يد السعودية الطولى في مكافحة الفساد توقع أمير الرياض السابق وصالح كامل مؤسس “ART”.. وردود أفعال عربية وعالمية واسعة
بعد نجاح السلطات الحاكمة في المملكة العربية السعودية في ملاحقة من عُرفوا بـ “دعاة الفتنة” المتمثلة في عددٍ من الدعاة والمشايخ الذين أثاروا الفتنة بفتاواهم ودعواتهم إلى عموم الناس، بحسب بعض وسائل الإعلام في المملكة، فقد أحكمت الهيئات المعنية في السعودية قبضتها على عددٍ من رموز الفساد داخل البلاد بتكليفٍ مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز آل سعود”، ومتابعة أمينة ودقيقة من الأمير “محمد بن سلمان” ولي العهد السعودي، والتي أوقعت جهود لجنة مكافحة الفساد التي يتولى بن سلمان شؤونها مؤخرًا بكلًا من: الأمير “تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود” أمير الرياض السابق، والشيخ “صالح كامل” مؤسس شبكة قنوات راديو وتلفزيون العرب “ART”.
اعتقالات لجنة مكافحة الفساد في السعودية
البداية كانت مع ما نقلته وسائل الإعلام السعودية، مساء أمس السبت، من تمكن السلطات المعنية داخل المملكة من إيقاف العشرات من المسؤولين والأمراء الكبار فضلًا عن رجال الأعمال المعروفين في السعودية، بتوجيه مباشر من العاهل السعودي جلالة الملك “سلمان بن عبد العزيز آل سعود”، بتهم عديدة تتعلق جلها بالفساد، حيث طالت حملة الاعتقالات الجديدة بحسب قناة “العربية” الفضائية عشرة أمراء فضلًا عن العشرات من الوزراء السابقين والمسؤولين الحاليين منهم والسابقين أيضًا، والذين شغلوا مناصب عدة داخل الأجهزة الإدارية والمدنية السعودية.
وجاءت تلك التطورات الأخيرة والمتلاحقة، عقب مرور ساعاتٍ قليلة، بعد إصدار خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز”، أمرًا ملكيًا كريمًا أعلن خلاله عن حزمة من الاجراءات الجديدة المزمع اتخاذها بغية مكافحة الفساد داخل ربوع المملكة، وشملت تلك الإجراءات تشكيل لجنة خاصة يتولى أمرها نجله الأمير “محمد بن سلمان” والذي يشغل منصب ولي العهد، بغية القضاء على الفساد كما كانت الحملة السابقة على دعاة الفتنة ومثيري القلاقل في بلاد الحرمين الشريفين.
المفيد هنا، هو أن الأمر الملكي قد نصف على كون القيادة السعودية قد لاحظت مؤخرًا قيام بعض “ضعاف النفس” – وفقًا للأمر الملكي – والذين وضعوا مصالحهم الخاصة فوق المصالح العليا والعامة، وقاموا بانتهاك المال العام والاعتداء عليه، دون أي وازعٍ من ضمير أو أخلاق ولا حتى من دين أو حرصٍ على الوطن، وقد استغلوا في سبيل ذلك ما يمتلكونه من نفوذهم وبعض السلطة التي مُنحت لهم، وقد كان الظن فيهم أن يكونوا أهلًا لها وأمناء عليها، لتطال أياديهم المال العام، ويسيئون استغلاله واستخدامه وحتى وصل بهم الحال إلى اختلاسه، وقد استخدموا في سبيل هذا العديد من الطرق بهدف إخفاء ذلك العمل المشين لهم.
