كم من مرة يقال لك أن “تفكر بشكل إيجابي” حتى تصل إلى أهدافك، فالجميع ينصحك بذلك بدءًا من معلمي المدرسة وصولًا لخبراء المهن المختلفة، وتأتي هذه النصيحة على أساس أنك إذا تصورت مستقبلك بشكل إيجابي ومثالي، فمن المرجح أن تصل إلى مبتغاك.
ولكن الحقيقة أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن هذا التصور الإيجابي والمثالي يجعلك أقل احتمالية لتحقيقها، فقد يكون هذا التصور الإيجابي ممتعًا، ولكن من جهة أخرى يقلل من الحافز لأنه يُشعرك أنك حققت أهدافك بالفعل، ولعل كتاب غابريل أوتينجن “إعادة التفكير في التفكير الإيجابي“، والذي نُشر في 10 نوفمبر عام 2015. حيث يجد أوتينجن أن التفكير أيضًا في الكيفية التي يمكن أن تُسبب الفشل تجعلك أكثر احتمالية لتحقيق أهدافك، لذا يرى أن التفكير السلبي هو الأكثر واقعية، ومع ذلك هناك بعض الجوانب التي تحتاج إلى التفكير الإيجابي ويكون مفيدًا، فالتفكير الإيجابي يمكن أن ينجح، ولكن هذا يعتمد على السياق الذي نستعمل فيه التفكير الإيجابي، وسنغطي في هذه المقالة بعض الطرق والسياقات التي يمكن أن يكون خلالها التفكير الإيجابي مفيدًا.
وسوف نتناول كيفية بناء عادات جديدة وسلوكيات منتظمة تصبح روتينية وتلقائية في حياتنا، وإذا تحسن بناء هذه العادات سوف يكون التقدم الوظيفي أسرع، وقد تحتاج العادة حوالي شهر لترسيخها، ويصعب البدء في الثلاثة عشر عادات التالية معًا أو مرة واحدة، فربما تحتاج أن تختار أحد هذه العادات وتمرينًا واحدًا للبدء، وقد تحتاج جميع العادات ما يقرب من السنة لترسيخها لتصبح عادات سلوكية، وهي كالتالي:
العادة الأولى: لا تنسى أن تعتني بنفسك:
فالأشخاص الطموحون غالبًا لا يهتمون بأنفسهم، فيحترقوا مع الوقت ويصبحون أقل نجاحًا في النهاية، فإذا كنت مهتم بمساعدة الآخرين، فيجب أيضًا أن تعتني بنفسك، فالأشخاص الإيثاريين والذين هم في نفس الوقت يراعون مصالحهم الخاصة، هم الأكثر إنتاجية على المدى الطويل، وبالتالي يستطيعون أن يقدموا مزيد من المساعدة.
ولتعتني بنفسك يجب أن تركز على الحصول على قسط من الراحة كافٍ من النوم، وكذلك ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والجيد، والحفاظ على الصداقات المقربة. فجميع هذه العوامل لها تأثير كبير على سعادتك اليومية، وأيضًا صحتك وطاقتك، فهذه العوامل أكثر أهمية من عوامل أخرى مثل الدخل، فلن تجد بعد فترة احتراق القدرة على الوصول إلى دخل كافٍ.
العادة الثانية: اجعل الصحة العقلية على رأس أولوياتك:
يعاني ما يقرب من 30% من الأشخاص في سن العشرين من مشاكل خاصة بالصحة العقلية، فهناك تدهور للحالة النفسية بدءًا من الحالة المزاجية مرورًا بالتعاسة ووصولًا إلى الاكتئاب، وعليك أن تسعى للوصول إلى طرق مفيدة للشعور بالتحسن النفسي، ويمن الاستعانة بإرشادات متخصصين في هذا المجال مثل كتاب تأليف “ديفيد بيرنز” تحت عنوان “الشعور بالرضا”.
العادة الثالثة: اهتم بصحتك الجسدية (ولا تنسى ظهرك):
هناك الكثير من النصائح الخاصة بالصحة الجسدية، فعلى سبيل المثال قد ينصحك البعض بشرب ثمانية أكواب من الماء يوميًا لتكون بصحة جيدة، وغيرها من النصائح الكثيرة، ولكن الأهم أن تكون تلك النصائح موثوقة ويوجد عليها إجماع علمي.
