عندما نتصفح شبكة الإنترنت كثيراً ما نصادف الكثير من الصور المذهلة للمجرات البعيدة الموجودة في الفضاء من حولنا، وهي مجرات تبعد عنا ملايين السنين الضوئية ورغم ذلك نلاحظ أن وكالة ناسا تتمكن من التقاط الصور الواضحة والمميزة لها، وذلك بالإعتماد على التلسكوبات المتطورة التي تساعد على إنجازها بسهولة.
ولكن الغريب هو التقاط صور لمجرة درب التبانة التي نعيش فيها اصلاََ؟ لنكتشف ذلك.
كيف التقطت صور مجرة درب التبانة؟
أولاً تخيل نفسك تقف داخل ملعب كبير للغاية، وقد طلب منك أحدهم أن تقوم بتصوير الملعب بالكامل، بحيث تظهر جميع تفاصيله كمبنى متكامل، وفي هذه الحالة سيكون عليك الخروج من الملعب والإبتعاد عنه مسافة تمكنك من التقاط صورة مفصلة له بسهولة، ولكن هل ينطبق الأمر ذاته على تصوير مجرة درب التبانة التي نعيش بداخلها؟
إرسال “مسبار فويجر 1” للوصول لأبعد مسافة في الفضاء
تمكنت وكالة ناسا من ابتكار آلة يمكن إرسالها لأبعد مسافة ممكنة في الفضاء، وهو مسبار “فويجر 1” الذي أُطلق من قاعدة “كيب كانافيرال” للقوات الجوية الأمريكية في فلوريدا سنة 1977، وتمكن من زيارة كوكب زحل والمشتري والتعرف على الكثير من المعلومات عنهما، وأكمل المسبار بعد ذلك رحلته إلى أن خرج تمامًا من المجموعة الشمسية، ومن المتوقع أن يظل في حالة حركة واستكشاف حتى عام 2036 حيث ستنفذ بطاريته النووية.
ولكن هل تمكن مسبار فويجر 1 من تصوير مجرة درب التبانة بعد مرور ما يزيد عن 40 عام من بدء مسيرته؟
الإجابة هي “لا” فبالرغم من كل هذه السنوات التي قطع المسبار فيها مسافة 23 مليار كيلومتر، إلا أن هذه المسافة لم تكن كافية لتصوير المجرة من الخارج، حيث يبلغ عرض المجرة بالكامل حوالي 100 ألف سنة ضوئية، التي تعادل فعليًا 9 ونصف تريلليون كيلومتر، وتمثل المسافة التي قطعها المسبار خلال مسيرته حتى الآن 21 ساعة ضوئية فقط! ما يعني أنه حتى يتمكن من قطع مسافة سنة ضوئية واحدة فقط، سيحتاج إلى ما يزيد عن 18 ألف سنة أي سنكون في عام 20793! وهذا يعني أنه لا يمكن تصوير مجرة درب التبانة من الخارج في جميع الأحوال.
ويبقى نفس السؤال المحير كيف تمكنت وكالة ناسا من تصوير مجرة درب التبانة إذن؟
التصوير بالتقطيع
اعتمدت وكالة ناسا على طريقة أخرى لالتقاط صور لدرب التبانة بطريقة احترافية، وتتمثل في التصوير بالتقطيع باستخدام أحدث الوسائل، إذ يستخدم الخبراء أدوات تصوير شديدة الدقة والإحترافية ويعملون على تصوير المجرة من الداخل على شكل أجزاء متقطعة، إذ يتم تصوير كل جزء بشكل منفصل، وبعدها يتم تجميع الأجزاء بالكامل للحصول على الشكل الخارجي الكلي للمجرة.
تاريخ ومحاولات تصوير مجرة درب التبانة
قديمًا كان العلماء يقومون بتسجيل مواقع النجوم ورسموا خرائط وكتب لوصف الفضاء، ومن أشهرها كتاب “المجسطي” الذي ألفه العالم الإغريقي “بطليموس”، وقد أصبحت خرائطه مرجعًا هامًا للكثير من العلماء من بعده، وفي عام 829 ميلادية تم إنشاء أول مرصد فلكي في الحضارة الإسلامية، وبدأ العلماء المسلمين في التعديل على الكتب الإغريقية المتخصصة في علم الفلك وإضافة المزيد من المعلومات إليها.
كان من أشهر علماء المسلمين في هذا الوقت هو الخوارزمي وابن سينا وغيرهم، وقد استطاعوا اكتشاف العديد من النجوم وتقسيمها إلى مجموعات، ما جعل خريطة الفضاء تتضح بشكل أكبر، وحتى يومنا هذا مازالت هناك الكثير من النجوم التي تحمل أسماء العرب مثل الدبران وسهيل.
مع بداية عصر النهضة وبالتحديد ما بين القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر، بدأ علماء الفلك الأوروبيون في قياس أماكن النجوم في السماء بدقة أكبر، خاصة مع تطوير العالم “جاليليو” للتلسكوب، وكان عالم الفلك البريطاني ذو الأصول الألمانية “فريدريك فيلهلم” هو أول عالم أوروبي حاول رسم صورة كاملة لمجرة درب التبانة، إذ قام بتقسيم السماء إلى إجزاء مختلفة، وقام بأخذ العديد من الصور من أماكن مختلفة (ما يزيد عن 600 مكان على سطح الأرض) باستخدام المنظار، وبعد قيامه بجمع اللقطات مع بعضها تمكن من الوصول لشكل مجرة درب التبانة عام 1785.
تطور دراسة الفضاء
وفي سنة 1920 ميلادية ظهر أشهر عالم فلك أمريكي وهو “إدوين بويل هابل”، وبدأ في دراسة الفضاء باستخدام تليسكوب خاص به، وتوصل إلى أن هناك العديد من المجرات من حولنا، ولكنها تنحصر في ثلاث أشكال فقط، الشكل الأول هو البيضاوي الذي تتوزع فيه النجوم بشكل شبه متجانس، والشكل الثاني هو الشكل الحلزوني الأشهر ويتكون من جزء في المنتصف وهو قلب المجرة يتجمع فيه الكثير من النجوم، ومن حول هذا الجزء تتواجد الكثير من الأذرع الملتفة حوله وتتغير أعدادها وأحجامها من مجرة لأخرى، أما الشكل الثالث فهو الشكل غير المنتظم وأعداده قليلة.
وخلال عام 2003 تم إطلاق مرصد “سبيتزر” الفضائي الذي يقوم بتجميع الأشعة تحت الحمراء وقياس أطوالها، وقد تم التأكد من خلاله بأن مركز مجرة درب التبانة هو عبارة عن تجمع للنجوم الحمراء ومجموعة من الأذرع أو التفرعات، وفي عام 2009 تم التأكد من أن المركز يخرج منه ذراعين بأحجام ضخمة، وثلاث أذرع بأحجام متوسطة وذراع صغير يتفرع من إحدى الأذرع المتوسطة، وهذا الذراع الصغير هو الذي تقع فيه مجموعتنا الشمسية، وقد توصل العلماء في النهاية إلى أنه هو شكل مجرة درب التبانة وليس من الضروري أن يكون دقيقًا 100%.
اعشق التصوير وخاصة المجرة والنجوم وهي توحى لك بقدرة الله. وماقدرو الله حق قدره سبحانه وتعالى