يتبع قراءة في كتاب بنية العقل العربي للجابري من سلسلة نقد العقل العربي… الفصل الأول اللفظ والمعنى وإشكالية العلاقة بينهما
قرأنا في المقال السابق في مدخل البيان لقراءة المقال يمكنك الضغط على الرابط التالي:
قراءة مدخل البيان في كتاب بنية العقل العربي… مع عرض محتوياته… من سلسلة نقد العقل العربي للمؤلف محمد عابد الجابري
يقول الجابري في بداية الفصل الأول إن المشكلة الايبيستمولوجية الرئيسية في النظام المعرفي البياني، المشكلة التي أسست هذا النظام، أو على الأقل بلورته وبقيت تغذيه منذ عصر التدوين إلى اليوم، هي مشكلة الزوج: اللفظ/ المعنى.
يذكر الجابري أن ما يهمه في هذا الموضوع أساساً هو الجانب الإشكالي فيها ومدى مساهمتها في قولبة العقل البياني العربي.
وانطلاقا من هذا الشاغل الإيبيستيمولوجي يسجل الجابري بادئ ذي بدء، أن أول ما يلفت الانتباه في الدراسات والأبحاث البيانية، سواءً في اللغة أو النحو أو الفقه أو الكلام أو البلاغة أو النقد الأدبي هو ميلها العام والواضح إلى النظر إلى اللفظ والمعنى ككيانين منفصلين، يقول الجابري إنه يجد هذا واضحاً في الطريقة التي سلكها اللغويون في جمع اللغة ووضع معاجم لها، وهي بصورة عامة طريقة الخليل بن أحمد التي انطلق فيها من حصر الألفاظ الممكن تركيبها من الحروف الهجائية العربية والبحث فيها عما له معنى أي (المستعمل) وعما ليس له معنى أي (المهمل).
لقد كرست هذه الطريقة النظر إلى الألفاظ كفروض نظرية أو ممكنات ذهنية يمكن أن يكون العرب قد استعملوها في مخاطباتهم وتسمياتهم للأشياء ويمكن أن يكونوا قد أهملوها، ولما كان تحقيق تلك الفروض يتم الرجوع إلى السماع، أي إلى نوع من الاستقراء لكلام العرب، وبما أن هذا الاستقراء لم يكن، ولا كان بالإمكان أن يكون، استقراءً تاماً نظراً لتعدد القبائل العربية واختلاف لهجاتها وتباعد منازلها… إلخ… فإن المهمل لم يكن، في عصر التدوين على الأقل، ينظر إليه على أنه مهمل بصفة نهائية، بل فقط بصفة مؤقتة، وبالتالي فلقد كان يتمتع بنوع من الوجود أو الكيان حتى ولو لم يكن له معنى.
ولهذا يقول الجابري إنه يجد بعض اللغويين يعرفون الكلام بأنه (ما انتظم من الحروف المسموعة المتميزة) دون أن يشترطوا فيه أن يكون مفيداً لمعنى ولا وقوع المواضعة عليه، وإنما قسموه إلى المهمل والمستعمل وقد وصفوا المهمل بأنه كلام وإن لم بوضع لشيء.
هناك من قال إن الألفاظ تدل على المعاني بذواتها، جملة القول إن المناقشات التي جرت بين البيانيين، من لغويين وفقهاء ومتكلمين في موضوع أصل اللغة كانت تنطلق من ذات المنطلق الذي انطلق منه جامعوا اللغة وواضعي المعاجم: تصور المعاني والمسميات في جانب، والألفاظ والأسماء في جانب آخر، ومن هنا يقول الجابري كانت الإشكالية الرئيسية والأساسية في النظام المعرفي البياني تدور حول محور واحد هو العلاقة بين اللفظ والمعنى، كيف يمكن إقامتها وضبطها وما هي أنواعها.
الإعراب
في اصطلاح النحاة هو الإبانة عن المعنى، يقول الزجاجي الإعراب أصله البيان: يقال أعرب الرجل عن حاجته أي أبان عنها، ورجل معرب أي مبين عن حاجته، ويضيف قائلا: (إن النحويين لما ورأوا في أواخر الأسماء والأفعال حركات تدل على المعاني وتبين عنها سموها إعراب أي بيان، ويسمى النحو إعرابا والإعراب نحوا… إلخ)، والإعراب هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، ويذكر بعد ذلك الجابري أن مركز اهتمام النحاة يقع داخل الإشكالية التي هو بصددها إشكالية اللفظ والمعنى.
الفرق بين اللغة العربية واللغات الأخرى
الفرق بين اللغة العربية واللغات الأخرى التي تكتب فيها الحركات وتعتبر حروفا تدخل في تكوين الكلمة، إنما نلمسه بصورة جلية وواضحة عند القراءة، لا نستطيع النطق ببعض العبارات إلا بعد التفكير في المعنى، أي بعد اتخاذ قرار نختار بموجبه المعنى الذي نعتقد أنه قصد المتكلم، وبالتالي فإذا كان النحو في اللغات الأجنبية يساعد على النطق الصحيح لغوياً، دون أن يكون لذلك كبير علاقة بتحديد المعنى الذي يقصده المتكلم، فإننا في اللغة العربية لا نستطيع قراءة النص قراءة صحيحة إلا بعد اتخاذ قرار بخصوص المعنى الذي نعتقد أو نرجح أن المتكلم يقصده دون غيره وبعبارة قصيرة (في اللغات التي تكتب فيها الحركات مع الحروف: نقرأ لنفهم.
أما في اللغة العربية فيجب أن نفهم أولا حتى نتمكن من القراءة الصحيحة).
أتوقف هنا عن القراءة في هذا الفصل، وسوف أكمل القراءة في وقت لاحق إن شاء الله، وسيتم نشر النص المقروء في مقال قادم- بإذن الله- تعالى.
دمتم بخير أحبائي