وأضاف الأمر الملكي أيضًا، أن هؤلاء قد ساعدهم على تحقيق ذلك التقصير الذي شهدته بعض الأجهزة الأمنية والرقابية في البلاد فحال ذلك دون قيامهم بواجباتهم ومهامهم في هذا الشأن على النحو الأكمل والمرجو منهم، للإيقاع بهؤلاء والكشف عن أعمالهم الدنيئة، فساهم هذا في إخفاء تلك الجرائم عن ولاة الأمور في البلاد، وظلوا متسترين في الخفاء ينخرون بأعمالهم المشينة تلك في عضد الأمة السعودية يومًا بعد يوم، بحسب مضمون الأمر الملكي.
أفادت عددٌ من وسائل الإعلام داخل المملكة العربية السعودية، بتمكن الأجهزة الأمنية في البلاد، مساء أمس السبت، من ضبط الأمير “تركي بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود”، والذي كان يشغل منصب أمير الرياض سابقًا، وذلك بعد توجيه العديد من تهم الفساد للعشرات من رجال الأعمال والأمراء فضلًا عن الوزراء والمسؤولين السابقين والحاليين أيضًا في السعودية.
من جانبها، ذكرت العديد من وسائل الإعلام المحلية وعددٍ من الحسابات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أن توقيف أمير الرياض السابق، والذي ذكرت أسمائه إلى جانب المعتقلين الآخرين بالأحرف الأولى من الاسم واللقب فقط، وذلك بغية تحاشي مخالفة القوانين المعمول بها في هذا الشأن، والتي تحظر تدأول الأسماء الصريحة والتشهير بالشخصيات العامة في البلاد، قبل صدور أية أحكام قضائية نهائية بحقهم، حيث أشارت إلى أن إجراءات التوقيف جاءت بعد العديد من تهم الفساد المحلية والدولية التي وجهت للأمير تركي بن عبد العزيز والتي من بينها قطار الرياض.
يُشار هنا إلى أن الأمير “تركي بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود”، هو أحد أبناء الملك الراحل “عبد الله بن عبد العزيز”، والذي لفي ربه في بداية العام قبل الماضي 2015، حيث خلفه شقيقه الملك “سلمان بن عبد العزيز” بعد ذلك، والذي قام بإعفاء الأمير تركي من منصبه كأمير لمنطقة الرياض، ليعين بدلًا منه الأمير “فيصل بن بندر بن عبد العزيز”، وكان الأمير “تركي بن عبد الله بن عبد العزيز” يشغل قبل تركه منصبه رئاسة الهيئة العليا لتطوير العاصمة السعودية مدينة الرياض، كما تولى رئاسة اللجنة الخاصة والمشرفة على تنفيذ ما عُرف بـ “مشروع الملك عبد العزيز” والمخصص للنقل العام والحافلات والقطار.
وعلى ذكر الاعتقالات أيضًا، فقد طالت الحملة الجديدة للسلطات المعنية السعودية الأمير “متعب بن عبد الله”، وهو شقيق الأمير “تركي بن عبد الله بن عبد العزيز”، والذي كان يشغل سابقًا منصب وزير الحرس الوطني حتى تم إعفائه من مهام منصبه، مساء أمس السبت، قبل أن يتم تعيين الأمير “خالد بن عبدالعزيز بن عياف آل مقرن” خلفًا له، في إطار حملة الاعتقالات الرامية لمكافحة الفساد المسترشي داخل المملكة العربية السعودية.
توقيف الشيخ صالح كامل مؤسس شبكة “ART”
تضمنت قائمة أسماء المطلوبين في قوائم الفساد داخل المملكة العربية السعودية، أحد أشهر الأسماء اللامعة في عالم الإعلام، خلال السنوات الأخيرة، وهو الشيخ “صالح كامل” أو “صالح عبد الله كامل”، وهو رجل أعمال سعودي معروف، إضافة إلى نجله الذي تضمنه أمر التوقيف، وذلك ضمن مجموعة من الأمراء ورجال الأعمال فضلًا عن المسؤولين في مختلف المناصب حاليًا وسابقًا، على ذمة العديد من قضايا الفساد وتقديم الرشاوى.