وقد نجد أن أهم خطر يواجه الصحة الجسدية هو خطر آلام الظهر كسبب رئيسي في الاعتلال الصحي على مستوى العالم، وهي من ضمن الأسباب التي يصعب علاجها، وقد زادت نسبة الإصابات بآلام الظهر نتيجة أماكن العمل الحديثة لكثرة الكتابة على الحاسب الآلي واستعمال الماوس، ومع ذلك يمكن تقليل فرص الإصابة بآلام الظهر بعدة طرق، أهمها إعداد مكتب العمل بشكل صحيح والحفاظ على الجسم بوضعية صحيحة أثناء الجلوس، وتغيير وضعية الجسم بانتظام حتى لا تتعرض عضلاتك للتشنج، وكذلك ممارسة الرياضة بانتظام وخصوصًا الرياضة الخفيفة، اقرأ عن كيفية علاج آلام الظهر.
العادة الرابعة: حدد الأهداف بدقة:
ولعل كثير من الدراسات اختلفت من حيث التركيز على الأهداف أم النتائج أم على العملية ذاتها التي أقوم بها، وهل الأهداف يجب أن تكون طموحة أم قابلة للتحقيق، ورغم كل هذه الاختلافات لكن يبقى تحديد الأهداف هو الأساس لنجاح الأشخاص حيث يميل من يحدد هدفه إلى تحقيق المزيد؟، لذلك من الأهمية لتطوير الذات أن تعتاد على تحديد الأهداف، ويجب أن تتنوع الأهداف ما بين طويلة الأمد ومتوسطة ومرحلية، ويجب أن تتعلم كيفية تحديد الأولويات، فإن 80% من النتائج تأتي من 20% من الأنشطة، وهذا أيضًا كمبدأ 20/80 ينطبق على الأهداف، فقائمة الأهداف واختيار أفضل هدفين هي من الأساليب التي يمكن أن تعزز نجاحك.
ومن الطبيعي أن تشعر أنك دائمًا لا تفعل ما يكفي، ولكن إذا قمت بتحديد الأولويات وركزت عليها، سوف تعرف أنك تبذل قصارى جهدك، وبعد أن تحدد بعض الأهداف، يجب دراسة كيفية تحقيقها، والتمسك بتلك الأهداف والمضي قُدمًا لتحقيقها، كمثال: خصص كل أسبوع ساعة لمراجعة أهدافك والتخطيط للأسبوع التالي.
العادة الخامسة: تحسين مهاراتك الاجتماعية:
تُعد المهارات الاجتماعية الجيدة مفيدة في كل الحالات، فيجب أن نتعلم مهارات التواصل، وكأمثلة: التواصل البصري جزء مهم من مهارتك الاجتماعية، وعدم قطع الاتصال البصري وسيلة مهمة لتحسين التواصل، وكذلك إجراء حوارات صغيرة وتغيير طريقة تفكيرك في المواقف الاجتماعية، يمكن أن يسهل تكوين كثير من الصداقات، فيجب تحسين مهاراتك الاجتماعية بشتى الطرق ودراسة السُبُل المناسبة.
العادة السادسة: أحِط نفسك بأشخاص رائعين:
صداقاتك تؤثر فيك وتؤثر فيهم، وبالتالي جزء من سعادتك مرتبط بسعادة من حولك، ولا تنسى أن من حولك هم الذين يساعدونك في اجتياز الصعوبات، ومن ثم اختيار الأشخاص الذين يدعموك يجب أن يكون محور اهتمامك.
العادة السابعة: تطبيق البحث العلمي لتحقيق السعادة:
لقد طور الباحثون تمارين عملية وسهلة لتجعلك أكثر سعادة، فالأساسيات مثل النوم وممارسة الرياضة والأسرة والأصدقاء والصحة العقلية، جميعهم يمكن أن يساهموا في مقدار السعادة، ولكن هناك ما يجعلك ليس فقط في حالة سعادة، ولكن أكثر إنتاجية، وفي ذات الوقت أقل عرضة للإرهاق.
فيمكن تجربة تقنيات البروفيسور مارتن سيليجمان، في كتابه Flourish وأهم هذه التقنيات:
– قيّم سعادتك في نهاية كل يوم، وسوف تقيّم تقدمك بمرور الوقت.
– قم بتدوين أكثر ثلاثة أشياء تشعر بأنك ممتن بها في نهاية كل يوم، وسبب حدوثها وكيفية تنمية هذا الامتنان.
– استخدام عناصر قوة لشخصيتك، مثل (زيادة السعادة والرفاهيةـ تعزيز العلاقات، البحث عن المعنى والغرض في كل هدف، إدارة التوتر والصحة، تحقيق الأهداف).
