يحيى السنوار ” الأسطورة الحية” الذي تسبب في رعب إسرائيل، وأصبح كابوس حكامها الأول، فمنذ يوم السابع من أكتوبر أُصيبت إسرائيل بهلع كبير هزّ جميع أركانها، وأخليت مدنها “غلاف غزة” فصارت خاوية على عروشها، وحطمت أسطورة المخابرات الإسرائيلية التي لا تهزم، وأصبحت أسلحتهم الفتاكة لا قيمة لها، كل ذلك سببه واحد وهو “يحيى السنوار”، صاحب الشخصية الأقوى والأكثر شجاعة وذكاء، فجعل العدو يقف حائراً أمام تفسير تلك الشخصية التي باتت اللغز الأصعب لإسرائيل، فأصبح مقتل السنوار هدف استراتيجي لهم لا يمكن التنازل عنه، فقد وجه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت رسالة إلى سكان غزة في تصريح لوسائل الإعلام طلب منهم التخلص من يحيى السنوار كشرط لإنهاء الحرب على غزة “إذا وصلتم إلى يحيى السنوار قبلنا فهذا سيختصر الحرب” وفقاً لقوله كما أضاف “سنصل إلى يحيى السنوار ونقضي عليه”، بينما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال مؤتمر صحفي بـ “هتلر الصغير” ؛ حيث أن هذه الأحداث تعيد للأذهان ذكرى المحرقة النازية “الهولوكوست”.
فقد بات السنوار على رأس المطلوبين لإسرائيل خاصة وأنه العقل المدبر لـ”عملية طوفان الأقصى” التي شنها على إسرائيل في السابع من أكتوبر، فمن هو الرجل الذي استطاع خداع إسرائيل في عقر دارها بعد أن قضى أكثر من 20 عاماً في سجونها، فبينما تصفه إسرائيل بالرجل الميت ولكن يعد السنوار شخصية “شعبية” في قطاع غزة، وخلال تقرير سابق لصحيفة “فاينانشيال تايمز” أكدت فيه أن التحليل الخاطئ لشخصية يحيى السنوار شكل أكبر فشل استخباراتي لإسرائيل، ولكن من هو يحيى السنوار الذي قلب موازين القوة والضعف وعبث بعقول الإسرائيليين حتى استيقظوا على واقع من الخيال؛ فقد لقن العدو درس لا ينسى، كيف كانت نشأة هذا البطل المغوار وكيف كانت رحلته من سجون الصهاينة إلى زعيم حركة حماس.
من هو يحيى السنوار؟
هُجِرت أسرة يحيى السنوار من مدينة “المجدل عسقلان” التي تُعد من أقدم المدن في فلسطين والتي تقع شمال شرق غزة، وقد سقطت في أيدي الإحتلال الغاشم عام 1948 ميلادياً وقاموا بتغيير اسم المدينة إلى “أشكلون”.
وُلِد يحيى إبراهيم حسن السنوار في عام 1962 ميلادياً في مُخيم “خان يونس”، فقد كان شاهد منذ صغره على همجية قتلة النساء والأطفال والشيوخ، شاهد على قصف المستشفيات والمدارس والمساجد، شاهد على نفاق المجتمع الدولي، شاهد على احتلال غاشم وحصار ظالم حول مدن بأكملها إلى سجن كبير؛ كانت لمثل هذه الأفعال أن تحفر في قلبه الكراهية والرغبة الشديدة في الإنتقام.
حصل يحيى السنوار على البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة الإسلامية في غزة، وخلال دراسته ترأس الذراع الطلابي للإخوان المسلمين في فلسطين “الكتلة الإسلامية”؛ مما ساعده في تتدرج المناصب الرفيعة داخل هيكل حركة حماس.
تشكيل الجناح العسكري
في أواخر الثمانينيات خلال الإنتفاضة الفلسطينية تحولت حماس من حركة إسلامية إلى حركة مسلحة، وقد عمل يحيى السنوار على تشكيل الجناح العسكري لحماس، ووجه ضربة قاضية لجواسيس إسرائيل؛ حينما أسس جهاز الأمن الداخلي لحماس المعروف بـ “مجد” لكشف الجواسيس التي تعمل لحساب إسرائيل في قطاع غزة وكان هذا الجهاز النواة الأولى لتأسيس الجهاز الأمني لحركة حماس والذي ساعد في إجراء تحقيقات مع عملاء إسرائيل.
