بالصدفة البحتة جمعتني مناسبة اجتماعية في مدينة طنطا، مع اثنين من المدرسين المراقبين في لجان امتحانات الثانوية العامة في إحدى لجان بلقاس بمحافظة الدقهلية، أثناء جلوسي بقربهم استمعت إلى حوار دار بينهم، والواضح أنهما من أبناء محافظة الغربية وتم انتداب كل منهم للملاحظة على الامتحانات في الدقهلية، ويسافرون يوميا من مدنهم وقراهم إلى اللجان ذهابا وإيابا.
الحوار بين الإثنين موجع ومؤلم بصورة مخيفة، ضحكات بنفس مكسورة، وحزن على قلة الحيلة والعجز في مواجهة ما يشاهدوه من تجاوزات، المدرس الأول: وبعدين يا أخي هنعمل في اللجان السايبة دي والراجل اللي ماسكها ولا على باله، الثاني: آدي الله وآدي حكمته، تقدر تعتذر؟ تقدر تمنع اللي بيحصل؟ خلاص هنرمي نفسنا في التهلكة ليه؟ ربنا شايف كل حاجة.
المدرس الأول: بس دا ظلم وضياع حقوق ناس كتير، والواحد زعلان على اللي بيحصل، مش عارف يعمل حاجة، الثاني: مفيش بأيدينا حاجة واحنا مش مسؤولين ولا في أيدينا سلطة نتدخل بيها، وبعدين ربك عادل. تطفلت على الحديث وسألتهم هو فين الكلام دا؟ في الدقهلية، الناس هناك بيغششوا العيال بالعافية، بكل الطرق اللي ممكن تتخيلها، ومفيش حد قادر يمنعهم.
استمر الحوار دقايق وفيه الكثير من المعلومات التي لا يوجد عليها دليل، لكنها واقع موجود في بعض اللجان في بلقاس على وجه الخصوص، بعد أن عدت وبحثت عن أخبار هذه اللجان في أرشيف الصحف على مواقعها الإلكترونية، اكتشفت تاريخ مليء بالأحداث المشابهة لما سمعته على السنة المعلمين، وعلى مدار عشر سنوات تقريبا، بداية من 2012 وحتى اليوم.
في امتحانات عام 2019 في موقع اليوم السابع وتحت عنوان “أهالي طلاب لجنة بلقاس الثانوية بالدقهلية يعتدون على المراقبين بالحجارة” جاء في الخبر أن غرفة العمليات بمحافظة الدقهلية تلقت إخطارا بتعرض مراقبي لجنة مدرسة بلقاس الثانوية بنين، للاعتداء من قبل الأهالي المتواجدين أمام اللجنة، عن طريق الرشق بالحجارة، لإثارة الرعب في نفوسهم، وذلك بهدف إرهاب المراقبين لإجبارهم على السماح لأبنائهم بالغش.
وفي عام 2016 نشر موقع فيتو بعنوان “شغب أمام لجان الثانوية العامة في بلقاس بالدقهلية”، وجاء فيه أن معظم للجان امتحانات الثانوية العامة بمركز بلقاس في محافظة الدقهلية، قد شهدت حالات شغب من قبل أولياء الأمور في محاولة لتسهيل غش الطلاب بالضغط على المراقبين، وفقا لما أكدته غرفة عمليات مديرية التربية والتعليم.
وتضمن الخبر أيضا، أن قرية بطرا التابعة لمركز طلخا كانت شهدت احتجاز مراقب داخل أحد اللجان على يد أولياء الأمور، وتجمهرهم أمام باب المدرسة ومنعه من الخروج، في امتحان المادة الماضية، لعدم تيسيره اللجان على الطلاب، ومنعه الغش ولم يتمكن من الخروج إلا بحضور مأمور طلخا.
وفي عام 2012 جاء في المصري اليوم بعنوان “أهالي يقتحمون لجنة «ثانوية عامة» بالدقهلية بعد اتهام مراقب بتمزيق أوراق طالب”، وقد اقتحم أهالي قرية المعصرة في بلقاس بمحافظة الدقهلية، لجنة امتحانات الثانوية العامة في مدرسة بلقاس الإعدادية بنين، عقب نشوب مشاجرة بين رئيس اللجنة، وابن قريتهم، الذي اتهم رئيس اللجنة بتمزيق ورقة إجابته، وحاول الأهالي الفتك برئيس اللجنة، الذي استنجد بالشرطة وقوات التأمين.
أما موقع صوت الأمة فقد جاء فيه بعنوان “حجب نتيجة 42 طالب بالثانية ببلقاس دقهلية” حيث شهدت مدرسة الثانوية بالمعصرة في بلقاس بالدقهلية حجب نتيجة 42 طالبا دون إبداء أسباب، وبالبحث اكتشف أهالي الطلاب صدور قرار وزاري برسوبهم، فيما أعلن الأهالي عن وقفة سلمية أمام وزارة التربية والتعليم.
كما شهدت قرية منية سمنود التابعة لمركز أجا بالدقهلية حالة من الغضب بين أولياء أمور طلاب الثانوية العامة في لجنتين بمدرسة الشهيد الرائد محمد عادل السولية بسبب رسوب جماعي لأبنائهم داخل لجنتين بالمدرسة، بسبب وجود غش جماعي باللجنتين.
وفي موقع مصراوي جاء خبر يقول: شهد عدد من لجان امتحان الثانوية العامة، بمحافظة الدقهلية ضبط أكثر من 50 حالة غش داخل 3 مدارس بثلاث مراكز على مستوى المحافظة ما بين غش بواسطة الهاتف المحمول أو ذرع سماعات بلوتوث داخل الأذن أو حيازة كتيبات للغش، وأضاف المصدر أن محاضر الغش جاءت عقب اكتشاف لجان المراقبة اصطحاب الطلاب لتليفونات المحمول.
وتشر موقع فيتو في عام 2014: ” أحال الدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم، 30 طالبًا بلجنة مدرسة الثانوية بنين ببلقاس، لضبطهم وبحوزتهم أجهزة محمول، كما أحال وزير التعليم، رئيس اللجنة والملاحظين، إلى التحقيق عن نفس الواقعة.
وفي الوطن في نفس العام 2014 قالت: أكد الدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم، أن الوزارة نجحت في إحباط محاولة غش جماعي، بلجنة مدرسة بلقاس الثانوية بنين في الدقهلية، مشيرا إلى أن سيتم عمل محاضر لجميع الطلاب الذين قاموا بمحاولات غش فردية، وأكد الوزير، أنه في حال ثبوت تورط ملاحظ أو مراقب في عملية الغش للطلاب سيتم فصله نهائيًا.
هذه فقط مجرد نماذج للأخبار التي نشرت عن لجان امتحانات الثانوية العامة في بلقاس، وهو ما يتكرر هذا العام، دون إعلان رسمي عنه، في ظل خوف المعلمين من الأهالي من ناحية، ومن المساءلة القانونية من ناحية أخرى لغياب الأدلة والإثباتات، لكن الأمر يحتاج إلى وقفة حقيقية ضد بعض اللجان سيئة السمعة انتصارا للمجهود الكبير الذي تبذله الدولة لإتمام الامتحانات، وكذلك مجهود الطلاب المتفوقين والياء الأمور طوال العام.