– تعلم بعض أساسيات العلاج السلوكي المعرفيCBT فكثير من التعاسة تنتج من معتقدات خاطئة، وممكن تغيير تلك المعتقدات.
– قم بتجربة اليقظة الذهنية، والتأمل هنا له دور أساسي في تحسين الصحة وتقليل التوتر والحفاظ على الصحة العقلية وزيادة التركيز والتعاطف مع الذات.
– افعل خيرًا كل يوم، مثل التبرع، أو الثناء على شخص ما أو مساعدته في العمل
– تدرب على أن تستجيب لنجاحات الآخرين وتحتفل بها.
– قم بصياغة وظيفتك، راجع مقالة ” ما هي الوظيفة التي تحقق حلمك؟”.
العادة الثامنة: تعلم كيف تجيد التّعلُم:
التعلم بالتكرار المتباعد من أهم وسائل التعلم الجيدة، حيث يقلل من منحنى النسيان، وهناك كثير من التقنيات للتعلم، وربما دورة كورسيرا للأستاذة باربرا أوكلي “تعلم كيفية التعلم” وهي الأكثر مشاهدة عبر الأنترنت، ولعل تطوير الخبرة وكيفية ممارسة العمل باحترافية هي من ضمن التّعلم المستمر الذي يجعلك مؤهلًا لتحسين سرعة ردود فعلك وجودة الأداء، والتركيز الشديد على المهمة التي تقوم بها، وربما تصبح من خلال كل هذا مدربًا ومعلمًا مميزًا
العادة التاسعة: كن استراتيجيًا في أدائك في وظيفتك:
كلما كان أداؤك أفضل في عملك كلما كانت الفوائد التي تجنيها منه أفضل، فسوف يكون لديك إنجازات وعلاقات أفضل، مما يعزز لديك رأس المال الوظيفي الخاص بك، وتكتسب إحساس بالإتقان مما يجعلك أكثر رضا عن نفسك، ومن ثم تصبح أكثر إيجابية، فقط كل ما تحتاجه أن تتجاوز ما يفعله الآخرون بنسبة 10% لتصبح متميزًا، ولكن يجب أن تعمل بطريقة ذكية حتى لا تتحمل جهدًا أكبر من أجل هذا التميز.
فمن أهم الأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك: ما هو المطلوب من أجل التقدم في هذه الوظيفة؟ ومن الممكن أن تتحدث مع الأشخاص الذين نجحوا في مجالك في محاولة للتعرف على إجابة هذا السؤال، ولا تثق فقط بكل ما يقولونه، ولكن العمل على ما قالوه للتأكد من صحة ما قالوه، ثم اكتشف كيفية إتقان ما فعلت حتى تقلص وقت وجهد كل شيء تفعله.
العادة العاشرة: استخدم البحث والتنبؤ للتفكير بشكل أفضل في عملية صُنع القرار:
التفكير الواضح ذو أهمية كبرى من أجل حياة أفضل، والذي تحتاجه في اتخاذ قرارات ذو تِأثير جيد، ولكن بدونه نركن للتحيز الطبيعي لقرار معين، فتحتاج هنا أن تكون أكثر عقلانية، فالقدرة على التنبؤ، وهناك دراسات مهمة في هذا المجال مثل: كتاب من تأليف “جوليا جاليف” تحت عنوان “العقلية الكشفية” فإدراك التحيزات الطبيعية في قراراتك لا تكفي. فإن إدراك هذه التحيزات ليس كافيًا للأسف للتغلب عليها، ولكنه يمكن أن يحفزنا على تحسين تفكيرنا، وقد وجدت الأبحاث أن هناك عادات تفكير يمكنك غرسها تجعلك أكثر مقاومة لهذه التحيزات، ولكن من المفيد أن تقوم بتطوير عادة بسيطة عند اتخاذ القرار بالتفكير في ثلاث احتمالات أو ثلاث خيارات على الأقل، وقد تم تناول هذه النصائح بشكل أكثر تفصيلًا بكتاب ” تشيب ودان هيث” بعنوان “Decisive” وكذلك من المهم بشكل خاص فهم الإحصائيات الأساسية وتحليل القرارات وربما يساعدك في التعمق أكثر كتاب بقلم “دوغلاس هوبارد” بعنوان ” كيفية قياس أي شيء“.
