قصة السياسي الذي قتلته كلماته هي قصة من القصص القصيرة الممتعة، بطل القصة هو رجل سياسي أعطاه الله من البصيرة والفراسة مقداراً كبيراً، وتدور أحداث القصة بين السياسي والملك، استمتع بالقصة ولا تنسي أن تقرأ الدروس المستفادة منها في النهاية.
القصة
يحكى أنه في قديم الزمان كانت هناك بلدة عادية جداً مثل كل البلاد في زمانها، وذات يوم دخل إليها رجل غريب، أخذ هذا الغريب يُعرف نفسه لأهل البلدة أنه رجل سياسي يستطيع حل المشاكل بين الناس وبين القبائل، كما يستطيع حل المشكلات النفسية التي قد يمر بها الفرد، ثم أخذ يطلب من الناس ألا يخجلوا منه إذا كانوا يحتاجون إلى المساعدة.
سمع الملك من رجاله عن هذا الرجل الغريب فأمرهم بإحضاره، وسريعاً أحضر الحرس هذا السياسي للملك، ثم دار بينهم الحوار التالي.
بعد التحية بين الاثنين، قال الملك: “أسمع أيها الرجل الغريب إن لي حصان أحبه جداً، لعل هذا الحصان هو أحب شيء لي في هذه الدنيا، وقد عينتك سايساً له لتهتم به وترعاه”.
السياسي: “عذراً يا مولاي الملك! ولكن هناك سوء تفاهم، أنا سياسي ولست سايساً للخيل، وأنا أساعد الناس على حل مشاكلهم”.
الملك بغضب: “اسمع أيها الرجل! أنت غريب عن هذه البلدة ولا تعرفني، أنا لا أحب ولا أسمح أن يعصي أي أحد لي أمراً! وأمامك خياران لا ثالث لهما، إما أن تعمل سايساً لحصاني المفضل، أو سأقطع رأسك، فماذا تقول؟”.
وافق السياسي على العمل سايساً لحصان الملك خوفاً من قطع رأسه، فأمر الملك رجاله أن يأخذوا السياسي إلى الحصان ليبدأ عمله الجديد، ثم تسلم السياسي الحصان من السايس القديم، حذر السايس القديم السياسي وقال له: “إن هذا الحصان أحب للملك من نفسه فاحذر أن تتحدث عنه بسوء أمام الملك، أو أن تذكر عيوبه له، لأنه سيعدمك”.
وبعد شهر، طلب الملك إحضار السياسي ليسأله عن عمله الجديد، وعن رأيه في حصانه المفضل، ودار بينهم الحوار التالي.
بعد تبادل التحية، قال الملك: “كيف هو عملك الجديد؟ هل أنت سعيد معنا؟”.
السياسي: “الحمد لله يا مولاي العمل يسير على خير ما يرام، وأنا سعيد بين زملائي وسعيد أني أعمل مع سعادتكم”.
الملك: “وكيف وجدت حصاني المفضل؟ لقد تركتك فترة كافية حتى تتعرف عليه”.
خاف السياسي أن يخبر الملك بعيوب الحصان فيعدمه كما قال له السايس القديم فأخذ يتهرب من الإجابة، شعر الملك بخوف السياسي وبتهربه من الإجابة على سؤاله.
الملك: “اسمع أيها الرجل أخبرني بما وجدت وإلا أعدمتك، ولا تخف إن كنت صادقاً كافأتك، ولكن إن كنت كاذباً سأعدمك”.
لم يجد السياسي أي حل سوى إخبار الملك برأيه في الحصان فقال: “اسمع أيها الملك إن هذا الحصان هو حصان أصيل، كما تم تربيته وتدربيه على أعلى مستوى، ولكن إذا قال لك أحدهم أنه رضع من أمه الأصلية فهو كاذب”.
جن جنون الملك عند سماع كلام السياسي، ولم يستطيع أن يتحمل هذا الكلام السيء عن حصانه، ثم أمر الحرس بوضع السياسي في السجن وأن يمنعوا عنه الطعام حتى يتحقق من كلامه، ثم أمر بإحضار الوزير الذي أهداه الحصان.
