على أبواب (COP28)…الحروب المسلحة وآثار كارثية على أزمة المناخ… العدوان على غزة في المقدمة

 

تأتي قمه هذا العام (COP28)، والمقرر عقدها في دبي، الفترة من 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر 2023، وفي انتظارها حربًا  شرسة، وهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي اشتعلت قبل أسابيع من القمه…حربا قد تٌقوض نتائج قمه دبي للمناخ قبل أن تبدأ… حربا تزيد من صعوبة أزمه المناخ وتجعل من جلسات التفاوض مجرد كلامًا ينفصل عن أرض الواقع، فالصوت الأعلى للطلقات المدفعية والرشقات الصاروخية وأعمده الدخان والنيران التي تتصاعد لتغطي سماء غزه وتنتشر في المنطقة.

يجتمع العالم سنويا في قمه تلو الأخرى لبحث قضايا المناخ المعقدة… وفي محاولات يائسة للتوافق (المفقود) في ملفات عدة… التكيف، التخفيف، التمويل المناخي، خفض الانبعاثات… ووسط تغيرات مناخية ذات وتيرة متسارعه، بلغت ذروتها هذا العام حتى أطلق عليها الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو جوتيريش، “أننا نعيش عصر الغليان المناخي”.

تأتي الحروب والصراعات لتلقي بظلال خيبات الأمل على مؤتمرات الأطراف للمناخ، وتزيد من صعوبة التوافق حول أزمة المناخ، لتذهب مكتسباتها البسيطة أدراج الرياح.
العام الماضي، كانت قمه المناخ (COP27) بشرم الشيخ على موعد مع الحرب الروسية الأوكرانية التي اشتعلت قبلها بعدة أشهر، لتلقي بظلالها على نتائج القمه، والتي لم تسفر عن شيء يُحسب لها سوى، (صندوق الخسائر والأضرار)، وهو ما اعتبره البعض إنجازًا في حد ذاته، حتى لو كان صندوقًا فارغًا لا نعرف آليه إدارته، ومن المسؤول عنه، وكيفيه تمويله وأوجه الإنفاق منه.

صورة 1
الحروب المسلحة وآثار كارثية على أزمة المناخ-المصدر: موقع الأمم المتحدة

والسؤال الآن، عن أي خفض انبعاثات سيتحدث المفوضون، عن أي إجراءات تخفيف أو برامج تكيف سيتناقشون، وعن أي تمويل مناخي ستدور أحاديثهم في أروقه قمه (COP28)، وقد اكتظت محفظة تمويل الحروب بمليارات الدولارات، في حين تُماطل الدول الصناعية في دفع التزاماتها المناخية لإصلاح ما أفسدته.

انبعاثات الحروب

يفيد تقرير صادر عن مرصد الصراع والبيئة البريطاني https://ceobs.org/estimating-the-militarys-global-greenhouse-gas-emissions بعنوان “الاعتراف بالانبعاثات العسكرية المتعلقة بالنزاعات في التقييم العالمي” أن جيوش العالم والحروب والصراعات مسؤوله عن 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة، ويشير التقرير الى أن الأشهر السبعة الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية أسفرت عن 100 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على الأقل.
ووفقا لتقرير نشرته (سي إن إن) https://edition.cnn.com/2023/06/07/europe/ukraine-war-climate-change-impact-  intl/index.html فإن الحرب الروسية الأوكرانية قد تسببت في خسائر بشريه فادحة، حيث قُتل آلاف المدنيين وأُجبر الملايين على الفرار للخارج ودُمرت المنازل والمدارس والمستشفيات، وبالإضافة الى التأثيرات العميقة مباشره يتسبب الصراع أيضا في كارثة مناخية في وقت يكافح فيه العالم بالفعل لتحقيق الأهداف المناخية.

