إيكواس” حظر سفر وتجميد أصول لهؤلاء المسؤولين العسكريين المتورطين في الانقلاب، وكذلك لأفراد عائلاتهم والمدنيين الذين يقبلون المشاركة في أي مؤسسات أو حكومة أنشأها المسؤولون.
لذلك أعربت بوركينا فاسو ومالي عن تضامنهما مع السلطات النيجيرية وقالتا إنهما لن يشاركا في أي إجراءات ضد النيجر من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، واصفان العقوبات بأنها “غير قانونية وغير شرعية وغير إنسانية”.
كما تضامنت غينيا مع النيجر يوم الاثنين الموافق 31 يوليو/2023، قائلة أنها لن تشارك في إجراءات ضد النيجر، وأصدرت بيان قالت فيه أن العقوبات غير شرعية وغير إنسانية وستؤدي إلى تأثر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وحذرت من التدخل العسكري في النيجر والذي من شأنه أن يؤدي إلى كارثة بشرية يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من حدود النيجر.
علاقة شركة فاغنر الروسية بالانقلاب
البعض يرى الصراع في إفريقيا هو امتداد للصراع ما بين دول الناتو وروسيا، وقد شدد المسؤولون الأمريكيون على استعادة الحكم الديمقراطي في النيجر في ضوء ذلك، وكذلك واصل قصر الإليزيه تأييد رئيس النيجر “بازوم” وانتقاد من قاموا بالانقلاب.
ولكن هناك انحسارا للتأييد الغربي في المنطقة حيث يوجد غضب من إرث الاستعمار الفرنسي وتأثيره المستمر في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، حيث نزل المتظاهرون إلى السفارة الفرنسية في النيجر كونهم يشعرون أن فرنسا تعمل كقوة إمبريالية من خلال استنزافها للموارد الطبيعية وسيطرة فرنسا على قادة البلادة لتوجيه الاقتصاد نحو منافع خاصة لفرنسا والغرب.
ولقد استفادت روسيا من تلك الحركة المناهضة لنفوذ الغرب لتوسيع نفوذها عبر القارة، وتعزيز الدعم الموالي لروسيا في النيجر.
وقد استغلت شركة فاغنر الروسية الخاصة العدد المتزايد من الميليشيات في مالي، حيث تحذر الولايات المتحدة الأمريكية من أن فاغنر قد تمدد عقودًا مماثلة للمجلس العسكري في النيجر.
وقال التقرير الصادر عن مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية: أن تصاعد العنف المتطرف يتزامن مع نشاط فاغنر في منطقة الساحل، التي “اتُهمت بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان”.
وفي رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي، ألقى بريغوزين قائد مجموعة فاغنر باللوم على إرث الاستعمار وأنه سبب ما يحدث بالنيجر وزعم أن الدول الغربية كانت ترعى الجماعات الإرهابية في البلاد. ويرى أن شركته العسكرية الخاصة Wagner، كانت قادرة على التعامل مع مواقف مثل تلك التي تحدث في عاصمة النيجر.
حيث يتواجد المئات من متعاقدي فاغنر في مالي المجاورة، بدعوة من المجلس العسكري هناك لمواجهة تمرد إسلامي أقوى في المنطقة التي تلتقي فيها حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
فقال بريجوزين: “ما حدث في النيجر كان يختمر منذ سنوات”. ويحاول المستعمرون السابقون إبقاء شعوب البلدان الأفريقية تحت سيطرتهم. من أجل كبح جماحهم فيملأ المستعمرون السابقون هذه البلدان بالإرهابيين وتشكيلات قطاع الطرق المختلفة. وبالتالي خلق أزمة أمنية هائلة”
وما يثير دهشة الغرب هو أنه لا يزال بريجوزين طليقًا على الرغم من قيادته تمردًا مسلحًا ضد الكرملين في يونيو 2023 والذي لم يدم طويلاً عندما وافق بريجوزين وقواته على التوجه إلى بيلاروسيا، لكن شوهد في سان بطرسبرج يوم الخميس وهو يجتمع مع شخصيات أفريقية على هامش قمة بين الدول الأفريقية وروسيا، مما يجعل الكثير يتجه نحو فرضية أن هذا التمرد مجرد مسرحية لمزيد من الأدوار التي سوف تقوم بها شركة فاغنر في مناطق حول العالم ومنها ممر سوالكي المتاخم لكل من بولندا وبيلاروسيا.
