مشاعر الحب والعشق والغرام ولوعة الفراق

الحب:

الحب هو ذلك الشعور الجميل والعجيب الذي يجعلك ترفرف من السعادة كالطيور، وتهيم على وجهك في فضاء فسيح من الخيالات الجميلة، وتختفي بوجوده كل المشاعر والأحاسيس الأخرى، فيسيطر على العقل ويقوده كالربان المجنون الذي يواجه بسفينته المترنحة الأمواج والأعاصير العاتية في ظلام الليل الدامس.

الحب حالة من الوله تشبه السكر، يتوقف معها العقل عن حسن التدبير، وتقل معها القدرة على الإدراك والتمييز، ويتلاشى معها الخوف من العواقب المترتبة على تصرفات المرء تجاه من يحب، فتجعله يتصرف وكأنه طفل صغير هائم على وجهه في كل واد من وديان الحب والعشق والغرام.

الحب شعور جميل، وحالة راقية من المشاعر الإنسانية، وله قيمة رائعة في حياة الإنسان، لأنه المتنفس الوحيد لتفكيك ضغوط الحياة الجافة التي يعيشها الجميع، والمذاق العذب الذي يذيب مرارة الحياة، وجفاء المعاملات الاجتماعية.

تلامس كلمات الحب المرهفة، لا أقول الآذان وحسب، وإنما تخترق جدران القلب؛ فتنفذ كالسهم المسموم إلى أعماق الروح، فيطيش بها الفؤاد شوقًا، ويلتهب القلب بها حبًا.

إن كل من تعرفت إليهم من المحبين، أو التقيت بهم في دروب الحياة المضيئة والمظلمة منها، أو من قرأت عنهم في كتب الأدب والشعر والروايات، استلهمت كلماتي من مشاعرهم وأشعارهم وأحوالهم.

الحب هو تلك الكلمة التي قلبت موازين العالم، فحولت العقلاء إلى مجانين، وحولت الشعراء إلى متيمين، ومهما كتب الشعراء في الحب من قصائد، ومهما تفلسف الأدباء في فهم طبيعة الحب وأثره على المحب، فلن يصلوا إلى شيء ذو قيمة فيه، لأنه لا يعرف حرارة الجمر إلا من أحرقه بنيرانه، وكذلك الحب لا يعرف قيمته إلا من ذاق لوعته وغرق في بحوره.

هل الحب مشكلة:

والحب ليس مشكلة على الإطلاق، ولكن المشكلة عندما يتحول هذا الشعور الراقي والإحساس البشري الفريد إلى طعم يستدرجه إلى الرذيلة، ولا تظن أن الشيطان سوف يقف بين المحبين باكياً متأثراً لمشاعرهم البريئة.

ولا تحدثني عن الأخلاق والدين والالتزام والآداب العامة إذا اجتمع الرجل والمرأة والشيطان والنفس والهوى والشهوات، وإذا رفع بينهم حجاب التكليف، وتلاشت بينهم المسافات، ولو كانا من أعبد الناس، وأخلص الناس  وأنقى الناس، لأنها الغريزة البشرية التي تطغى على كل إنسان طبيعي في حالة الضعف وتمكن الشيطان

اللهم إلا ما شذ وندر، والشاذ والنادر لا حكم له، ولا يقاس عليه.

لقد استطاعت وسائل الاتصالات الحديثة، أن تجعل الحجب الزمانية والمكانية تتلاشى، فأصبحنا نسمع عن الحب عن بعد، بين عشاق بينهم ملايين الكيلومترات، وآلاف الحجب والجدران الزمانية والمكانية، وهذا الحب وهم كاذب، وسراب مخادع، وأحداث مؤلمة، وأسر تترنح، وبيوت تهدم، وحرمات تنتهك.

نعم الحب شيء جميل، وشعور رائع، وإحساس مرهف، وربما يكون هو أجمل شيء في هذه الحياة، ولكن يجب أن يكون للعقل فيه نصيب يضبط إيقاعه عن الانحراف والانفلات، فكم من العقلاء من أحب، لكنه حب منضبط، وربما يكون أعذب وأجمل من كل قصص العشاق التي اشتهرت بين الناس، حتى إنهم لو علموا بأحداثها لربما هاموا بها شوقاً، لكنه العقل والقلب معًا.

قصة حب:

ظلت إحداهن 20 عاماً تراسل شاعراً ألف كتاباً عن الحب، ظناً منها أنها تراسله على عنوانه، وفي كل رسالة كانت تعارض إحدى قصائده بقصيدة محزنة، ثم تختم رسائلها قائلة: لا أريد منك جواباً، يكفيني أنها تراك، وتلمسها بيديك، وتقرأ حروفها، وتصلك مشاعري منها، وبعد سنوات يأتيها الجواب الصاعقة، في رسالة ورقية مختصرة، الأخت الفاضلة: “رسائلك هذه تصل لنا في دار نشر الكتاب، المؤلف توفي قبل 25 سنة”، لم يتحمل قلبها الرقيق تلك الصدمة؛ فماتت على الفور، نعم إنه الحب القاتل!

وقصة حب أخرى:

يحب فتاة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بلاد بعيدة يصعب وصوله إليها، ولم تمكنه من أن يراها، كل ما يعرفه عنها كلماتها، وكل ما يلمسه منها حروفها، حالت بينهم المسافات، وأبعدتهم الظروف، وكبلتهم الإمكانيات، فلم يستطع أي منهم أن يرى الآخر، وبالرغم من كل هذا هام كل منهم بصاحبه، يراسله، ويرسل له أشواقه وأحزانه وأشعاره، بالرغم من أنهم يعلمون أن اجتماعهم ربما يكون مستحيلاً، لكنهم يعيشون على أمل هذا اللقاء.