وبنظرة سريعة حول رجل الأعمال “صالح كامل” نجد أنه قد ولد في عام 1360 هجرية، الموافق للعام 1941 ميلادية، وذلك في العاصمة المقدسة مدينة مكة المكرمة، وقد اشتهرت عائلته بالعمل في “الطوافة”، شغل والده منصب المدير العام الأسبق في ديوان مجلس الوزراء السعودي، أما عن تعليمه، ففي المرحلة الابتدائية والمتوسطة تلقاه بمدينتي مكة المكرمة والطائف، وفي المرحلة الثانوية حصل على شهادتها من مدينة جدة، ومن جامعة الرياض حصل على شهادة البكالوريوس في التجارة.
وقد شغل في السابق منصب مستشار داخل وزارة المالية السعودية، فمكث فيها نحو عشر سنوات، وفي عام 1969 أسس “كامل” مؤسسة “دلة”، والتي كانت معنية بإدارة العديد من الاستثمارات الضخمة في مجالات متنوعة من بينها التجارة والخدمات المالية والعقارات، فضلًا عن العقارات ومجالي الرعاية الصحية والنقل وغيرها.
يعد “صالح كامل” من الشخصيات العربية الثرية، حيث يمتلك ويدير أيضًا ما يربو على اثني عشر مليار ريال يتم توزيعها بين ثلاثمائة شركة ومؤسسةٍ وبنك داخل المملكة، منتشرين في نحو خمس وأربعين دولة في مختلف أرجاء العالم، هذا، يتولى “كامل” أيضًا رئاسة مجلس إدارة الغرفة التجارية الإسلامية، فضلًا عن رئاسته أيضًا لجنة المشاركين في محفظة البنوك الإسلامية، إلى جانب المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية.
شغل “كامل” أيضًا كذلك منصب رئاسة مجلس أمناء المؤسسة المصرية للزكاة، كما كان أيضًا عضوًا في مجلس أمناء كلٌ من “مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله” والتي كانت ترعى الموهوبين، إضافة إلى “مؤسسة الفكر العربي”، و”المؤسسة العربية للإعلام”، وبلغ ثروته بشكلٍ صافٍ خلال عام 2017 الجاري نحو مليارين وستمائة مليون دولار أمريكي.
تعتبر من أشهر ما قاله “صالح كامل”، أنه اتخذ من “الاقتصاد الإسلامي” مجالًا وفكرًا وتطبيق لشتى المجالات في حياته العملية، مشيرًا إلى أنه أحد التجار المسلمين الذين استخلفهم الله في أرضه لإعمارها على قدر السعة والاستطاعة.
ومن أكثر ما تميز به الشيخ “صالح كامل” وكان سببًا في شهرته في تسعينيات القرن الماضي، هي ملكيته لشبكة راديو وتلفزيون العرب والمعروفة اختصارًا باسم “ART”، قبل أن يقوم ببيع الجزء الأهم منه، وهو الشق الرياضي، المتمثل في قنوات “ART Sport” إلى شبكة قنوات “الجزيرة الرياضية” القطرية، وذلك مقابل مبلغ مالي هو مليارين وسبعمائة وخمسين مليون دولار، في العام 2009، وقد أسس “صالح كامل” أيضًا دار “عكاظ” الصحفية المعروفة، وله إسهامات في صحيفة “الوطن” السعودية أيضًا.
وعلى المستوى الاجتماعي، فقد تزوج رجل الأعمال السعودي “صالح كامل” من الفنانة السابقة والإعلامية المصرية المعروفة “صفاء أبو السعود”، وله منها ثلاثة من الأبناء.
ردود أفعال متباينة من الصحافة الأجنبية على اعتقالات رموز الفساد بالسعودية
أضحى قرار السلطات السعودية الأخير، بشأن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها على عددٍ من الشخصيات العامة ورجال الأعمال والمسؤولين، في تهم تتعلق بالفساد، من بينهم أفراد داخل العائلة المالكة، حديث الساعة لدى العديد من الصحف العالمية، حيث رأت فيها بعض الصحف أنها تهدف لتدعيم السلطة التي يتمتع بها ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” والذي يُكلف بالعديد من المهام على الصعيدين الاقتصادي والأمني.
