تكاد تكون الثانوية العامة هي النقطة الفارقة في مسيرة أي وزير للتربية والتعليم خلال الـ 50 عاما الأخيرة، حيث تشكل الرأي العام لدى المصريين سواء بالإيجاب أو بالسلب تجاه الوزير المسؤول، وغالبا ما تكون سببا مباشرا في استمراره على كرسي الوزارة، عندما ينجح في تثبيت نظام ينال قبول واستحسان الرأي العام، أو إقالته في أقرب تغيير وزاري في حالة فشله في كسب رضا الناس عن مستقبل أبنائهم.
ولم يحدث خلال النصف قرن الماضي من إثارة مشاعر الناس حول الثانوية العامة، مثلما حدث خلال فترة الدكتور طارق شوقي، وبما يفوق ما حدث عندما كانت الثانوية العامة تشمل الصف الثاني والثالث الثانوي، بما فيها من نظام تحسين للمجموع الذي كان يسمح لبعض الطلاب بالحصول على مجموع أكثر من 100%، لأنه رغم ما فيه من غرابة ظلت الثانوية العامة على نظامها القديم من حيث وضع الأسئلة ومستوياتها، وتسبب فقط في زيادة إرهاق الطلاب وأولياء الأمور على السواء لمدة عامين متتاليين.
الدكتور طارق شوقي منذ يومه الأول في الوزارة وهو يحلم بمشروع كبير لتطوير التعليم في مصر، وخاصة الثانوية العامة، وبالفعل كان مشروعا متكاملا ومبشرا على الورق، وظل هكذا حتى الآن، لأنه عندما أراد تطبيقه على الواقع، اصطدم بعدة عراقيل ضخمة وقفت حائلا دون تحقيق أي خطوة من خطوات المشروع، وللأسف لم ينجح طارق شوقي في إنجاز أي مرحلة من مراحل التطوير بشكل كامل، على مدار أكثر من أربع سنوات تقريبا.
المشروع كان يتطلب مدارس ذكية، وكل مدارسنا كانت بعيدة عن ذلك، لدرجة أن توصيل خدمة الإنترنت للمدارس على مستوى الجمهورية ظل أكبر تحدي يواجه المشروع، بدليل فشل دخول عدد كبير من الطلاب على الامتحانات في أكثر من تجربة، وما زال هذا التحدي قائما حتى الآن، إضافة إلى أن العدد الضخم من المدرسين القائمين على العملية التعليمية لم يتم تدريبهم بالصورة الصحيحة، لأن المشروع كان متعجلا التطبيق في أسرع وقت ممكن.
ضيق الوقت لم يكن يتناسب مع طبيعة المعلم المصري، الذي يحتاج إلى شهور لتعلم البرامج المطلوبة، لكن الوزارة اكتفت بتدريبه لعدة أيام قليلة جدا، لا تكفي شاب صغير لتعلم برنامج واحد فقط من البرامج المطلوب تعليمها، إضافة إلى أن تحويل الطالب المصري من فكرة التحصيل من خلال الحفظ الكثير والفهم القليل، إلى البحث والاستقلال بشخصية لها رأي فيما تقرأ وتعي، أيضا يحتاج إلى وقت كثير وتدرج في عملية التحويل من إلى.
في النهاية اعتقد أن الوصف الحقيقي للمشروع أنه فشل تماما، ولم يحقق أي هدف من أهدافه، حتى التابلت الذي تكلف الكثير لكي يكون في يد كل طالب في الثانوية العامة، لم يستفد منه الطلاب بالصورة المطلوبة، وتحول إلى هديه من الحكومة للطلاب لاستخدامه في أغراض أخرى، واعتقد أن المشروع كان يحتاج إلى أربع سنوات أو أكثر لتجهيز البيئة المناسبة له على أرض الواقع، ومن ثم يتم تطبيقه كاملا، ساعتها ربما استفاد المجتمع المصري من مشروع طارق شوقي.
ظاهرة الغش، استفحلت أيضا في السنوات الأخيرة، خاصة الغش الإلكتروني والغش الجماعي، في ظل مواجهة ضعيفة من الوزارة، وأصبح هناك لجان مخصصة للغش على مستوى الجمهورية، تنتشر عنها الأخبار كل عام، ثم تتكرر في العام الذي يليه، منها على سبيل المثال لجان بلقاس بالمنصورة، ولجان في مناطق متفرقة بالصعيد، ويكفي نتائج طلاب عائلات كاملة نجحوا بمجاميع تفوق الـ 90% وغيرها كثير.
ومع ذلك قرر الوزير وقتها عدم السماح بتحويل الطلاب العام القادم إلا بالرجوع لجان خاصة للوقوف على الأسباب الحقيقية للانتقال إلى هذه اللجان، وهو قرار غريب جدا، لأن الوزير أصدر القرار بناء على النتائج المتشابهة والتي تشير إلى شبهة غش جماعي، وإلا ما كان أصدر القرار، وفي نفس الوقت ترك الباب مفتوحا من خلال لجنة متخصصة لبحث طلبات التحويل، فهل هناك سبب لتحويل طالب من محافظة إلى أخرى إلا للغش؟.
نتائج الثانوية العامة اليمن 2022 بالاسم ورقم الجلوس عبر وزارة التربية والتعليم اليمنية
كان الأولى بالدكتور طارق شوقي أن يصدر قرارا بمنع التحول نهائيا إلى كل اللجان التي ثبت فيها حالات غش، أو أثبتت النتائج الخاصة بها وجود شبهة غش جماعي، هكذا تكون المواجهة الجادة للغش المتفشي في الثانوية العامة، والتي تسبب هذا العام في وجود أوائل وأصحاب مجاميع مرتفعة هم أنفسهم يشككون فيما حصلوا عليه من درجات، ولعل الوزير الجديد وهو رجل الوزارة الثاني في عصر أكثر من وزير للتربية والتعليم، يكون لديه خطة للقضاء على هذا الفيروس الخطير في أقرب وقت ولا يسمح بحصول من لا يستحق على حقوق الآخرين.