اعتقال يحيى السنوار
تم اعتقال القيادي الفلسطيني يحيى السنوار من قبل جيش الإحتلال الإسرائيلي عام 1982 ميلادياً، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر وذلك بتهمة المشاركة في “أنشطة تخريبية” ولكن في 20 يناير عام 1988 ميلادياً حُكِمَ عليه بالسجن مدى الحياة 4 مرات ما يقارب “426” عاماً بتهمة تأسيس الجهاز الأمني “مجد” والذي يُعد الجهاز الأمني الأول لحركة حماس، وكذلك أدانت المحكمة السنوار بتهمة قتل جنديين إسرائيليين و4 فلسطينيين وذلك بسبب تعاونهم مع المخابرات الإسرائيلية، قضى السنوار أغلب سنوات شبابه في السجون الإسرائيلية والتي وصلت لأكثر من 20 عاماً.
زعيم الاسري
على مدار هذه السنوات في الاعتقال صمم يحيى السنوار على تعلم اللغة العبرية، وكان مواظب على متابعة الأخبار الإسرائيلية وكل ما يخص الإعلام العبري والمجتمع الإسرائيلي، كما نقلت صحيفة فاينانشيال تايمز وكذلك ميكا كوبي الذي قام باستجواب يحيى السنوار في جهاز “الشاباك” قائلاً ” لقد قرأ السنوار كتباً عن شخصيات إسرائيلية مشهورة مثل فلاديمير جابوتنسكي يتسحاق رابين ومناجم بيجن، كما أضاف ” السنوار قام بدراستنا من الأسفل إلى الأعلى”.
وصل يحيى السنوار إلى منصب زعيم الأسرى ويعتبر هذا المنصب مؤثراً وله نفوذ قوية داخل التسلسل الهرمي لحركة حماس المسلحة؛ فقد صرح كوبى مايكل الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل بالتحديد تل أبيب لشبكة إعلامية “فوكس نيوز” قائلاً “السنوار كان نشيطاً منذ الأيام الأولى له في الانضمام لحركة حماس وأيضا في السجن كان زعيماً بارزاً لأسرى حماس وقد كان شخصية مؤثرة جداً بين السجناء الفلسطينيين”؛ لذلك كانت إسرائيل تطلب أن يكون السنوار وسيطا في المفاوضات بينها وبين حماس.
صفقة تبادل الأسرى
وفقاً لما نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” بدأت القصة في يوم 26 يونيو عام 2006 ميلادياً عندما جاءت تعليمات الاستخبارات الإسرائيلية أن هناك احتمالية اختطاف جنود إسرائيليين من قبل مقاتلي حماس وعلى الجميع توخي الحذر ولكن الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط” كان يشعر ببعض التعب ولم ينتبه للتعليمات، وتعرضت دبابته إلى قصف من قبل المقاومة واستيقظ من نومه مرعوبا ولم يكن بيده سلاح أو خوذة تحميه وقام بتسليم نفسه إلى رجال المقاومة.
قدمت إسرائيل الكثير من التنازلات من أجل تحرير شاليط أو كما أطلق عليه الرأي العام الإسرائيلي “ابن الجميع” وكانت هذه الصفقة هي الأكبر والأضخم في عملية تبادل الأسرى؛ حيث تم إطلاق سراح 1027 فلسطينياً مقابل إطلاق سراح “جلعاد شاليط” وعُرفت هذه الصفقة لدى رجال المقاومة “وفاء الأحرار” والمعروفة إعلامياً بصفقة “شاليط” وكانت من بين الأسماء التي تم إطلاق سراحها هو يحيى السنوار.
