الملكة بلقيس واحدة من الشخصيات التاريخية التي أثّرت في مجرى التاريخ، ومن الجلي أن مثل هذه الشخصيات التاريخية المؤثرة كانت دوماً ذكوراً، فلم يذكر التاريخ سوى النذر اليسير فقط من الشخصيات النسائية أو الملكات. وعلى الرغم من امتلاء التاريخ بالكثير من هذه الشخصيات سواء مَن كان منها جيداً أو حكيماً أو على العكس من ذلك كان وضيعاً أو حقيراً. إلا أن التاريخ القديم كان زاخراً بالعديد من الشخصيات الهامة المؤثرة. لكن قليل من هذه الشخصيات هي التي ذُكرت في الكتب المقدسة، وذلك لإرتباطها بعصور عاش فيها الأنبياء والرسل. ومن أشهر هذه الشخصيات هي الملكة بلقيس ملكة سبأ. وقد ارتبطت قصة هذه الملكة بنبي الله سليمان.
الملكة بلقيس في التوراة والإنجيل والقرآن
ذُكرت قصة الملكة بلقيس في الكتب المقدسة الثلاثة التوراة والانجيل والقرآن، لكنها قصة مجملة بلا تفاصيل كثيرة، لكن مع ذلك فإن كثيراً من الدارسين للكتب المقدسة شرعوا في تخيل قصص وحكايات عن هذه الشخصية بناءً على أحداث تاريخية معينة، ومع ذلك فقبل الخوض في هذه القصص لنتاول ما قالته الكتب السماوية عن بلقيس.
تقول التوراة في سفر الملوك ” وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه بمسائل… ”
ويقول الانجيل ” ملكة تيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان… ”
ويقول القرآن على لسان الهدهد ” أحطت بما لم تُحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت إمرأة تملكهم، وأوتيت من كل شىء ولها عرش على الماء… ”
وتتناول القصص الثلاث التي ذُكرت في الكتب المقدسة قصة ملكة سبأ دون ذكر لإسم بلقيس، واتفقت على أن هذه الملكة آمنت مع سليمان برب العالمين، وإن اختلفت التفاصيل في هذه القصص فيبقى أمر واحد ألا وهو اتفاق الكتب كلها على حدوث هذه القصة.
التفاسير المختلفة
لكن مع ذلك فإن بعض المفسرين والأحبار ورجال الدين قد بحثوا عن أصل هذه المرأة كثيراً، بل وشطح بهم الخيال كثيراً حتى وصل بهم الأمر أنهم قالوا أن بلقيس كان والدها ملك سبأ وأمها من الجن، وعندما عاشر الملك أمها وُلدت له بلقيس، لذا حينما دخلت الصرح الممرد وكشفت عن ساقها رأى سليمان شعراً على ساقها فقال لها ” جمالك جمال إمرأة وشعر ساقيك كرجل، الشعر جميل للرجال ومشوه للنساء.”، وهذه القصة ذكرتها الكتب اليهودية.
ومن خلال هذه القصة، وكذلك ارتباط سليمان بتسخير الجن تم اختلاق قصة أن الملكة بلقيس كان نصفها بشري ونصفها الآخر من الجن، وانتشرت الكثير من الخرافات حول هذه الملكة منها الأساطير اليمنية والأساطير الاثيوبية، حتى ذُكر في أحد الأساطير أن سليمان عاشر بلقيس وولدت له ” منليك” وهو أحد ملوك الحبشة قديماً، ويدعونه ” منليك بن الحكيم”.
الاكتشافات الأثرية
وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن الاكتشافات الآثرية الحديثة أثبتت فعلياً أن موقع مملكة سبأ كان في اليمن. إلا أنها لم تجد أثراً يُذكر لبلقيس أو النبي سليمان على الأقل حتى الآن. حتى وصل الأمر إلى البحث عن الملوك الذين كانوا يحكمون هذه المناطق في الفترة التي كان يحكمها الملك سليمان طبقاً للكتاب المقدس.
وقد أفادت أقدم الوثائق المُكتشفة في هذه المناطق والتي تعود إلى فترة المائة عام بعد حكم الملك سليمان. أنه ليس هناك ما يُشير إلى انه كانت هناك ملكة من الملكات التي كانت تحكم سبأ وتسمى بلقيس، وعلى الرغم من عدم إثبات الحفريات حتى يومنا الحالي لوجود الملكة بلقيس، إلا أن البحث مازال مستمراً رغم اعتقاد البعض أن الملكة بلقيس هي ذاتها زنوبيا ملكة تدمر السورية في ذلك الوقت لكن ليس هنالك إثبات على ذلك الكلام حتى الآن.
المراجع