يوجد كتاب اسمه “فن الحرب”، كتبه مؤلف صيني في القرن الخامس قبل الميلاد، الجميل في هذا الكتاب؛ أن من الممكن استخدم مناوراته الحربية في مناورات الحياة بشكل عام، وفي واحدة من النصائح التي كان يستعرضها الكتاب، هو أنك إذا كنت مُحاصِر لقلعة أو مدينة، ومُحكم الحصار عليها؛ يجب أن تترك مخرجًا آمنًا للجانب المُحَاصر، لكي يجد سبيل للخروج منه، لماذا؟ وما أهمية ذلك؟
لأن المُحَاصر إذا أيقن أنه في حالة حصار تام – لا مفر – سوف يموت لا محالة، سوف تنبع وتنمو في لحظة بداخله دوافع أكبر؛ لكي ينفجر فيك ويكبّدك خسائر، حتى لا يموت هباءً، والتي في الغالب سوف تقلب موازين القوة وتجعلك تخسر الحرب ذاتها، ولن يُبالي خسارته مادام الموت حتفه الأخير، فليجعلها موتة تستحق.
أما نظرية توجيه الدوافع للنجاة، فهي طريقة لينشغل عقله بالحياة، فهنا سوف يحتار بين أمرين، الأول، هزيمة أكيدة سوف تقضي على حياته، كونه مُحاصر، قليلة الحيلة، ضعيف المواجهة، أو الأمر الثاني، مخرج آمن سالم للحياة، وبما أن الإنسان يحارب في الأساس من أجل البقاء، يحارب في الصغر لكي ينمو ويكبر ويقدر على التعامل مع الحياة، يحارب في التعليم والدراسة لكي يحصل على مكانة عملية ومهنية جيدة، يحارب في العمل لكي يكتسب لقمة العيش، يحارب لتكوين أسرة ومن ثم للحفاظ على استقرارها، كل هذا هو في الأصل حرب من أجل البقاء على قيد الحياة، فلذلك تتوجه الدوافع مباشرة لهذا الإغراء المثير، البقاء حيًا.
المخرج الأمن يقلل دوافع الاستماتة، يُنهي فكرة القتال حتى قبل أن تبدأ في التكوين، لأنه يعلم أن عاقبة القتال خسارة أكيدة، في ظل وجود ربح سهل، يمكن تحقيقه، وحينها تُستبدل كل الأفكار عن القتال والهزيمة والموت، إلى الخروج للحياة، رفقة من يحبهم ويحبونه، أو على الأقل يعود لطبيعة الحياة التي كان يعيش عليها.
على سبيل المثال – لا الحصر – المناقشات، عندما تكون متوفقا في أي حديث أو مناقشة، خاصة المناقشات التي يسودها الجدال بنسبة كبيرة، وتجد المتحدث معك يخسر أمامك كل الحُجج التي يمتلكها، وأصبحت أنت من يُحاصره أكثر، وتثبت له مدى خطأ منطقَهُ، سيظل يدافع عن نفسه، بل سيدافع باستماتة، وبكل ما أوتي من قوة، حتى يصل إلى تدمير منطقك أنت أيضًا، في محاولة منه، للتعادل أو النصر.
ماذا لو تركت له مخرج آمن من الجدال، خاصة بعد أن أثبت صحة منطقك تمامًا؟
ستجده بواسطة هذا المخرج ينسحب من الجدال، وربما في الأغلب سوف يُعلن انتصارك، بشكل صريح أو على الأقل بشكل غير مباشر، لأن هذا المخرج يساعده في هذه اللحظة على ماء وجهه، وفي النهاية تخرج أنت من النقاش رابح انتصار، ورابح هجوم من كنت تُحاصره، حتى لا يبيت لك هذا الثأر في جدالٍ آخر.
هل تُطبق هذه المناورة في النقاشات فقط، أيضًا في كافة العلاقات والتعاملات؟
مثلا، في حالة نقاش الزوجة مع زوجها..
لنتخذ مثالا على ذلك، حينما تتحاور المرأة مع زوجها، وينشب بينهما الجدال الحاد، على أي قضية أو موقف، سواء مهم أو حتى لا قيمة له، ويتحول الحوار من حديث في جلسة بين طرفي علاقة، إلى معركة بين مصارعين داخل الحلبة، وقتها من ينتصر هو من يتخذ هذه المناورة حيلة اجتماعية شديدة الذكاء، لكي ينتصر دون تكبد الخسائر، أي كسب النقاش وتغيير رأي من يجادلك.
إذا ترك أحدهما للآخر مخرج آمن، سوف يهدأ المُحَاصر، إذا افترضنا أن الزوج هو المُحَاصر، ستجده يتخذ هذا الطريق، دون التفكير لوهلة، لنهي النقاش الحاد من جانب، ويحافظ على ماء وجهه من جانب الآخر، وهنا تثبت الزوجة منطقها، ولا تخسر زوجها من ناحية أخرى.
فلنعتبر أن الزوجة أحرزت عدة أهداف في مرمى الزوج، وأثبتت منطقها، بأنها الأقوى من كافة المناحي، إذا تركت للزوج الفرصة لكي يحرز ولو هدفًا واحدًا، سيكون ذلك مخرجا آمنا ليعلن أنه لم يخسر، وعن براعته في إحراز هذا الهدف بالمدح والتمجيد، وأنه لو هناك متسع من الوقت لكان هو الفائز، وهذا يعتبر اعتراف كامن داخليًا بالاعتراف أنها قوية قادرة على الفوز، وهنا كسبت النقاش وغيرت رأي زوجها الذي يجادلها.
الكاتب لم يستعرض هذه المناورة فقط، بل هناك مناورات عديدة يمكن الاستعانة بها في تعاملاتنا الحياتية، مثل، الهجوم المخادع، المناورة التكتيكية، استخدام الطاقة، الضعف والقوة، وغيرها من المناورات، بالإضافة إلى خبراتنا الحياتية التي إذا اعتمدنا عليها، وركزنا في تفاصيل ما مررنا به من علاقات ومواقف، سوف نجد في طرائقنا طريقة تصلح لتصبح نظرية أو مناورة عظيمة تساعدنا في استغلالها للرفع من رصيد الفوز بذكاء وفطنة.