في سنة 1993 أُقيم في إقليم إريتريا (التابع لإثيوبيا آنذاك) إستفتاء على الإستقلال عن إثيوبيا، فصوّت الشعب الإريتري بالإجماع على الإستقلال، بعد حرب ضروس بين إثيوبيا وبين جبهة التحرير الإريترية، دامت 30 سنة، وتم الإعتراف بإريتريا دولة مستقلة في نفس العام.
وكان من أكبر خسائر إثيوبيا في إنفصال إريتريا عنها، هو خسارتها لميناءيها على البحر الأحمر: عصب – مصوع، فصارت إثيوبيا دولة حبيسة، بمعنى أنها لا تملك سواحل تطل على ثمة بحر أو محيط، مما يتسبب في عزلة الدولة الحبيسة تجاريًا إلى حد كبير.
ومنذ تولي آبي أحمد رئاسة الحكومة في إثيوبيا في سنة 2018 وهو تراوده أحلام الهيمنة، فبعد نجاحه في جعل سد النهضة أمرًا واقعًا، يتجه بكل قوة لمسألة المنفذ البحري، وكان من أشهر تصريحاته، قوله: “كيف لبلدٍ يخطو حثيثًا ليصل عدد سكانه لنحو 150 مليونًا، أن يعيش في “سجن الجغرافيا”؟.
بل ووصل الأمر بآبي أحمد أن قال في تسريب له: إن “إثيوبيا ستعمل على تأمين الوصول المباشر إلى الميناء، إما سلميًا، أو بالقوة إذا اقتضى الأمر”.
وفي خلال شهوره الأولى في الحكم، عقد آبي أحمد إتفاقيات مع كلٍ من: الصومال لإستغلال 4 موانئ صومالية على المحيط الهندي وخليج عدن، وإتفاقية مع إريتريا لتطوير طريق يصل إلى ميناء عصب على البحر الأحمر،
كما عقد إتفاقية مع جيبوتي لشراء حصة من ميناء جيبوتي، الذي تتداول فيه 95% من تجارة إثيوبيا الخارجية، وإتفاقية رابعة مع السودان لإستغلال ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، وإتفاقية خامسة مع كينيا، بشأن الحصول على مساحة من أرض جزيرة لامو في المحيط الهندي.
هكذا بانت نوايا آبي أحمد، ليس في الحصول على مجرد منفذ بحري فحسب، بل الهيمنة على موانيء منطقة القرن الأفريقي لصالحه، في إطار تخطيطه لإستعادة حكم هيلاسيلاسي الإمبراطوري في إثيوبيا، خاصة إذا أخذنا في الإعتبار سعي آبي أحمد لدى فرنسا، لإعادة إحياء سلاح البحرية الإثيوبي الذي تم تفكيكه عقب إنفصال إريتريا، وتحول إثيوبيا إلى دولة حبيسة.
ونظرًا لحسابات معقدة متعلقة بصراعات متشابكة في منطقة القرن الأفريقي، والتي تتداخل فيما بين دولها: الأعراق والتحالفات السياسية والعسكرية، و النفوذ الأجنبي، وخشية آبي أحمد ان تحُول تلك الصراعات بينه وبين مآربه، فقد فاجأ الجميع بعقد إتفاقية مع جمهورية أرض الصومال، لتأجير ساحل بطول 20 كيلومتر حول ميناء بربرة الصومالي على خليج عدن، لمدة 50 عام.
وأرض الصومال (صوماليالاند) هي جمهورية منفصلة عن دولة الصومال، وغير معترف بها من أي دولة في العالم، وذلك رغم أنها تمتلك كل مقومات الدولة المستقلة.
ويعد إنفصال صوماليالاند، أحد أسباب عدم الإستقرار في منطقة القرن الأفريقي، والذي تجتهد كلٌ من جيبوتي وإريتريا لعلاجه، وإعادة اللُحمة بين القطرين الشقيقين، فإذا بآبي أحمد يضرب محاولات علاج وضع صوماليالاند في مقتل.
أثار إتفاق آبي أحمد مع صوماليالاند، غضب كلٍ من دولة الصومال وجيبوتي و إريتريا، وكل دولة منهم لديها من الحسابات والمشاكل الداخلية والإقليمية ما يحد من قدرتها على إتخاذ موقف حاسم ضد آبي أحمد، خاصة إذا أخذنا في الإعتبار سابقة إحتلال إثيوبيا لدولة الصومال سنة 2006 بعد سنوات من الحروب بينهما.
على إثر الإتفاق الأخير، أعلنت الخارجية الأمريكية عن قلقها من إحتمال إعتراف إثيوبيا بإستقلال صوماليالاند، كما طالبت تركيا، التي تقوم بدور عسكري في دولة الصومال، بالحفاظ على وحدة الصومال، وحذرت مصر إثيوبيا، تحذيرًا شديد اللهجة من سياسة إشعال المنطقة.
وتأتي الخشية من تفاعل التدخلات الإقليمية والدولية في هذه الأزمة، في ظل معطيات ملتهبة تحيط بالمنطقة، وإشتعال البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي على أفريقيا، بمواجهات حامية الوطيس بين الحوثيين من ناحية والولايات المتحدة وحلفاءها من ناحية أخرى.
مما يُحتمل معه إنتشار الصراع إلى الساحل الغربي للبحر الأحمر وخليج عدن، المشتعل أساسًا بحرب السودان، ما قد يفرض إعادة رسم خريطة القرن الأفريقي.