الكونفوشيوسية واحدة من الديانات المشهورة على وجه الأرض. هذه الديانة قد انتشرت في شتى بقاع العالم، ومثل هذه الأديان تحمل في طياتها الكثير من مكارم الأخلاق وتدعو إليها، وعلى الرغم من وجود الألاف الديانات في العالم سواء السماوية منها أو الوضعية، إلا أن هناك العديد من المذاهب الفلسفية التي اعتنقها بعض البشر واعتقدها الناس ديانات، لكنها لم تكن كذلك قط، من هذه المذاهب الكونفوشيوسية، فما هي هذه الديانة؟ وإلى ماذا تدعو؟ وكيف كانت بدايتها؟ هذا ما نتعرف عليه في التقرير التالي.
كونفوشيوس وتأسيس الكونفوشيوسية
الكونفوشيوسية هي في الأساس مذهب فلسفي اجتماعي يتعلق بمكارم الأخلاق والإجتماع وطريقة الحكم والسياسة، لكن بمرور الزمن تطورت من مدرسة فلسفية إلى عقيدة دينية يعتنقها الكثير حول العالم.
تأسست هذه المدرسة على يد الفيلسوف كونفوشيوس في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت تقوم في بداية دعوتها على ضرورة العودة للعادات والتقاليد الماضية التي تركها الأجداد، وتدعو إلى إحياء التراث القديم في الصين، ثم ما لبثت هذه الدعوة أن أضاف عليها كونفوشيوس الكثير من المبادىء الأخلاقية والسلوكية حتى انتهت إلى نظام إجتماعي شامل.
إذن فلم تكن ديناً بالمعنى المتعارف عليه، بل هي أقرب ما يكون إلى مدرسة فلسفية اجتماعية لتحسين حياة البشر، وكذلك لم يكن كونفوشيوس قد إدّعى أنه نبي أو رسول مُرسل من قبل الإله، بل كان مجرد رجل صاحب دعوة إصلاحية ليس أكثر.
لقد بدأت في الصين ثم انتشرت بعد ذلك إلى اليابان وكوريا وفيتنام، وليس هناك إحصائية موثقة لعدد معتنقي هذا المذهب حول العالم.
Close-up of stone statue of Confucius، pagoda roof in the backgroundالمبادئ العامة
في هذه العقيدة نجد الكثير من المبادىء الأخلاقية كالحب والتسامح واحترام التقاليد والكرم والاخلاص والصدق، لكن بعض الناس ينظرون إلى هذا المذهب على أنه مذهب إلحادي، ومعتنقيه لا يؤمنون بوجود إله للكون، لكن الكونفوشيوسية على العكس من ذلك تماماً، فمعتنقيها يؤمنون بوجود إله أعظم في السماء، بل ويقدمون له القرابين في احتفالاتهم السنوية.
كتب الكونفوشيوسية
تحتوي هذه الديانة على العديد من الكتب الخاصة بها والتي جُمعت على مدار قرون طويلة إلا أن أشهر هذه الكتب، تلك التي تُنسب إلى كونفوشيوس نفسه وهي خمسة، فكتاب ” الأناشيد” يحتوي في طياته على الأمور الأخلاقية التي وضعها الفيلسوف، وكتاب ” التاريخ ” يشتمل على الماضي العريق للامبراطورية الصينية، وكتاب ” الطقوس ” يضم التعريف بالسلوكيات التي يجب على الفرد إتباعها في حياته، وكتاب ” حوليات الربيع الخريف ” يحتوي أيضاً على سرد موجز لبعض الأحداث التاريخية في الصين، وأخيراً كتاب ” التغيرات ” ويضم عدد لا بأس به من نبوءات تستشرف المستقبل.
الكونفوشيوسية والحزب الشيوعي
أما الجدير بالذكر إنه على الرغم من سيطرة الحزب الشيوعي الآن على الحياة السياسية في الصين والعمل بمبادىء الشيوعية إلا أن هناك الكثير جداً الذين مازالوا يؤمنون بمبادىء الديانة التي وضعها الفيلسوف كونفوشيوس، بل ويعملون وفقها.
ومن الجلي أن لهذه العقيدة تأثير واضح جداً على علاقة الحاكم بالمحكومين في الصين، فاعتناق الشعب الصيني لهذه العقيدة جعلت من تبجيل الحاكم واعتباره بمثابة الإله أمر مُسلم به، حتى جاء الحزب الشيوعي ليحكم في النهاية ويحاول بشتى الطرق أن يقضي على الكونفوشيوسية ومبادئها، ومع كل محاولاته للقضاء عليها، استطاع بصعوبة شديدة أن يمنع الناس من اعتناقها إلا إنه في الوقت الراهن ظهرت حركات جديدة في الصين تعاود إحياء هذه العقيدة من جديد وقد سمت نفسها الكونفوشيوسية الجديدة، وبدت كحركة معارضة للنظام الشيوعي في الصين، ودعت الحركات الجديدة إلى إعادة إحياء ما اصطلحوا على تسميته إحياء القيم والمبادئ الآسيوية من جديد، وقد تتبع ميلاد هذه الحركات الفيلسوف ” دانييل بيل” في كتابه ” الكونفوشيوسية الجديدة في الصين”.
المراجع