بعد التحية، قال الملك بغضب: “كيف لك أن تعطيني حصان لم يرضع من أمه الأصلية؟!”.
تكلم الوزير وهو قلق ومتوتر، وقال: “سامحني يا مولاي! إن هذا الحصان سلالة نادرة جداً، وقد توفيت أمه وهي تلده، ولم أجد نفس السلالة عند أي أحد آخر، كما لم يكن عندي خيول أخري، ولذلك أرضعته من بقرة”.
تعجب الملك كثيراً عند سماع هذا الكلام، ثم أمر بإحضار السياسي من السجن، ثم دار بينهم الحوار التالي.
الملك: “أخبرني أيها الرجل، كيف عرفت أن حصاني لم يرضع من أمه الأصلية؟”.
السياسي: “إن الحصان الأصيل يا مولاي لا يأكل إلا في معلف، أو من تعليقة يتم وضعها له في رقبته، فهو لا يأكل إلا وهو مرفوع الرأس!”.
سكت السياسي لحظات، ثم أكمل: “أما حصانك يا مولاي، فهو يأكل من على الأرض مثل البقر!”.
تعجب الملك كثيراً من كلام السياسي، ثم أمر الخدم أن يطعموه الدجاج، وأن يهتموا به جيداً، ثم أخبر الملك السياسي أن نظرته للحصان قد تغيرت بعد الذي عرفه عنه، وأنه لم يعد يحب هذا الحصان بعد الآن، وأنه من الآن سيكون مستشاراً للملكة.
عندما سمع السياسي أنه سيكون مستشار الملكة أخذ يتوسل للملك أن يعفيه من هذه المهمة، لكن الملك قال له: “ألا تذكر؟! ألم أقل لك أني لا أحب ولا أسمح أن يعصي أي أحد لي أمراً!”، فاضطر السياسي لخدمة الملكة.
أخذ الخدم السياسي وذهبوا به للملكة، ثم أخبروها أن الملك قد عين هذا الرجل ليكون مستشارها الخاص، تطلب منه قضاء حاجاتها، وتستشيره في أي شيء تريده.
وبعد مرور شهر، طلب الملك إحضار السياسي، ثم دار بينهم الحوار التالي.
الملك: “أنا أرى أنك رجل ذو بصيرة وفراسة، فقل لي ولا تخف كيف وجدت زوجتي الملكة؟”.
أخذ السياسي يتوسل للملك أن يعفيه من هذا الأمر، لكن الملك لم يعفيه من ذلك وإنما أعطاه الأمان ليتكلم، ثم قال له لا تقلق إن كنت صادقاً أعطيتك مكافئة، ولكن إن كنت كاذباً سأقطع رأسك.
فقال السياسي: “إن الملكة يا مولاي تربية ملوك، وأخلاق ملوك، ولكن إذا قال لك أحدهم أنها بنت ملوك فهو كاذب”.
استشاط الملك غضباً، وصاح بأعلى صوته كيف تقول هذا على زوجتي الملكة؟! ثم أمر الحرس أن يسجنوا السياسي حتى يتحقق من كلامه.
كانت الملكة بنت ملك المملكة المجاورة، لذلك أخذ الملكة الحرس وتحرك نحو المملكة المجاورة ليتحقق من الأمر بنفسه.
قال والد الملكة: “لقد كانت هناك حرب طاحنة بين مملكتنا ومملكتكم استمرت لسنين، ثم انتهت الحرب وقد أراد والدك أن يستمر السلام بين المملكتين بزواج ابنه (أنت) من ابنتي، ووافق الجميع على ذلك”.
