بقلم – إبراهيم فايد
في عصر الانفتاح التكنولوچي الذي نحياه لم يَعُد شيئًا مستحيلًا، وها هي التقنيات الحديثة آخِذَةٌ في طريقها لا تلوي على شيء إلا أن تصل ببرمجياتها عَنان الأحلام بل وحتى الأوهام التي باتت قاب قوسين أو أدنى، وما كان بالماضي مجرد فكرةٍ زائِلَةٍ أو طُموحٍ زائِفٍ أو خيالات عبثية عابِرَةٍ أصبح في يومنا هذا بديهيًا بل ويُصَنَّف علنًا ضِمْنَ مُسَلَّمات الأمور، ولعل آخِرَ هكذا «افتكاساتٍ» ما أعلنت شركة meta -فيسبوك سابقًا- عن تطويره على هامش برمجياتها وطرحه لمستخدميها ألا وهي تقنية «ميتاڤيرس» والتي جعلت بحداثتها من الافتراضيات واقعًا ثلاثي الأبعاد، بينما لم نتعافَ نحن بعد من انبهارنا بعالم السوشيال ميديا ثنائي الأبعاد الذي جعل الكوكب كما لو كان قريةً بل قاعةً واحدة!
وفي نظرة سريعة على عالَم Metaverse والتي تعني ما وراء العالم وتشير إلى معايشة واقع افتراضي حُرٍّ ومفتوح لكل وأية ممارسات بعيدًا عن ضوابط الواقع الفعلي وتَحَكُّماتِهِ وأزماته وخَيْباتِه، يؤسفني إحباطكم بأنها كَحالِ معظم التقنيات الحديثة ليست وليدة العصر لكنها فكرة ظهرت أوائل التسعينيات في روايات «Neal Stephenson» وتم تطويرها بالفعل ليسطع نورها أول ما ظهرت في العام 2003م ضمن لعبة «Second Life»، ومنذ ذلك الحين وما تلاه تم توظيفها في عشرات التطبيقات المختلفة التي كانت طوال العِقدَيْن الأخيرَيْن حِكرًا على مؤسسات دولية ودفاعية ما، إلى أن أتيحت لشعوبنا المُغَيَّبَة في 2019م عبر مايكروسوفت وقبلها في 2017م فيسبوك وغيرهما من شركات خاضت تجربة تصنيع نَظّارات العالم الافتراضي وبرمجة المحتوى الخاص به.
والعجيب حقًا والمريب في الوقت ذاته في هكذا تقنيات، هو «الحرية» بكل ما تصطلح عليه من معاني «افعل ما شئت، متى وكيف شئت»، فتلك في الأصل ابتكارات عظيمة في ظاهرها تسهل العديد من الصِّعاب وتتيح المديد من الممنوعات، أما عن خفاياها و«ما وراءياتها» فهذا ما قد تبرزه الأيام والتسريبات لا سيَّما وأننا نعيش عصرًا مليئًا بالمؤامرات والمساومات والاستراتيچيات والأچندات التي صاغتها أنامل كيانات خَفِيَّةٍ شحذَت من العِلْمَ سِلاحًا ذا حَدَّيْن تؤتي به ثمارًا علمانية بينما وفي المقابل تطغى به على قيم أخرى شبَّت عليها أفئدتنا؛ فالحرية غير المسؤولة أحيانًا تُلقي بنا في غياهب لا طاقة لنا بها…
أخيرًا، لو يتسَنَّى لي التعقيب من منظور تربوي بحت أو أناشد أحدًا ها هنا، لناشدت كل أب وأم وكل راعٍ على أطفال ومراهقين أن يتحسَّسوا جيدًا مُيول واهتمامات ومبادرات ذَوِيهم التقنية تلك وألَا يتركوهم فريسة تكنولوچيا غامضة يخوضوا غِمارها بلا ضابِطٍ أو رابِط، وهذا لا يعني تمردي على هكذا علوم ومستحدثات تُيَسِّرُ للبشرية كثيرًا من أمرها، لكن وبعيدًا عن تقنيات الواقع الافتراضي أتساءل: ما المانع من أن نُخَصِّصَ وقتًا نعيشه سويًا في واقعنا الحقيقي المُعاصِرِ هذا قبل أن تتفَلَّتَ الأعمار من بين أيادينا بِحُكْمِ زِحام الحياة وسرعة وتيرتها، وفي محاولة شبه بائسة نعود بأبجديات الماضي الأصيل الجميل ولو في يوم عطلة شهرية برعاية واقِعٍ مَلموسٍ مَحسوسٍ يروي سُقيا قلوبنا ويشبع لهفة عقولنا ويُحيي فينا الزُّهْدَ صَوْبَ انتهاج سُبُلٍ افتراضية، أضرارها النفسية والمعنوية أضعافَ مَنافِعَها الترفيهية العابرة؟!
#إبراهيم_فايد