نتداول كثيراً مصطلح ” مرض الفيس بوك” ولا نعرف على وجه اليقين هل هو مصطلح حقيقي أم زائف، فهناك خلاف في هذا الأمر لنصبح بين تساؤلين:
التساؤل الأول: هل وسائل التواصل الاجتماعي تسبب القلق والاكتئاب؟
حيث إنه بالمبالغة في الميول والعلاقات الغير واقعية وغير المنطقية والتي يغلب عليها الكذب وإظهار ما ليس حقيقياً للتجمل أو التواري خلف شخصية زائفة… الخ، قد يؤدي كل هذا إلى العزلة في الحياة الواقعية وعدم القدرة على المواجهة وجهاً لوجه مما يدفع نحو القلق والاكتئاب.
التساؤل الثاني: هل وسائل التواصل الاجتماعي تحمي الإنسان من المرض العقلي؟!
حيث أن مواقع التواصل الاجتماعي تُزيد من فرصة التعبير عن المشاعر وعن الهوية الذاتية، وتزيد معها من فرص التواصل.
في كل الأحوال سوف نكتشف أن بيئة مواقع التواصل الاجتماعي هي بيئة معقدة تحدث فيها كثير من التفاعلات المتناقضة، مما يدفعنا لضرورة معالجة الأضرار والاستفادة من الفوائد التي تنعكس على الصحة العقلية.
وسوف نتناول في السطور القادمة النقاط التالية:
- فئات أكثر عرضة للاكتئاب بسبب إدمان مواقع التواصل الاجتماعي.
- هل هناك أعراض اكتئاب يمكن أن تحدث بسبب مواقع التواصل الاجتماعي.
- مخاطر “المكافأة” من مواقع التواصل وانطلاق الدوبامين.
- علاج مشكلة عدم تقبل النقد بمواقع التواصل الاجتماعي.
فئات أكثر عرضة للاكتئاب بسبب إدمان مواقع التواصل الاجتماعي:
1- وهي الفئة الأكثر عرضة للاكتئاب من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وهي الفئة التي تتوق نفسها إلى الإعجابات بما تكتب أو ما تقوم بمشاركته مع رواد صفحاتهم، مما يؤدي ارتباط مدى ودرجة سعادتهم بعدد المعجبين، وقد يؤدي ذلك أن يبتذل في أفكاره التي يعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يصل إلى الحضيض، وفي ذات الوقت هي فئة غير قادرة على تحمل النقد، فسرعان ما يعبر الضخص عن ذلك بشتى الطرق التي قد تصل للسب والقذف ضد من ينتقده.
2- وهي فئة العالم الموازي، وهي موجودة في المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل أساسي، وهي فئة تتجمع حول نفسها في محاولة تبني أفكار مختلفة، فهي عكس الفئة الأولى، فهم يريدون الاختلاف عن الناس، بأن يتمسكوا بأفكار ليس لها علاقة بالموضوعية والواقع، حتى لو جعلوا من الشيطان إله لمجرد شعورهم بالاختلاف والتميز، فالفكرة إلههم. وهؤلاء يعانون معاناة شديدة لأنهم يريدون أن يقهروا غيرهم ويرغموه على فكرتهم أو إلههم المصنوع من أفكارهم التي عادةً تكون شاذة، ومتعتهم في تحقيق هذا القهر لغيرهم، ومواقع التواصل حققت لهم جزء كبير من رغبة القهر حينما يتحدوا لمباغتة من يختلف معهم ويتهموه ويسبوه، فتلك متعتهم وبدونها يصلوا لأكبر معدلات الاكتئاب.
هل هناك أعراض اكتئاب يمكن أن تحدث بسبب مواقع التواصل الاجتماعي:
دراسات كثيرة ربطت بين أي تواصل من خلال الكمبيوتر وأعراض الاكتئاب، ولكن يمكن أن نقول أن هناك عوامل تجعل مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدم الفيس بوك بشكل خاص يميل إلى الاكتئاب.
حيث نجد دراسة (Kraut et al، 1998) أشارت أن استخدام الإنترنت بشمل عام يؤثر تأثير سلبي على العلاقات الاجتماعية وذلك بأسباب تصير ذاتها الأعراض وهي:
- زيادة معدل الوقت الذي يقضيه على الإنترنت، وفي المقابل ينخفض الوقت الذي يقضيه مع أسرته وأصدقاءه، بل ويقلص الدائرة الاجتماعية الخاصة به، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى شعور الوحدة والاكتئاب.