العادة الحادية عشر: علم نفسك مهارات العمل المفيدة:
فبعد أن تتعلم الأساسيات وتعلم مهارات العمل بأكثر فاعلية والتفكير بأداء العمل بشكل أفضل، فقد حان ليتحول انتباهك نحو مهارات العمل وتطبيقها في مجال عملك، مع الحصول على تعليقات ونصائح من هم أكثر خبرة، وذلك بمحاولة دمج مهارات جديدة في عملك يوميًا، مثال: إذا كنت تريد أن تتعلم مهارات تصميم الويب، فتطوع مع الزملاء لتصميم صفحة وشاركهم فيها.
وقد أصبحت الدراسة الذاتية أيضًا متوفرة وأسهل من خلال الإنترنت، ومن أهم المهارات التي يمكن تعلمها ذاتيًا وتقودك إلى الأفضل، التحليل لاتخاذ القرارات والتفكير النقدي وكذلك حل المشكلات، والمهارات الاجتماعية مثل التواصل والاستماع النشط والإدراك الاجتماعي وفن الإقناع، وعلوم الإدارة مثل إدارة الوقت ومراقبة الأداء ومراقبة الجودة والموظفين، والتنسيق بين الإدارات والأشخاص، أي جميع مستلزمات المهارات القيادية.
إلا أن المشكلة في المهارات القيادية أنه بعد إجراء سلسلة من التحسينات الشخصية، يميل معدل التحسن للتباطؤ قليلًا، لذلك تحتاج في ممارسة التحسن القيادي بإثقال نفسك بالمهارات المفيدة بشكل ملموس وأسرع في التعلم، مثل المهارات التقنية والكمية، أو المهارات المتخصصة في مجال مهنتك والملائمة لشخصيتك، فسوف تكون أكثر فعالية، بمعنى آخر: فأنت تحتاج لمهارات قيادية بأفضل مزيج لمستقبل مهنتك وكذا سرعة التعلم، وربما التركيز على مهارة رئيسية واحدة أو التركيز على مهارات متعددة، وهذا يعتمد على كيف تكون استثنائيًا في مجال عملك، فمثلاً إذا كانت وظيفتك تعتمد على منشوراتك ومقالاتك، فهنا يجب التركيز على مهارة واحدة لتصبح مثيرًا للإعجاب وتفتح أبوابًا للإنجازات، ولكن في مجالات أخرى تحتاج لما هو أكثر من ذلك من المهارات.
العادة الثانية عشر: اعمل على إتقان مجال ما وقدم فيه مساهمات إبداعية:
بعد الخطوات المذكورة أعلاه استكشف مجالات مختلفة والبحث عن مجال تشعر بالرضا فيه ومزيد من الإتقان عن غيره وتشعر أنه يمكن أن يكون لك تأثير كبير في هذا المجال، ولكي تكون خبيرًا في مجال ما تحتاج للموهبة وتقنيات التدريب والإرشاد الصحيحة، وسنوات طويلة من الممارسة المركزة، ضِف إلى هذا الحظ كعنصر من ضمن العناصر المطلوبة، ولكن الأهم أن تقوم بمساعدة الآخرين من خلال خبراتك من أجل تنميتها وخلق الدافع لتطوير خبراتك.
العادة الثالثة عشر: اعمل لتكون شخصية أفضل:
عند هذه النقطة يجب أن قد فهمت قيمك الخاصة وأنك تعيش حياتك وفق هذه القيم، حيث أن حياتك أصبحت لها هدف، ومن أجل ذلك لابد أنك أخذت وقتًا في التفكير في قيمك وأهدافك في كل مرحلة، فالقيمة تكمن في سبب سعيك لتحقيق الهدف، فبناء شخصيتك يومًا بعد يوم بصفات أخلاقية تجعلك شخص أفضل ذو نقاط قوة وذو رضا ذاتي عن نفسك، فسمعتك على سبيل المثال جزء لا يتجزأ من رأس المثال الوظيفي، فإذا كنت تريد أن تكون صادقًا فيجب أن تتدرب على الصدق في المواضع الأقل خطورة حتى تصل لمستوى الإتقان الذي يؤهلك إلى تحقيق الصدق بآلية غير متصادمة مع الآخرين، فقد تعود الناس على سماع الصدق منك، وهكذا يجب تنمية مهارات الفضائل والقيم من خلال التدريب عليها يوميًا شيئًا فشيئًا.
الخاتمة:
بهذه العادات، وعلى مر السنين، يمكنك أن تتعلم دائمًا كيف تكون ناجحًا، وتبني رأس مالك الوظيفي، وتحقق يومًا بعد يوم أكثر بكثير مما كنت تعتقده في البداية.
أحسنت
جميل جدا