تتناثر الاخبار عن مواجهة بين طرفين أحدهما يدعى قوات الدعم السريع ‘‘الجنجويد‘‘ بقيادة محمد حمدان دقلو ‘‘حميدتي‘‘ والآخر الجيش النظامى السودانى تحت قيادة البرهامي ..
‘‘الجنجويد”.. اختصار كلمة ‘‘الجن راكب جواد شايل جيم ( بندقية ألمانية)، هى في الاساس مليشيا عسكرية أنشأها الرئيس السودانى السابق “البشير” أثناء أزمة دارفور عام ٢٠٠٣ بغرض التصدي للحركات المسلحة التى نشأت للدفاع عن القبائل ذات الأصول الإفريقية المهمشة سياسيا واقتصاديا مثل الزغاوة والمساليت..
بهدف تحويل الإقليم المنكوب إلى حرب مفتوحة بين القبائل العربية والإفريقية، سمح “الجنجويد” لقطاع الطرق والمجرمين من القبائل العربية بالانضمام لقواته..
لم يجد “البشير” مخرج تحت ضغط من المجتمع الدولى بعد ارتفاع أعداد القتلى على يد قوات “حميدتي” إلى ٤٥٠ ألف شخص، سوى تحجيم دور “الجنجويد” والسماح لقوات تابعة للاتحاد الإفريقي بالدخول إلى مناطق القتال بصفة مراقب..
لاحقا، في خلاف بين الحليفين الرئيس “عمر البشير” و”حميدتي” تمرّد الأخير على الرئيس “البشير” عام ٢٠٠٧..
حملت قوات ميليشيا “الجنجويد” السلاح ضد الجيش لأن الحكومة تأخرت في دفع رواتب أفراده، في موقف مهين انصاع “البشير” صاغرا، لم يحصل فقط “حميدتي” الذى لم يلتحق بأى كلية عسكرية أو يتلقى تعليمًا أكاديميًا عاليًا أو يحمل صفة ضابط في الجيش السودانى، على كل مستحقاته بأثر رجعي، زين كتفى تاجر الإبل رتبة “عميد” ليتحول إلى قائد عسكري رسمي في النظام السودانى..
مرة أخرى عادت من جديد قوات “الجنجويد” في خدمة “البشير”داخل دارفور، تحقق انتصارات عسكرية متوالية على الأرض أمام فصائل التمرد قبل أن تحين مرحلة توزيع غنائم الحرب، لا يجد “حميدتي” حرجا في التمرد على كل الأعراف القبلية وخوض حرب أخرى أمام ابن عمه “موسى هلال” ذلك القائد الأخر في ميليشيا “الجنجويد”، على جثة ألف قتيل بخلاف ١٥٠ الف اخرون من المشردين يسيطر “حميدتي” على منطقة جبل عامر الغنية بالذهب الواقعة في دارفور لتذهب النسبة الأكبر من عوائد الثروة إلى حساب “حميدتي” ورجاله..
فى عام ٢٠١٣ تأتي المكافأة الأعظم من النظام السودانى على هيئة قانون يقضي بتحويل ميليشيا “الجنجويد” إلى قوة عسكرية رسمية معترف بها تحت اسم ‘‘قوات الدعم السريع‘‘ ويشرف عليها جهاز المخابرات السوداني بعيدا عن الجيش السودانى الذى رفض انضمامها ضمن قواته..
بالنسبة إلى الرئيس “عمر البشير” كان وجود ميليشيا بعيدا عن الجيش السودانى توفر له الحماية الشخصية في وقت الانقلابات والأزمات، ملائمًا تماما..
بقرابة ٤٠ ألف جندي هى قوام قوات الدعم السريع انتهى الأمر بين الرئيس “عمر البشير” و”حميدتي” إلى انقلاب الاخير عليه والمشاركة في الاطاحة به بعد ثورة ٢٠١٩ وتقاسم السلطة مع الجيش عند تشكيل مجلس السيادة الذي ضم المكونين المدني والعسكري، بحصة ٦ عسكريين وخمسة مدنيين، فاحتفظ “البرهان” قائد الجيش برئاسة المجلس وحميدتي بمنصب نائب الرئيس..
بالتدريج انفجرت الخلافات بين الطرفين، “البرهان” و”حميدتي”، تصاعدت وتيرتها حتى ذروتها مع توقيع اتفاق “جوبا” الذي ينص على دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش السودانى..
كانت شروط الدمج بين طرفي الحكم العسكرى في السودان من نظر الجيش بقيادة “البرهان” تعني إقرار منع التجنيد في قوات الدعم السريع وتسريح كل من التحق بالخدمة فيها بعد إبريل ٢٠١٩ بالاضافة إلى تسليم كامل سلاحها إلى الجيش ووقف انتشار قواتها إلا بموافقة قيادته، أما الأصعب فقدان السيطرة على اموال واستثمارات قوات الدعم السريع وخضوعها لإشراف وزارة المالية السودانية..
على الجانب الآخر أبدت قوات الدعم السريع موافقتها على الدمج لكن دون تسريح وعلى مدى طويل نسبيا يمتد إلى عشر سنين، بالإضافة إلى استمرار خضوعها مباشرة إلى رئيس الوزراء وليس قائد الجيش، كقوة موازية غير خاضعة للقانون أو السلطة..
فى النهاية، بخبرة من يدرك أن الاستجابة إلى تلك المطالب لن يعنى إلا الاطاحة برأسه في القريب العاجل نقل “حميدتي” الحرب بين الطرفين من التصريحات والبيانات إلى الاشتباك المسلح في الميادين والشوارع..
بدأ الأمر على خلفية محاولة من قوات الدعم السريع بناء سور ومرافق في أرض قريبة من المطار في مدينة مروة شمال السودان، والعسكرة فيها، ورفض الجيش ذلك..
وانتهى باندلاع المواجهة العسكرية بين الطرفين وسط اتهامات وحرب تصريحات متبادلة عن سيطرة كل
طرف على مواقع تابعة للطرف الآخر بالإضافة إلى توقف التلفزيون السوداني عن البث بعد تقارير عن إطلاق نار في مقره ليسود الأوساط السياسية حالة من القلق العربى والدولى خشية تدهور الأوضاع في البلاد.