سكت والد الملكة لحظات وظهرت عليه علامات الحزن، ثم أكمل وقال: “ثم أصابت ابنتي الحصبة وماتت، وكنت أخشى أن يؤثر وفاة ابنتي على السلام بين مملكتنا ومملكتكم، وفي هذا الوقت كنت أقوم بإخلاء بعض الغجر من مملكتي، وقمت بطردهم جميعاً، ثم خرجت أتفقد مكانهم فوجدت هذه الطفلة هناك، فأخذتها وربيتها وزوجتها لك”.
سكت الملك لحظات ثم قال: “لقد استنزفت سنين الحرب موارد المملكتين، وأراقت الكثير من الدماء، وكان هدفي الوحيد من هذا الأمر هو إيقاف الحرب واستمرار السلام بأي شكل”.
رجع الملك إلى مملكته وهو مستاء جداً مما عرف، ثم أمر بإحضار السياسي من السجن، ثم دار بينهم الحوار التالي.
بعد التحية، قال الملك: “كيف عرفت أن زوجتي ليست بنت ملوك أيها الرجل؟”.
السياسي: “إن من عادات الغجر يا مولاي أنهم يتغامزون أثناء الكلام، وقد وجدت هذا الأمر في الملكة”.
كان الملك في غاية الاندهاش، ثم أمر الخدم أن يكرموا هذا الرجل وأن يذبحوا له كل يوم خروف، ثم قام الملك بتعيين السياسي مستشاره الخاص، طلب السياسي من الملك أن يدعه يذهب فقد اشتاق للسفر، ولكن الملك أصر على جعل هذا الداهية مستشاره الخاص.
وبعد مرور شهر، هرب السياسي، فجن جنون الملك وأمر حرسه وجيشه والجميع أن يبحثوا عن السياسي وأن يحضروه حياً، وبالفعل تم القبض على السياسي سريعاً، ثم أحضروه للملك ودار بينهم الحوار التالي.
بعد التحية، طلب السياسي من الملك أن يعطيه الأمان حتى يتكلم، فأعطاه الملك الأمان.
قال السياسي: “صحيح أنك ملك، ولكنك لست ابن ملك!”.
جن جنون الملك وأحمر وجهة من الغضب، ثم أمر الحرس أن يسجنوا هذا الداهية حتى يتحقق من كلامه، ثم ذهب الملك لأمه وأخذ يسألها ويستحلفها حتى أخبرته بالأمر.
قالت أمه: “كان والدك الملك ظالماً، يتزوج البنت وخلال سنة إن لم تنجب له ولداً قتلها وتزوج غيرها، وكنت أنا البنت الرابعة، ولكن وضعت بنت، وهذا معناه أن الملك سيقتلني، وفي نفس الوقت وضعت زوجة الطباخ ولداً وماتت وهي تلده، فصعبت على الطباخ فبادل ولده ببنتي حتى لا يقتلني الملك، وكنت أنا أعطيه بعض الأموال الإضافية كل شهر”.
كان الملك في صدمة شديدة، فزوجته غجرية الأصل، وهو ابن الطباخ وليس ابن الملك، أصابت الملك حالة ذهول شديدة فلم يعد يدري ماذا يقول أو ماذا يفعل.
عاد الملك وجلس على عرشه، ثم أمر الحرس بإحضار السياسي من السجن، ثم سأله كيف عرف أني لست ابن الملك.
فقال السياسي: “رافقتك لفترة، فرأيتك كلما رضيت عن أحد تعطيه المرق والدجاج واللحم، وإذا غضبت من أحد تمنع عنه الطعام، أما الملوك سليلة الملوك فإنها تعطي الذهب والفضة”.
اندهش الملك كثيراً من كلام السياسي، ثم فكر في نفسه وقال: “لقد عرف هذا الداهية عني وعن زوجتي أكثر مما ينبغي، وليس هناك أي حل سوى قتل هذا الرجل حتى تدفن هذه الأسرار معه”، ثم أستل الملك سيفه وقطع رأس السياسي.
الدروس المستفادة
- ليس كل ما يُعرف يجب أن يقال.
- بعض الكلمات قد تقتل أصحابها.
- وأختم بقول سيدنا محمد صل الله عليه وسلم “تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس”.