أغلقت ألمانيا أمس آخر ثلاثة مفاعلات نووية لديها، وفاءً بوعد قطعته بالتّخلص من الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما اليابانية، في الوقت الذي تسعى فيه اليابان نفسها والعديد من الدول إلى زيادة الإعتماد على الطاقة النووية.
نزاعٌ سياسي دام لعقود
في 17 يونيو 1961، قام أول مفاعل نووي في ألمانيا بتوليد الكهرباء لمدينة كال في بافاريا. لكن بعد حوالي 62 عامًا والكثير من الجدالات بين الأحزاب، تم إغلاق آخر ثلاث مفاعلات نووية في 15 أبريل.
وصل عدد المفاعلات إلى 19 وكانت مسؤولة عن توليد ثلث الكهرباء في البلاد خلال التسعينات. في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في ألمانيا الغربية، قبل توحيد ألمانيا، أدت معارضة الطاقة النووية إلى خروج مئات الآلاف من الشباب إلى الشوارع للاحتجاج على وجود المفاعلات. في عام 1986، بدأت كارثة تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي آنذاك تؤكد التحذيرات بشأن مخاطر الطاقة النووية. لكن جميع الأحزاب الحاكمة وقفت بقوة دفاعًا عن استخدام الطاقة النووية.
في عام 2002، وضع وزير البيئة الألماني التابع لحزب “الخضر” (أقلية) خطة للتّخلص التدريجي من الطاقة النووية، لكن الأحزاب الحاكمة رفضت هذه المبادرة وأهملتها. حسمت كارثة فوكوشيما في مارس 2011 أخيرًا مصير المفاعلات النووية في ألمانيا. حيث قررت المستشارة أنجيلا ميركل في ذلك الوقت على ألمانيا بدء التخلص من هذه المصادر التى تشكِّل خطورة كبيرة على المجتمع والبيئة.
وكان من المُقرّر حسب الخطة إغلاق آخر المفاعلات بحلول نهاية العام الماضي، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجتهم لمصدر طاقة بديل عن الغاز الروسي أدت الى تمديد بقاء آخر ثلاث مفاعلات حتى يوم أمس. الآن تخلصت ألمانيا من الخطر النووي، جزئياً، فما زال عليهم تخزين أخطر نفايات في العالم بأمان لمدة مليون عام.
هل كان قرارهم صائباً؟
ربما، لكنه جاء في التوقيت الخاطئ… لهذه الأسباب:
- جرى تخطي أزمة الطاقة التي عانت منها أوروبا بحلول مؤقتة ولم يتم حلُها بالكامل، لذا يُعتبر التخلص من مصدر طاقة غير مكلف قرارًا في غير محلّه.
- الحُجة البارزة لمحاربة الطاقة النووية هي حماية البيئة، ومع هذا يزداد إعتماد ألمانيا على الفحم والنفط (الأكثر تلويثًا للبيئة) لتوليد الطاقة بصفتها بدائل للغاز الروسي الأقل تلويثًا والمعامل النووّية غير المُلوّثة، فالدخان الصَّادِر منها هو بخار ماء فقط ويقتصر خطرها على النفَّاياتِ النووية. أما الطاقة المتجددة فلا يزال أمامها شوط طويل لتتمكن ألمانيا من الإعتماد عليها بشكل واسع، إن استطاعت ذلك…
- النقطة الأهم هي الوقاية من كارثة نووية، فما فائدة التخلص من مُفاعلاتك النووية بينما تملأ تلك المفاعلات أراضي جيرانك؟ فرنسا، بولندا، هولندا… يكفي أن تحل كارثة بإحداها حتى تصل آثار تلك الكارثة إلى ألمانيا.
الطاقة النووية في أوروبا والعالم
كانت السويد أول دولة أوروبية تتخلص من الطاقة النووية بعد فترة وجيزة من كارثة تشيرنوبيل. ثم تبعتها إيطاليا، التي لا تزال متمسكة بقرارها بقوة حتى اليوم. على عكس السويد التي عادت وتراجعت عن قرارها عام 1996، اليوم تنتج المفاعلات النووية 30٪ من احتياجات السويد من الطاقة. تخطط دول أخرى، مثل هولندا وبولندا، لزيادة إنتاجها للطاقة النووية. لكن فرنسا تحل في الصدارة مع 57 مفاعلاً، لطالما كانت الرائدة في مجال الطاقة النووية، وتعتزم البقاء على هذا النحو. إجمالًا، تعتزم 13 دولة من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي استخدام الطاقة النووية في السنوات القادمة، وبعضهم يخطط لزيادة عدد المفاعلات.