وما يثير الدهشة أكثر تعارض تصريحات بريجوجين مع وجهة نظر وزارة الخارجية الروسية التي دعت إلى الإفراج الفوري عن الرئيس “محمد بازوم” من قبل محتجزيه من الجيش.
النيجر من بين أكبر منتجي اليورانيوم في العالم
النيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفقًا للرابطة النووية العالمية (WNA). حيث أن المعدن المشع هو الوقود الأكثر استخدامًا للطاقة النووية. كما أنه يستخدم في علاج السرطان، وللمحركات البحرية، وفي الأسلحة النووية.
وطبقاً لمقال منشور بموقع رويترز بعنوان: “النيجر من بين أكبر منتجي اليورانيوم في العالم” فإن النيجر تُنتج خامات اليورانيوم عالية الجودة بحوالي 2020 طنًا متريًا من اليورانيوم في عام 2022، أي حوالي 5 % من إنتاج التعدين العالمي، وفقًا لـ WNA. حيث انخفض إنتاجها عن عام 2020، حيث كان حوالي 2991 طنًا، علماً بأن من أكبر ثلاثة منتجين في العالم هم: كازاخستان وكندا وناميبيا.
ولدى النيجر شركة تعدين رئيسية واحدة في الشمال تديرها شركة أورانو الفرنسية المملوكة للدولة، ومنجم رئيسي أيضًا تم إغلاقه في عام 2021، ومنجم آخر قيد التطوير.
هل انقلاب النيجر سوف يؤثر على إمدادات فرنسا من اليورانيوم
أشار البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية يوم الإثنين الموافق 31/07/2023 إلى أن انخفاض توريد اليورانيوم من النيجر سيكون له تأثير ضئيل، لأن “إمداداتنا متنوعة للغاية”.
لكن بعض المحللين يشيرون إلى أن هناك مأزق قد يكون تأثيره على فرنسا وأوروبا ككرة الثلج، حيث أن الناتو الذي يقرر المزيد من الإجراءات العقابية ضد روسيا أحد أكبر مصدري اليورانيوم في العالم يواجه أزمة في ظل وقف إمدادات النيجر من اليورانيوم.
وقال فوك-فينه نجوين، خبير الطاقة في معهد جاك ديلور في باريس “لبوليتيكو”، إن اليورانيوم – والطاقة النووية بشكل عام – لا يزالان غير خاضعين للعقوبات على روسيا.
الصراع في النيجر جزء من الصراع العالمي بين الشرق والغرب
وفي ظل هذا المشهد الضبابي لعلاقات الغرب مع الساحة الإفريقية وتنامي دور روسيا وفاغنر في إفريقيا في محاولة لتبادل مقاعد الغرب بالشرق، وفي ظل احتدام الصراع الشرقي والغربي وعدم صياغة معادلة سياسية تنظم انتقال النظام العالمي من القطب الواحد إلى الأقطاب المتعددة، وأن ما يحدث في أوكرانيا وإفريقيا وغيرها من مناطق الصراع حول العالم هو ذات الصراع الغربي الشرقي مع مزيد من الاستقطاب الحاد الذي ينذر بحرب عالمية ثالثة، إذا ما لم يقتنع الغرب الممثل في الناتو أن المعادلة العالمية تتغير.
فالأيام القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الصراع سوف يتوقف أم سوف يتسارع، فالصراع لا يقف عند تحقيق السلام في أوكرانيا، فبؤر الصراع ممتدة حول العالم وأوكرانيا مجرد بداية لكرة الثلج التي تنتقل سريعاً حول العالم.