صاحب النفوذ الأكبر
انتُخب يحيى السنوار في عام 2017 ميلادياً رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، وقد صرح عدنان أبا عامر المحلل السياسي في غزة “فوز السنوار يظهر أن الرجل يمسك بزمام الأمور بقوة داخل الحركة ولا سيما مفاصلها الرئيسية بما في ذلك الجهاز العسكري”، وحسب ما وصفته مجلة الإيكونوميست البريطانية أن السنوار هو صاحب النفوذ الأكبر في فلسطين.
سعي يحيى السنوار لإصلاح العلاقات الخارجية لحماس؛ مما ساعد في تحسين العلاقات مع مصر، وقد حاول السنوار إصلاح العلاقة بين حماس والسلطة الفلسطينية ولكن لم تنجح هذه المحاولة.
اتهمت إسرائيل السنوار بأنه أحد المخططين الرئيسيين لعملية “طوفان الأقصى”؛ حيث يعتقد “مايكل ميلشتاين ضابط المخابرات السابق أن من نفذ عملية طوفان الأقصى هو الضيف بينما العقل المدبر للعملية هو السنوار، أضاف أن السنوار يفهم كيف يتصرف الإسرائيليون وكيف يفكرون وكيف سيردون عليه، كما أضاف “معرفتنا به قيمتها صفر” “لم نفهمه على الإطلاق”.
تحليل شخصية السنوار
وفقاً لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن المنظومة الأمنية والعسكرية في إسرائيل التي تهتم بتحليل شخصية يحيى السنوار زعيم حركة حماس صرحت “أن منظومة الدفاع الإسرائيلي بعد العدوان على غزة كشفت عن شخصية السنوار بأنه متشدد ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته”.
وفقا لـ “فايننشال تايمز” أن السنوار سريع الغضب وقليل الكلام ورجل ذو كاريزما وله حضور قيادي وذلك وفقاً لما وصفه الكثير من الأشخاص الذين قضوا معه سنوات طويلة في السجن.
وفي محاولة لتقييم استخباراتي إسرائيلي لشخصية السنوار خلال فترة سجنه “أنه شخص قاسي ومؤثر ويمتاز بقدرات غير عادية في المكر والتلاعب ويكتفي بالقليل من الكلام ويحتفظ بالأسرار ولديه القدرة على تحريك الجماهير”.
تصفه إسرائيل بالعنيد ورئيس جناح الصقور، ولا تزال إسرائيل في صدمة وتخبط في كيفية الرد على هجوم حماس الأخير الذي تضمن تسللاً غير مسبوق لمستوطنات الاحتلال؛ أسفرت عن عدد كبير من القتلى والأسرى وما زالت حماس تكبد العدو خسائر فادحة لم يسبق لها مثيل، بينما يهدد العدو باستهداف قادة حماس وعلى رأسهم يحيى السنوار بينما هو لا يبالي بمثل هذه التهديدات الذي اعتاد على سماعها.
حتى تعلم شجاعة #يحي_السنوار
يتحدى الاحتلال
يقول لهم اذا اردتم قتلي
هذا انا امشي بالقدم امامكم
pic.twitter.com/Z7xTV7KEtS— عادل الكثيري (@a_azf10) November 20، 2023
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن يحيى السنوار زعيم حركة حماس في غزة ليس حياً فقط وإنما لديه قدرة كبيرة على المناورة والتلاعب بأعصاب الإسرائيليين؛ حيث أنه اختفى وقطع الإتصالات مع الوسطاء في صفقة تبادل الأسرى منذ اقتحام العدو مستشفى الشفاء احتجاجاً على هذا الاقتحام.
يحيى السنوار” أسطورة حية” يجب أن تُدَرَس شخصيته للأجيال؛ حتى نتعلم كيف لهذا الشخص أن يخدع إسرائيل على مدار أكثر من 20 عام في سجونها ثم يخرج ويشن عليهم هجوماً كاسحا “طوفان الأقصى” وكيف حطم أكذوبة الجيش الذي لا يقهر وأصبح اسمه كابوس نتنياهو ومسح وهم الاستخبارات الخارقة، حتى أن قوة جيوشهم لم تكن سوى سرابا كاذبا، فقد عجز العدو على أن يقدم شبراً واحداً على غزة، فقد انكسرت غطرستهم أمام صخر المقاومة الباسلة.