ترجمة ومتابعة – إبراهيم فايد
على متن رحلتي المتواضعة في بلاط الصحافة العلمية، لفت انتباهي وبشدة ذلك الكتاب الرائع بما حصل عليه من مئات آلاف القراءات وعمليات الشراء والتنزيل الإلكترونية والتقييمات الإيجابية والذي وفي الوقت ذاته نال اهتمامي بمضمونه الشَّيِّق حول الفضاء الخارجي وماهية وآلية الحياة خارج كوكبنا الأزرق المستكين هذا، والذي قال الله تعالى في حقه لملائكته المُكْرَمين: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ليكون هذا الفرمان الإلهي مهدًا وإيذانًا لسلسلة طويلة من الحياة بشرية التي ندور في فلك حلقاتها منذ أبينا آدم وأمنا حواء -عليهما السلام- وحتى يومنا هذا…
كتاب «Scatter، Adapt and Remember» والذي دونته المحررة العلمية والصحافية الفَذّة «Annalee Newitz» لتشرح فيه نظرة علماء الفضاء والفلك في إمكانية الحياة على كوكب الأرض الذي وصفته بـ «البالغ من العمر 4.5 مليار سنة»، وعلى حد قولها تعرضت الأرض خلال هذه الحقب التاريخية العتيقة إلى محو تام للحياة قرابة الست مرات على أقل تقدير؛ إذ تحطمت بفعل اصطدام الكويكبات العملاقة، كما حدث ودُفِنَت في الجليد بأكملها في عصر من العصور، وكذا تكثَّف فيها غاز الميثان بالقدر الذي اختنقت والأحياء عليها، وأخيرًا تفجرت عدة مرات بفعل البراكين الهائلة، وإن كان العلماء قد نجحوا في قراءة وإثبات هذه الآثار التاريخية السحيقة، فإنهم كذا يتوقعون يقينًا أننا على شفا كارثة عالمية أخرى سواء بفعل الطبيعة أو من فعل البشر!
تقول «أنالي نيويتز» أن هذا الاحتمال مرعب، خاصةً وأن كل الكوارث سابقة الذكر تسببت بشكل مباشر وفوري في انقراضات جماعية لأحياء الأرض على اختلافها، لا سيّما ضربات النيازك والإشعاعات الكونية التي مات على إثرها أكثر من 75% من الكائنات الحية، لكن وفي الوقت ذاته ورغم كَوْن الكوارث محققة لا يمكننا المفر منها إلا أن فرصتنا في البقاء والحفاظ على الأحياء وعلى سلامة هذا الكوكب لا زالت في أيادينا إن تكاتفنا جميعًا وفكرنا في تطوير حياة جديدة خارج هذا الكوكب لتكون ملاذًا آمنًا للأجيال اللاحقة من البشر.
كتاب «التشتت والتكيف والتذكر» -بعد رصده الكوارث الماضية والتحذير من تلكم التهديدات اللاحقة- فإنه يسلط الضوء أيضًا على الأبحاث العلمية التي تجري اليوم على قدم وساق لتجنب في المستقبلية، ولعل أبرز تلك الأبحاث هو عقد محاكاة تسونامي تطيح بالأرض مع وضع خطط بديلة للنجاة، وكذا دراسة المدن القديمة الفانية والمدفونة وسط تركيا لمعرفة آثار الدمار وكيفية تجنبه مستقبلًا، وأيضًا البدء في دراسة وتصميم مصاعد فضائية لتسهيل الوصول للفضاء وبناء مستعمرات بالأعلى وتكون هي المفر والملاذ الأكثر أمانًا بعد التعاون مع علماء الأحياء لتوفير الأكسجين اللازم للإنسان هناك.
يشرح الكتاب في طَيَّاتِه، أن علماء الفلك في كبرى الجمعيات العلمية حول العالم، يتوقعون أن «تيتان» -أحد أقمار زحل- قد يكون هو الوجهة الأكثر أمانًا في المستقبل وذلك لاحتواءه على غلاف جوي سميك يمنح حماية كافية من الإشعاعات الكونية، كما أنه يمتاز بطقس يشبه المناخ الأرضي إلى حد كبير وكذا يمتاز عن غيره من كواكب وكويكبات وأقمار بهطول الأمطار والثلوج الموسمية عليه، وهو الذي يذخر بالعديد من الشواطئ الجميلة والكثبان الرملية والبحيرات الساحرة، لكن لسوء الحظ نجد هذه البحيرات مملوءة بغاز الميثان المتكثف بها وبالبراكين الثلجية التي تغطي معظم أرجاء الكوكب، أي أنه بالفعل مكان آمن من الكوارث المدمرة لكنه وفي الوقت ذاته كفيل بتجميد أي إنسان يقضي دقائق معدودة عليه!
وتستطرد «نيويتز»: ماذا لو تَوَصَّلَ علماؤنا خلال المليون عام القادمة لغرس نباتات تقوم بدور الرئة في الفضاء، والتي بدورها تُحَوِّل الغازات على «تيتان» إلى خليط متجانس من الأكسجين وغيره من غازات يحتاجها بنو البشر للحياة، أو حتى نصنع أجهزة ما تقوم بالفعل نفسه وتنقي الأجواء والتربة من أية غازات من شأنها تسمم الأحياء، وإرسال ماكينات تستهل نشاطها بتهيئة سطح هذا القمر للحياة والحركة والإعمار بما يناسب أجسام البشر وقدراتهم؟
تختتم «أنالي نيويتز» كتابها، بأنه حال تكاتفنا وأبناءنا وأحفاد أحفادنا في نبذ الحروب والتفكير جديًّا في تحقيق هذه الاكتشافات فإننا سوف ننجو لا محالة من أية كوارث قد تصيب الأرض خلال آلاف الأعوام القادمة، ولنبتعد خارج هذه الصخرة -الأرض كما أسمتها- ونتشتت تدريجيًا في حلقات النظام الشمسي هذا، وليست غاية الأمر قاصرةً فقط على فرط جمال وروعة التحليق ضمن حلقات زحل (حال انتقلنا للعيش على سطح قمر تيتان)، لكن غاية الأمر إنسانية بحتة تقودنا للاحتفاظ بحيواتنا بدلًا من الاستسلام للموت عند أقرب كارثة تحل بنا!
#إبراهيم_فايد