كما نعلم جميعًا أن الإنسان الذي يجعل سورة البقرة وردًا له في يومه فهو يمتلك كنزًا كبيرًا فهو لا يحتاج إلى تحصين أكثر من ذلك؛ فهي سورة يهرب منها الجن، ويخاف منها الشيطان ولا تُقرَأ في بيت إلا وخرج الشيطان منه، وشافعة لقارئها يوم القيامة حتى تخرجه من النار وتدخله الجنة، كما أن بها أفضل آيات القرآن وهي آية الكرسي التي لا تحجب من يداوم عليها عن الجنة إلا الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك فمن قرأها أو سمعها إنسان ممسوس أو محسود؛ فإنه يُشفى تمامًا بفضل الله.
قصة سورة البقرة
هناك رجل ليس له أعداء وكثير المال والنفقة والمحبة ووضع الله له القبول في الأرض بشكل عجيب، لا يختلف القاصي والداني على حبه، ولكن في يوم من الأيام وجده بني إسرائيل في الصباح مقتولاً وسط الطريق، وكان ابن أخيه يجلس بجانبه يصرخ ويبكي لدرجة أبكت القاصي والداني وتسائلوا كيف سيعيش هذا الولد دون عمه.
بعد ذلك تساءل القوم حول من قاتل هذا الرجل ويلقي كل منهم الإتهام على الآخر، ومن ثم ظهر أحد الحكماء قائلاً لماذا تتساءلون ومختلفون في الأمر واقترح أن يذهبوا إلى كليم الله ونبيه موسى عليه السلام، وبالفعل ذهبوا جميعًا لسيدنا موسى عليه السلام وعلى رأسهم ابن أخيه ولكن استعجب سيدنا موسى من شدة النحرة التي كان فيها ابن أخو القتيل واستمع لحديثهم، ثم جمع بني إسرائيل وخطب فيهم وناشدهم بالله سبحانه وتعالى من كان عندكم علمه من أمر القتيل قد يخبرنا به، لكن لم يتحدث أحد، فلم يجد سيدنا موسى إلا اللجوء إلى الله تعالى وأن يتضرع بالدعاء إليه لعله يلهمه ماذا حدث.
وقف سيدنا موسى يصلي وجاء الجواب من الله جوابًا عجيبًا قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)” البقرة 67، فأراد سيدنا موسى أن السخريه والاستهزاء ليست من صفات الأنبياء وإنما من صفات الأقوام الذين يشعرون بنقص يسخرون من الناس، في حين أن الإنسان الذي يرى نفسه عالية لا يسخر من أحد.
فكان بني إسرائيل يماطلون في الاستجابة لأمر الله؛ لذلك حذرنا الرسول أن نمشي على نفس الخطى وعلى نفس النهج في قوله صلى الله عليه وسلم: “عن أبي هُرَيْرةَ عَبْدِالرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجتَنبوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فإنَّما أَهْلَكَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتلاُفُهُمْ على أَنْبِيَائِهِمْ” رَواهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.
ما هي مواصفات البقرة؟
لم يكتفي بني إسرائيل بما ذكره الله لهم ولكن ظلوا يتسائلون كثيرًا كما قال الله تعالى: “قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)” البقرة 68_69.
على ذلك لم يكتفي بني إسرائيل بهذه المواصفات التي ذكرها الله لهم في آياته؛ بل طلبوا من سيدنا موسى أن يوضح الله مواصفات أكثر حيث إنهم وجدوا بقر كثير بنفس اللون الذي ذكره الله، وذلك في قوله تعالى: “قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)” البقرة 70_71.
أين وجدوا البقرة ومن هو القاتل؟
كان رد الله على بني إسرائيل بجنس التعنت الذي استخدموه فكما تشددوا فقد شدد الله عليهم؛ فقد حدد الله أوصاف البقرة بأنها بقرة لم يسبق لها العمل من قبل، فكانت هذه البقرة موجودة عند ولد يتيم الأب لم يمتلك من أبيه إلا هذه البقرة، وذهب إليه بني إسرائيل يطلبوا منه أن يعطيهم البقرة؛ فقال لهم يجب أن أستشير أمي، وكما قالوا أن جاء ملك وقيل أنها من قول أمه التي قالت له لا تبيع البقرة إلا بملء جلدها ذهبًا.
على ذلك فقد جمع بنوا إسرائيل كل الذهب الموجودة في بيوتهم بسبب هذه البقرة، وبعد ما أخذوها وذبحوها ربنا أوحى إليهم أن يضربوا القتيل بجزء منه ذيل البقرة قام بأمر من يقول للشيء كن فيكون فقال له موسى عليه السلام من قتلك فأشار إلى ابن أخيه فأراد قتله حتى يؤول اليه الإرث؛ لذلك قضى سيدنا موسى عليه السلام بحرمان القاتل من الميراث، كذلك فقد ضرب الله سبحانه وتعالى المثل ويريكم درس في قوله تعالى: “فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)” البقرة 73.