وعلى ذكر تلك المهام، تناولت صحيفة “إندبندنت” البريطانية المعروف، نبأ احتجاز السلطات السعودية الأمير “متعب بن عبد الله بن العزيز”، والذي كان يشغل منصب وزير الحرس الوطني، والاستعاضة عنه لاحقًا بالأمير “خالد بن عياف آل مقرن”، فوصفته الصحيفة البريطانية أنه سعي من قبل “بن سلمان” للسيطرة بفاعلية أكثر على المؤسسات الأمنية في البلاد، والتي توزعت السيطرة عليها في السابق بين العديد من الأجنحة داخل جنبات الأسرة الملكية الحاكمة في السعودية، فيما رأى فيها محللون بالصحيفة أنها خطوة حازمة تندرج في إطار الإصلاحات التي يعتمدها النظام السعودي مؤخرًا.
من جانبه، تناولت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، من خلال محرر الأسواق الناشئة فيها “جون ديفتيريوس”، ما أسمته بـ “عملية التطهير” الجارية حاليًا في السعودية، بأنها تأتي بوصفها جزءًا من عملية “الإصلاح من القمة إلى القاع”، وأوضح الصحفي بالشبكة الأمريكية الشهيرة، أن العديد من المخاوف تحوم منذ فترة ليست بالقليلة حول الفساد المستشري داخل المملكة العربية السعودية، معرجًا على “أسعار النفط” والتي جاء تصحيحها مغيرًا لقواعد اللعبة المعمول بها في هذا الإطار، موضحًا أن الكثيرون ليس بوسعهم تحملها كما كان يحدث في السابق وخلال السنوات العشرين الأخيرة.
ومن الناحية الاقتصادية أيضًا، رأت وكالة “Bloomberg” الأمريكية أن الخطوات السعودية الحيثية تعتبر “غير مسبوقة”، مشيرًا إلى أنها تؤكد أن السعوديون باتوا جادين في عمليات الإصلاح الحالية، ونقلت الوكالة عن “محمد على ياسين”، والذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة “أبو ظبي للأوراق المالية”، أنه قد تم إطلاق مبدأ “المساءلة”، والجميع الآن بات يستشعر القلق، فلا أحد محصن ولا فوق القانون، موضحًا أن كثير من الأسماء التي ورد ذكرها في لائحة اتهامات الفساد، قد ظلت في مناصبها طيلة ثلاثين عامًا، وهو ما يعني أنه سيؤثر على كلٌ من شركة الخطوط الجوية السعودية، وشركة المملكة القابضة، إضافة إلى وزارة المالية السعودية.
مواقع التواصل تنتفض مع الخطوات الإصلاحية تحت شعار: الملك يحارب الفساد
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، منذ أمس السبت، انتفاضة واسعة وتفاعل كبير مع الخطوات الإصلاحية الأخيرة التي قامت بها المؤسسات المعينة في السعودية، والتي طالت أياديها العديد من الشخصيات العامة والقيادية الحالية منها والسابقة، والمتهمة في قضايا فساد عدة، وقد رحبت العديد من الشخصيات المعروفة والنشطاء بالخطوة، ودشنوا لأجل ذلك هاشتاج حمل اسم ” #الملك_يحارب_الفساد”.
الخاتمة
تواصل المملكة العربية السعودية والقائمين على شؤونها في مساعيهم لتطهير البلاد من الفساد والفتنة والشرور التي حاقت بالبلاد خلال السنوات القليلة الماضية، للحفاظ على بلاد الحرمين عزيزة أبية قوية تخدم المسلمين حول العالم، وتواكب مسيرة التقدم والتطور العالمي في كافة المجالات.