شكل إحصائي يوضح  البصمة الكربونية لجيوش الدول ذات البصمة الكربونية الأعلى عالميا – مرصد الصراع والبيئة البريطاني

 

فقد قام فريق من خبراء حساب الكربون، بتقييم التأثير المناخي للسنه الأولى من الصراع الروسي الأوكراني، الذي بدأ في فبراير 2022،  وجدوا أن إجمالي 120 مليون طن متر من التلوث الناتج عن تسخين الكوكب يمكن أن يرجع إلى السنه الأولى من الحرب، ووفقا للتقرير المنشور، فإن هذه الانبعاثات تعادل الانبعاثات السنوي لبلجيكا أو تلك التي تنتجها ما يقرب من 27 مليون سيارة تعمل بالغاز على الطريق لمده عام.

ومن جانبه قال دي كليرك المؤلف الرئيس للتقرير والخبير في الانبعاثات المرتبطة بالحروب لشبكه (سي إن إن)،  أن الانبعاثات الصادرة عن الجيش كان من الصعب حسابها مشيرا الى انه على سبيل المثال، من غير الممكن، مجرد الاتصال بروسيا لسؤالهم عن كميه الوقود التي يستخدمنها في خزانتهم وطائراتهم، مشيرا الى انه ربما لن نتمكن من الحصول على تقدير أكثر دقه إلا بعد انتهاء الحرب.

الحرب على غزة

وبينما يوافق 6 نوفمبر اليوم العالمي لمنع استغلال البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، كان الإحتلال الإسرائيلي يرتكب أبشع الجرائم في حق الإنسانية والبيئة ويطيح بكل الأعراف والقوانين البيئية، حيث يأتي هذا اليوم بالتزامن مع مرور 30 يوما على  العدوان الإسرائيلي على غزة والذي راح ضحيته الآلاف من الشهداء والمصابين والمفقودين، فضلا عمّا أسفرت عنه الحرب من  تدمير للبيئة وخسائر في المجال الحيوي بالمنطقة.

فرضت  أزمة الحرب على غزة، نفسها خلال نقاشات الحوار الإقليمي الثاني الذي نظمته وطرحته الشبكة العربي للبيئة والتنمية”رائد” والذي عقد منذ أيام افتراضيا عبر شبكة “زووم”، تحت عنوان،”التمويل المناخي في سياق الخسائر والأضرار…المسئوليات العالمية والوطنية”.

وكانت الشبكة العربية للبيئة والتنمية “رائد” قد أجرت اللقاء والحوار التشاوري الإقليمي الأول ثم الحوار الثاني، الذي شارك فيه الدكتورة ياسمين فؤاد وزير البيئة، وأداره الدكتور عماد الدين عدلي منسق الشبكة العربية بحضور ممثلو معظم منظمات المجتمع الدمني العربية المعنية بالبيئة وسفراء وخبراء البيئة بجامعة الدول العربية، وعدد من العلماء والمتخصصين في مجال البيئة.

تهدف تلك اللقاءات إلى توحيد رؤية ومطالب الشعوب العربية حول قضية التغيرات المناخية وعرضها في (كوب 28)القادم في دبي، وقد فرضت الحرب الإسرائيلية على غزة نفسها على اللقاء، حيث أعربت الدكتورة ياسمين فؤاد عن أسفها لما يحدث في غزة، وأشارت إلى إنه قد تم مخاطبة كافة المنظمات الدولية المعنية بالبيئة بالتدهور البيئي الواقع، والاستنزاف الشديد للموارد الطبيعية نتيجة إلقاء القنابل وتأثير الغازات السامة والانبعاثات الضارة على صحة الشعب الفلسطيني وعلى البيئة.

وأضافت دكتورة ياسمين إلى أن الوزارة تجري حاليا دراسة بحثية عن حجم التدهور والتدمير المتعمد للأراضي الفلسطينية.

