أحيانا كثيرة أتوقف عند آرائه واجتهاداته في مسائل كثيرة تتعلق بالدين، حيث يأتي بآراء لم يتناولها من سبقوه، ويحاول جاهدا طرح كل ما توصل إليه العلماء من اجتهادات، ثم يترك الفرصة للمتلقي أن ينتقي منها ما يرتاح له ضميره، على اعتبار أن كل اجتهادات العلماء المعروفين والمشهود لهم بالصلاح، مقبولة ومن أخذ بأحدها لا غبار عليه.
دائما وأبدا يقول الدكتور سعد الدين الهلالي، لا تحجر على عقل المسلم، وتؤمره بالأخذ برأيك أو الرأي الذي تراه صحيحا من وجهة نظرك، اعرض عليه كل الآراء واترك له الحرية في الاختيار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسائل الخلافية التي لم يرد فيها نص واضح وصريح يحلها أو يحرمها، وكثيرا ما تحدث في مسائل كانت مقتصرة على رأي فقهي واحد، ففتح الباب أمام الناس للاختيار بما يسهل عليهم حياتهم وييسر لهم شعائرهم.
مؤخرا، خرج الرجل بما يشبه الفتوى، وتحدث عن الحجاب، وقال أن الآية التي تقول “يدنين عليهن من جلابيبهن” ليس لها علاقة بالرأس، وتساءل: كيف يلبس الجلباب؟ وأجاب على نفسه: بداية من الرقبة ولأسفل، فما هو دخل الحجاب؟ ولم يكتف بتفسير الآية على غير طريقته المعتادة في سرد كل الآراء وإتاحة الفرصة أمام المتلقي للاختيار، بل فعل مثل ذلك مع الحديث الخاص بالحجاب ” الوجه والكفين”.
وأكد أن راوي الحديث هو أبو داوود الذي مات 275 هجرية، في الوقت الذي مات فيه النبي عليه الصلاة والسلام في 11 هجرية، ولم يظهر الحديث إلا بعد وفاة الرسول بـ 240 سنة، كما أن خالد بن دريك الذي روى الحديث عن عائشة: أن أسماء بنت أبو بكر الصديق دخلت على الرسول وعليها لباس رقاق، وقال: يا أسماء أن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه”، وقال الهلالي أن ابن دريك لم يدرك عائشة لذلك فإن الحديث أكثر من ضعيف.
وقال الدكتور سعد الهلالي أيضا، أن الدول التي اتخذت الدين سياسة، كانت تفرض على المرأة الرأي الفقهي السائد، ولكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت المرأة حرة طليقة تأخذ قرارها حيث تشاء وتتعامل عرفيًا، والعورة يتم تحديدها والتعامل فيها حسب أعراف المجتمع.
الحجاب فريضة ولس عادة اجتماعية
إذن، الرجل يريد أن ينسف كل أدلة فرضية الحجاب التي يستند إليها من يدعو إلى أنه فريضة ليس فيها شك أو اختلاف، بدليل أن كل من سبق اتفق على أن الحجاب فرض رغم تواتر الأزمنة والعهود، واختلاف الثقافات والعادات بين المسلمين في مختلف البلدان، لكنه يرى عكس ذلك، وأن الأدلة المتوفرة إما ضعيفة جدا، وإما تم تفسيرها بالخطأ.
لكن دار الإفتاء المصرية كان لها رأي آخر، ومخالف تماما لما ذهب إليه الدكتور الهلالي، وأكدت أن الحجاب شعيرة من شعائر الإسلام، وطاعة لله تعالى، وفرض على المرأة المسلمة التي بلغت سن التكليف، وقالت إنه:” من المقرر شرعًا أن الحجاب من الواجبات الشرعية، وقد ورد الأمر به في القرآن الكريم في قوله تعالى: ” وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن”.
سعد الدين الهلالي: مساواة المرأة بالرجل في الميراث في تونس صحيح فقهيا وسنصل إليه بعد 20 عام
وأكدت الدار أن الزي الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة هو كل زي لا يصف مفاتن الجسد ولا يشف عما تحته، ويستر الجسم كله ما عدا الوجه والكفين، وكذا القدمين عند بعض الفقهاء، ولا مانع كذلك أن تلبس المرأة الملابس الملونة بشرط ألا تكون لافتة للنظر أو مثيرة للفتنة، فإذا تحققت هذه الشروط على أي زي جاز للمرأة المسلمة أن ترتديه وتخرج به.
وبعيدا عن رد دار الإفتاء الواضح في مخالفة ما ذهب إليه الرجل جملة وتفصيلا، إلا أنني اتخذ عليه أنه خرج هذه المرة دون أن يقول كل الآراء المتعلقة بالحجاب، ويترك لي الحرية في الاختيار واستفتاء قلبي، مثلما كان يقول دائما قبل أن يفتي في أي من أمور الدين، وأصر أن يحدث هذه البلبلة في موضوع يفترض أنه من المسلمات، بدلا من الاجتهاد فيما ينفع المسلمين في ظل الظروف العالمية الحالية التي اجتمعت ضدهم.
الله المنتقم