حب صامت، أشبه بالجنون، ولكنه الحب كما تعلمون!

هل تحب؟ ومن تحب؟

سألوني ذات مرة: هل أحببت يوماً؟ فقلت على الفور: نعم أحببت، ومن ذا الذي لم يصبه الهوى؟ ولكن أي حب تقصدون؟ ولمن تلمحون؟ فليس عيباً أن تحب، وإنما العيب في: كيف تحب؟ ومن الذي تحب؟ وكيف يقودك هذا الحب؟

إن الحب هو أعظم دوافع السعادة والحياة والأمل، وأجل دوافع الإخلاص والإتقان في العمل.

يحب الرجل المال؛ فيبذل فيه حشاشة نفسه، ويصير عبدًا له، يجمعه من الحلال والحرام؛ حتى يصير هذا المال كونه وأرضه وسماه، فيبخل ويضن به حرصاً وطمعاً، ثم يخسف به معه كما فعل بقارون.

أو يحب الرجل زوجته وأبناؤه؛ فيقتل نفسه من أجلهم، ويواصل الليل بالنهار غريباً وحيداً، يهيم على وجهه في الأرض ليوفر لهم لقمة العيش الكريمة ممزوجة بمشاعر الحب والحنان بلا ألم أو كلل، وفي النهاية يجد القطيعة والعقوق.

ويحب الرجل أباه وأمه؛ فيذوب شوقاً لطاعتهم وامتثال أمرهم ويحرص على ألا يتفوه بكلمة تغضبهم عليه، ويضع نفسه وماله وأولاده رهن إشارتهم، وفي النهاية يجد التجاهل والحرمان.

ويحب الرجل صديقه؛ فيترك أهله وأولاده وأشغاله ليجالسه ويأنس بقربه، ثم يفاجئ بطعنة غادرة من الخلف في صميم القلب.

ويحب الرجل المرأة، وتحب المرأة الرجل، وتنقلب حياتهم رأساً على عقب، ويهيم كل منهم بصاحبه، حباً وعشقاً وشوقاً وغراماً كالمجنون، ويبذل كل منهم نفسه في سبيل رضا الآخر، ويفعل ما لم يكن يتجرأ حتى على التفكير فيه، ويجازف بكل شيء من أجل رضاه، ثم يتفاجأ بالخداع والمكر والفراق لأهون سبب.

أجمل حب في الوجود:

المحبون يعشقون لأنهم ينجذبون إلى صفة أو جمال نسبي يرونه في المحبوب، فاعلم بأن أكمل الصفات وأجملها في الخلق، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل هو أجمل ما في الوجود، وأكمل ما في الوجود.

فأجمل حب، وأطهر حب، وأروع حب، وأعظم حب في هذا الوجود على الإطلاق، هو حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسوف تستشعر لذة وقيمة هذا الحب إن كنت صادقاً وكأنه نسيم عليل يسفي الصدور، وينعش قلبك، ويحلق بالروح إلى عنان السماء.

إن نظرة واحدة بتفكر لبعض قطرات الغيث، تخطف القلوب، وإن لمسة حانية رقيقة لبعض زخات المطر المتساقطة من السماء ينفطر لها القلب من جمالها وروعتها، فكيف برؤية ملك الملوك، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وجنة الخلد التي عرضها السموات والأرض.

أجمل قصة حب عرفتها البشرية:

إن أجمل قصة حب عرفتها البشرية هي قصة حب رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه سلم- لزوجته -أم المؤمنين- السيدة خديجة -رضي الله عنها- ثم قصة حبه لزوجته -أم المؤمنين- السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- ثم قصة حب السيدة زينب رضي الله عنها وعن أبيها رسول الله -صلى الله عليه سلم- لزوجها وابنَ خالتها أبي العاص بن الرّبيع -رضي الله عنه- ويا لروعتها من قصة تنفطر مناه قلوب العاشقين والمحبين، طهارة ونقاءً وحباً وشوقاً ووفاءً وبكاءً.

همسة محب في مسك الختام:

قد يدخل الرجل الجنة وليس من أهلها بفضل الحب في الله بين الأصدقاء، كما قال الله تعالى:  (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه)، وأنا أشهد الله أني أحبكم في الله، وما كتبت سطرت تلك الكلمات إلا حباً لكم، وخوفاً عليكم، وشفقة بكم، وأسال الله أن يجمعني بكم في جنته ومستقر رحمته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قد يهمك:

عن الكاتب:
اترك رد

تعليق 1
  1. علي محمد المريود يقول

    علي محمد المريود ___ مشترك في مسابقة الحلم ___ سنتين باقي تسجيل رقمي فقط


جميع المحتويات المنشورة على موقع نجوم مصرية تمثل آراء المؤلفين فقط ولا تعكس بأي شكل من الأشكال آراء شركة نجوم مصرية® لإدارة المحتوى الإلكتروني، يجوز إعادة إنتاج هذه المواد أو نشرها أو توزيعها أو ترجمتها شرط الإشارة المرجعية، بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 الدولية. حقوق النشر © 2009-2024 لشركة نجوم مصرية®، جميع الحقوق محفوظة.