صورة 2
دكتورة ياسمين فؤاد خلال مداخلتها في اللقاء الإقليمي الثاني عبر تقنية الزووم-عدسة نجوم مصرية

ومن جانبه قال الدكتور عماد الدين عدلي، أن الحروب والصراعات تؤثر سلبا على كافة الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة والمناخ، كما أشار موسى سمارة، إحدى قيادات العمل البيئي في سوريا، أن سوريا تواجه ظروفًا استثنائية من حروب وتدخلات خارجية غير شرعية، وقواعد عسكرية، أدت إلى تدمير البنية التحتية والبيئية وخروج الطاقة الأحفورية عن إدارة الدولة، فضلا عن تلوث الهواء والانبعاثات الناتجة عن الاستخراج البدائي للنفط في المناطق المستولى عليها الإرهابيين.

وأضاف أن الحرب في سوريا أعاقت متابعة استراتيجية التعافي من هذه الآثار، حيث تأثرت النظم البيئية من الحرب بشكل كبير، حتى أن سوريا تعثرت في التزاماتها البيئية.

صورة 3
دكتور عماد عدل خلال اللقاء التشاوري الإقليمي الثاني- عدسة نجوم مصرية

وتحدث دكتور يوسف نوري، من تونس، عمّا أصاب البيئة العربية من تدهور خطير بسبب الحروب والصراعات والتدخلات العسكرية إضافة إلى آثار تغير المناخ، وهو الأمر الذي يجب أن يُناقش بقوة في قمة المناخ القادمة.

وأشارت ماري تريز من لبنان إلى قضية تزايد أعداد اللاجئين نتيجة الحروب والنزاعات المسلحة في المنطقة، وهو ما يشكل ضغطا على البيئة وتدهور مواردها الطبيعية وتلوث المياه الجوفية، وأشارت إلى تجربة بلدها الصغير، لبنان، الذي يوجد على أرضه لاجئون من فلسطين وسوريا، وما ترتب على ذلك من تلوث المياه الجوفية وتأثر الري والمحاصيل الزراعية.

وتحدث دكتور صلاح سليمان، من مصر عن التهديدات الإسرائيلية باستخدام السلاح النووي، وأشار سليمان إلى أن حجم المتفجرات التي ألقيت على غزة حتى الآن يعادل 2 قنبلة نووية من التي ألقيت على هيروشيما، حيث بلغ نحو ما يقرب من (10) كيلو جرام للفرد، إلى جانب الفسفور الأبيض المحرم دوليا، وتدمير جميع البنية التحتية في غزة،  وهو ما يجب أن يناقش في جلسة خاصة في قمة المناخ وأمام المحاكم الدولية.

صورة 4
نزوح السكان بسبب تغيرات المناخ، وزيادة معدلات الفقر واندلاع الصراعات الأهلية- المصدر: DW

حروب أهلية

التقارير العلمية تشير إلى أن مخاطر التغيرات المناخية لا تقتصر على الحيوانات والنباتات والمجال الحيوي عمومًا،  بل قد تتسبب أيضا في اندلاع حروب أهلية، تؤدي الكوارث البيئية مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير وحرائق الغابات، وما ينتج عنها من تدمير للمنازل والبنية التحتية والمحاصيل الزراعية ونزوح الكثيرين، إلى ازدياد معدلات الفقر والمرض والبطالة، كل هذا قد يؤدي إلى اندلاع النزاعات والصراعات التي من الممكن أن تصل إلى الحروب الأهلية، لاسيما في المناطق الفقير.أما تكفينا الحروب الناتجة عن تداعيات التغيرات المناخية لكي نشن حروبا وصراعات سياسية يدفع ثمنها المناخ.

تحديات كثيرة أمام قمة المناخ القادمة (cop28)، ما بين ظروف مناخية متدهورة، وحروب وصراعات عسكرية تزيد من تفاقم الأزمة، وشعوب دول عربية، ونامية، تدفع أثمانا باهظة، وفاتورة دول كبرى تُشعل فتيل الحروب دون تحمل مسئولياتها تجاه أزمة المناخ.

 

 


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2024 لشركة نجوم مصرية®، جميع الحقوق محفوظة.