نشبت ثورة المسيحيين عام 831م، وكانت آخر الثورات التي قام بها البشموريون، وقد كانت العديد من الولايات العباسية آنذاك في حالة ثورة تحت التأثيرات الأموية، ولم يكن لدى الأقباط أي مشكلة من حيث المشاركة في ثورة المسيحيين، فهي من الروايات التي تم تجاهلها في التاريخ الرسمي للفتوحات الإسلامية، الذي تم رسمه وكأنه لم يشهد سوى التسامح والمحبة والعدل بين المسلمين.
تاريخ البشموريين
يُعرف البشموريين أنهم مجموعة من أقباط مصر الذين كانوا يعيشون في الأحراش والمستنقعات بين منطقة دمياط ورشيد (شمال دلتا)، حيث كانوا يتخذون ذلك المكان كمسكن لهم، ليصعب على من لا يعرف طبيعة وأسرار المكان أن يدخل بينهم، وقد كان عملهم آنذاك في صيد الأسماك وإنتاج الورق البردي والزراعة، وقد وصف المؤرخين القدماء البشموريين بأنهم الأكثر توحشًا من باقي سُكّان مصر، وذلك لأنهم ناصبوا العداء للعرب لمدة سبع سنوات، بعد أن سقطت الإسكندرية على أيدي عمرو بن العاص.
كانوا البشموريين ضمن أول الأشخاص الذين قاموا بإعلان الثورة ضد الجباية الحكومية (الضرائب)، وقد ساعدوا العباسيين في الثورة ضد الأمويين عام 750م، تحت قيادة مينا بن بكيرة لإعلان الثورة على مروان بن محمد، حيث كانوا يقتلون الأمويين في الليل ويستولون على أموالهم، وكانوا العباسيين يعدوهم بالعدل عند إستلامهم للسلطة، وقد وعدهم العباسيين ايضًا، بأنهم لن يتعرضوا للإضطهاد بعد الآن، ولكن البشموريين لم يشعروا بعد ذلك الوقت سوى بالإضطهاد.
نشبت ثورة المسيحيين عام 831م، وهي آخر ثورة من الثورات التي قام بها البشموريين، حيث كانت الولايات العبّاسية آنذاك في حالة ثورة تحت التأثيرات الأموية، ولم يكن للأقباط (البشموريين) أي مشكلة من حيث المشاركة في ثورة البشموريين، ومع ذلك فقد تسببت بعض الأمور بإعلان البشموريين التمرد وطرد عمّال الدولة، بالإضافة إلى رفض دفع الجزية للدولة الإسلامية، ومع أن البشموريين كانوا موهوبين بصناعة السلاح، فلم يكن لهم خيار آخر غير الثورة، وكان جزاء من يُصدر صوته بالرفض آنذاك هو القتل.
أرسل المأمون أمام الأمويين الذين أقاموا الثورة لصالح العباسيين جيشًا مُكونًا من أربعة آلاف جندي تحت قيادة أخيه المعتصم، وقد قاد المعتصم ذلك الجيش إلى المحافظة التي تُعرف اليوم بإسم الدقهلية، لإخماد ثورة البشموريين التي كانت قد بدأت بالفعل عام 831م، وقد أرسل المأمون أيضًا جيشًا آخر بقيادة الأفشين التركي، ولكن المحاولة قد فشلت بهزيمة المسلمين، ولم يكن هناك أي مفرٍ حيال الإنتصارات المتتالية للبشموريين، ولهذا فقد جهّز المأمون قوة عسكرية كبيرة وذهب بنفسه لإخماد ثورة المسيحيين، وقد كان المأمون بذكائه عنصرًا جديدًا ليقلب المعادلة.
موقف الكنيسة من ثورة المسيحيين
كات تعرف الكنيسة بأن نهاية هذه الثورة لن تجلب للأقباط سوى البطش والتعسف، ولذلك فقد كانت من المؤيدين للحاكم ضد الثورة، حيث كانت تمتثل الكنيسة لحكمة بولس القديس، التي تقول أن السلاطين مُرتّبة من الله، ومن يقاوم السلطان يكون قد قاوم ترتيب الله وسينال الدينونة، حيث كان يعرف المأمون كيف يستخدم الكنسية لصالحه ضد الثورة، ولهذا فقد إصطحب معه (البطريرك الأنطاكي) الأنبا ديونسيوس في الرحلة، وقد إستدعى ايضًا (بطريرك الأقباط) يوساب الأول فور وصوله إلى مصر لكي يشجبوا تلك الثورة.
حاول المأمون أن يُضعف التأييد الشعبي للأقباط عبر إستدعاء يوساب الأول، ولكن محاولة البطريرك أثناء الخطابات لإقناع قوات الخليفة وضرورة أن يعلنوا إستسلامهم، قد زاد عناد البشموريين وثقتهم بأن ثورتهم لم تنتهي، وبأنهم سيكسبون هذه الثورة لصالحهم، حيث كان يملك المأمون خيارًا آخر للقضاء على الأقباط أثناء الثورة، وهو إعلان المؤسسة الدينية الرسمية التخلّي عنهم، ومن هنا تبدأ نهاية الثورة.
نهاية ثورة البشموريين
على الرغم من كل ما قيل عن شجاعة البشموريين، فقد شنّ المأمون حربًا ضاريةً ضدهم، والمؤكد في هذا الهجوم أن البشموريين قد هُزموا أمام جيش خلافة المأمون، وقد تم حرق مساكنهم بعد ذلك، بالإضافة إلى قتل الأغلبية منهم، وقد رجّح المؤرخين أن بقايا البشموريين قد إستوطنوا المستنقعات في جنوب العراق، وقد عُرِفوا بعد ذلك بإسم “البشروديين”، وعمل البشموريين بعد ذلك بمهنة إصلاح أراضي العباسيين.
يرجّح المؤرخين أن الأقباط قد شاركوا في عدة ثورات بعد ثورة البشموريين، ومن هذه الثوات هي ثورة الزنج على الخلافة العباسية، وقد أبلوّا بلاءًا حسنًا في القِتال، وذلك نظرًا لخبرتهم السابقة ضمن ثوراتهم في مصر، حيث يرى الباحث عماد جاد، وهو باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية،بأن نتائج الثورة قد أثرت على موقع مصر الديمغرافي، ويقول ايضًا أن ثورة المسيحيين كانت بمثابة إنهاء وجود المسيحيين في الدلتا، ووفقًا لأبحاث عماد جاد، فإن نسبة وجود المسيحيين في الدلتا لا تتجاوز الـ 3%، وذلك وفقًا لهزيمة البشموريين في الثورة.
المصادر
- كتاب أقباط ومسلمون – إطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021.
- من سيحكم مصر؟ ج1 – إطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021.
- أوراق مسكوت عنها وهامش يتحول إلى متن – إطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021.