- وبالطبع بالنسبة للأطفال تقل التنمية الاجتماعية للأطفال، ويتأخر اندماجهم بالمجتمع.
- رغم أن مواقع التواصل تجعل هناك تفاعل مع عدد كبير من الناس، ولكنها في حقيقة الأمر تفاعلات ضحلة إذا ما قورنت بالاتصال الواقعي وجهاً لوجه.
ولكن هذه الدراسة كانت قبل ظهور الفيس بوك الذي انطلق في 2004، وكون مواقع التواصل الاجتماعي حديثة نسبياً، فإن العلاقة بينها وبين الوحدة والاكتئاب لم يتم التحقق منها حيث تم نشر كثير من الأبحاث الحديثة حول الموضوع، ولم يتمكنوا من تفسير ومناقشة النتائج بشكل قاطع
- وهناك دراسة (كروس وآخرون، 2013)، وكانت بشأن علاقة الفيس بوك والرفاهية الشخصية لدى الشباب، وقد أشارت النتائج أن تصور المستخدمين الذاتي للرضا والرفاهية عن الحياة قد يشعف ويتقوض، وبالتالي تزيد علامات وأعراض الاكتئاب.
- تعتقد بعض الدراسات أن فيس بوك قد يكون سبباً في أن يكتشف إذا ما كان لديه أعراض اكتئاب من خلال سلوكه على الفيس بوك، فهناك دراسات مثل بارك وآخرون أفادت بانه كلما كان الإنسان أكثر اكتئاباً زاد استخدامه لميزات الفيس بوك التي تركز على نصائح وحقائق عن الاكتئاب.
إذن لا يمكن التأكيد على أنه يوجد حتى الآن دليل قاطع على أن استخدام الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يسبب الاكتئاب.
مخاطر “المكافأة” من مواقع التواصل وانطلاق الدوبامين.
إنها من أهم معززات تنشيط مراكز المكافأة في المخ من خلال إطلاق مادة الدوبامين، تلك المادة الكيميائية التي تسبب شعور السعادة، وهي مرتبطة بشكل أساسي بأنشطة المتعة مثل الجنس والطعام والتفاعل الاجتماعي، وكثير من المنصات والألعاب تم تصميمها ليدمن الإنسان ارتيادها، والذي قد يؤدي للاكتئاب وأعراضه نظراً لتذبذب مادة الدوبامين بشكل مستمر ما بين السعادة والإحباط في فترات زمنية تكاد تكون متلاصقة، ما بين إعجاب ونقد أو فوز وهزيمة.
فهي كآلة القمار، يتوقع اللاعب الحصول على المال، ولكن لو عرفوا أنهم لن يحصلوا على المال لن يرتادوا صالات القمار أبداً.
فالمرء لا يعرف عدد الإعجابات التي سوف يحصل عليها، فما بين النتيجة المرجوة تدفعك دائماً للحصول عليها، مما يؤدي إلى إجهادك نفسياً وجسدياً.
علاج مشكلة عدم تقبل النقد بمواقع التواصل الاجتماعي:
ولعل أهم طرق العلاج أن يتدرب الإنسان سواءً في الحياة العادية أو مواقع التواصل الاجتماعي ألا يتأثر بالنقد والإعجاب، فكلاهما سوف ينالوا منك إذا إلتفت لهم بشدة، ولكن ما يجب أن تتخذه قاعدة لك أن يكون ضميرك راضياً عن فعلك وقولك، ولا تلتفت لنقد أو إعجاب.
فلعل إدراكك الحالي لم يملك الحقيقة، ولعلك تتراجع عن أفكارك الحالية عندما يزيد هذا الإدراك الشخصي، فلا تجعل النقد الحالي يعيق فتح أفاق إدراكك بعنادك مع من ينتقدوك، أو لمجرد الخوف أن يقل الإعجاب بما تطرحه من أفكار جديدة.
فمن جعل رأي الناس أكثر ما يهمه زاد غمه.
ومن الواضح أن مواقع التواصل وتطورها السريع يحتاج منا أن نهذب طرق التعامل معها، وإحداث التوازن ما بين الحياة الواقعية والحياة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتقليل معدلات الإرهاق النفسي والجسدي بشكل عام.