لقد تعاقبت عدة دول على التاريخ الإسلامي كان لكل منها خصائص مميزة تركت آثارها على الأمة بأكملها، فكل دولة حكمت الأمة الإسلامية شكّلت جزءًا من تاريخنا وثقافتنا وحتى نهضتنا في كثير من المجالات، وإذا ضربنا أمثلة على هذه الدول، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن بلا أدنى شك الدولة العباسية، فقد استمرت ثلاثة قرون أثرت فيهم في التاريخ الإسلامي بشكل كبير خاصة في عصرها الذهبي..
نشأة الدولة العباسية
بدايةً.. نشأت الدولة العباسية على ضعف الدولة الأموية؛ فقد نجح العباسيون في استمالة الفرس والشيعة لعلمهم التام بنقمة الإثنين على الدولة الأموية لما لاقوه منها من ظلم وعدم إنصاف، ضف إلى هذا ضعف زعماء الدولة أموية وانشقاقهم على أنفسهم، مما أدى في النهاية إلى نجاح العباسيين في ثورتهم المنظمة وقيامهم بإزاحة الدولة الأموية، على يد أبي العباس السفاح.
اقر أيضاً: جوجل يحتفل بذكرى ميلاد أمير الأطباء.. ابن سينا
العصر الذهبي للدولة العباسية
ما إن استقر الأمر للعباسيين حتى نقلوا عاصمة الخلافة إلى الكوفة، ثم إلى بغداد لتصبح بعد ذلك العاصمة ومركز الإشعاع الحضاري والثقافي للعالم العربي مدة ثلاث قرون. والحق أن الخلافة العباسية شهدت استقرارًا في الحكم وذلك لعدة عوامل أهمها أن الفتوحات قد قلت في هذا العهد وتباعدت، فتفرغ الناس للدراسة وللعلوم، وأسهم في ذلك تشجيع الخلفاء لهم، كما أنّ الحكم العباسي قام على المساواة بين الرعية من العرب والعجم، فقد صار الموالي يتولون المناصب الكبيرة في الدولة، حتى إن العناصر الفارسية والتركية كان لها مقام كبير في الجيش، وفي هذه الفترة أصبحت بغداد قِبلة العالم العربي خاصة في عهد هارون الرشيد الذي بلغت فيه الدولة العباسية أوج تطورها وقمة عصرها الذهبي في شتى المجالات.
وعلى مستوى المجال الثقافي، قد نشطت الحركة الفنية والشعرية بشكل خاص، إذ ظهر العديد من الشعراء الذين أسهموا بإثراء الأدب العربي، كأبو الطيب المتنبي، وأبو العتاهية، وأبو العلاء المعري، والخليل بن أحمد الذي قام بتأسيس علم العَروض الذي ساعد في المحافظة على الأوزان الصحيحة للقصائد الشعرية.
أما الترجمة فقد ازدهرت ونشطت فتعددت ترجمة الكتب الهندية وكتب العلوم الإغريقية؛ مما أدى بدوره لنشاط الحركة العلمية، وقد ظهر في عهد الدولة العباسية العديد من العلماء، الذين اهتموا بدراسة كافة المجالات العلمية، ومن أهم علماءها ابن سينا وابن الهيثم، والخوارزمي والرازي وجابر بن حيان وأسماء أخرى كثيرة جعلت من الدولة العباسية منارة للعلم.
أيضًا تميز العباسيون بطابع خاص في العمارة وقد تأثروا بالتقاليد المعمارية الفارسية والآشورية، وقد ظل طرازهم الرفيع طوال فترة حكمهم، ومن أهم خصائصه استخدام الطوب والآجر بأنواعه في المباني العباسية، والنمط المميز في المآذن، كما ظهر أيضًا تصميم منارة المئذنة المنعزلة عن كتلة الجامع ويتجلى ذلك في جامع المتوكل في سامراء، كما قاموا بإنشاء العديد من المدن ظهر فيها بوضوح التأثر بالعمارة الآشورية كان أهمها وأشهرها العاصمة بغداد، وسامراء، والرحبة وغيرهم الكثير، كذلك انتشرت العديد من القصور الإسلامية ذات الفن المعماري المتميز، ويعد عهد المتوكل من أكثر الدلائل على الرفاهية والبذخ في عمارة القصور.
قد يهمك أيضاً:
- كيف احتفلت مصر بالذكرى الـ66 لثورة 23 يوليو
- في الذكرى المئوية لميلاد نيلسون مانديلا
- ذكرى المناضل بالكلمات.. غسان كنفاني
بداية النهاية للدولة العباسية
شهدت الدولة العباسية ضعف شديد لحكامها بعد انقضاء عصرها الذهبي، وتعاقب عليها عدة حكام أغرقوا البلاد في الضرائب وكثرة النفقات حتى ساء الوضع الاقتصادي، كما أنهم أهملوا شئون البلاد وتركوها بيد العناصر غير العربية كالأتراك الذين زاد نفوذهم وأصبحوا هم الحكام الفعليون للبلاد، بالإضافة إلى ذلك قامت عدة حركات ثورية وانقلابية بسبب اتساع رقعة الدولة العباسية بشكل كبير واستقلال الولاة بأنفسهم وولايتهم وضعف الحكام حتى عن جباية ضرائبهم كان أبرزها ثورة الزنج والأدارسة وحركة الدولة الفاطمية.
عملت كل هذه العوامل على إضعاف الدولة العباسية حتى جاء المسمار الأخير في نعش الدولة العباسية بالنهاية المفجعة على يد هولاكو في عام 1258 الذي استغل الضعف الشديد للدولة وأقدم على احتلال البلاد وظل 40 يومًا ينهب ويحرق في المدينة، كما قام بقتل أغلب سكانها بمن فيهم الخليفة وأبنائه.
في النهاية لم تكن الدولة العباسية دولة فتوحات، ولكن وبالرغم من أفول نجمها بهذه الطريقة، فإنها شكَّلت نهضة علمية شاملة جعلتها فترة فارقة في الحكم الإسلامي، وستظل الإنجازات التي تركتها والأسماء التي لمعت في سماءها باقية شاهدة لتُخلِّد ذكرها.