مراجعة وتحليل لرواية يوتوبيا
للكاتب: أحمد خالد توفيق
المراجعة:
رواية يوتوبيا تحكي أحداث تخيلية لمصر والعالم في عام ٢٠٢٣، بعد أن تلاشت الطبقة الوسطى في مصر تماما، بعد انفصال طبقة الأثرياء عن الفقراء، وتأسيس مدينة “يوتوبيا” التي لا يقيم فيها غير الأثرياء، أما الفقراء فهم يعيشون في مناطق خارج “يوتوبيا” ويفصلهم عنها أسوار شاهقة ومرتزقة يحمون سلامة المدينة، ووضح حالة الانحلال الأخلاقي لكل من المجتمعين لأسباب متضادة.؛
هذا النوع من الأدب يسمى بالأدب الطوباوي -التعريب لكلمة يوتوبيا اليونانية- وهو يتناول قصص تدور حول مدن فاضلة، وهو مفهوم فلسفي بدأ في الفلسفة الشرقية ثم انتقل إلى الفلسفة اليونانية بصورة أكثر مثالية وبعد عن الواقع، وهذا ما نجده في رواية يوتوبيا؛ فالكاتب لم يلزم نفسه بحدود الواقع في كثير من المحاور، بل فضل المبالغة لتعميق أثر الأفكار في النفس.
تتمحور الرواية حول شخصيتين رئيستين:
الأولى هي: شخصية شاب من “يوتوبيا” قرأ في صغره كل كتاب وقع في يده، ممَ جعله أكثر ثقافة ممن حوله، وهو قد جرب كل ما يمكن للمال أن يأتي به، فتجده مع صغر سنه لم يعد يغريه شيء ممَ تقدم له اليوتوبيا التي يعيش فيه، ولكن هنالك بين الشباب في اليوتوبيا نوع جديد من التسلية يستهويه، مغامرة يمتزج فيها خوف الموت مع نشوة الحياة، “الصيد” هو اسمها؛ وهي كما يدل عليه الاسم صيد، ولكن المختلف هو الهدف، فهدفهم هو التسلل إلى أرض الفقراء و”صيد” أحدهم، وأخذ تذكار للمباهاة به أمام شباب اليوتوبيا عند العودة.
أما الشخصية الثانية فهي: جابر، وهو أحد الأغيار -اسم لفئة الفقراء في الرواية-، جابر هو رجل عاش من التجارب أكثر مِم يُتوقع من شخص بعمره، ولكن هذا ليس ما يميزه، بل ما يميزه هو قراءة الكتب، حيث أصبحت الكتب والجرائد تباع بالوزن؛ لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
أما الأحداث فهي عندما يقرر الشاب أن يقدم على رحلة “الصيد” والأحداث التي يواجهها فيها، يجعلك الكاتب ترى من عين كلا الشخصيتين واصفا لحال كلا المجتمعين من عين كل واحد منهما، فتمر مع الشاب برحلته وأفكاره، وكيف تبدو من الخارج في عين جابر، والعكس كذلك. مما يتيح لك تكوين صورة خاصة بك.
التحليل:
الأسماء:
نلاحظ أولا عدم ذكر اسم للشاب اليوتوبي، وفي المقابل الشخصية المحورية الأخرى في مجتمع الفقراء هي شخصية “جابر”، الذي ذكر اسمه كثيرا جداً في الرواية، فما سر كتمان اسم الشاب وكثرة ذكر اسم “جابر” في المقابل؟
يفيدنا لتحليل ذلك العبارة التي استخدمها الشاب في سياق التعريف بنفسه:”من أنا؟… دعنا من الأسماء… ما قيمة الأسماء عندما لا تختلف عن أي واحد آخر؟” وكأن الكاتب كان يقول ضمنيا أن الشاب هو ليس شخصا بقدر ما هو فئة؛ بمعنى أن الشاب يمثل فئة الشبان في اليوتوبيا، وهي تتجسد في شاب مفتون في نفسه، يرى أنه الأكثر ثقافة، وأن له الحق في كل ما يقع تحت يده، وأنه أكثر الناس ضجرا من هذه الحياة الرتيبة -التي لا يستطيع الاستغناء عنها حقيقة-.
و في المقابل، “جابر”، انفراد جابر باسم خاص به لعله دلالة أن جابر لا يمثل فئة الفقراء -الأغيار- بقدر ما يمثل نفسه، شخص متفرد بكيانه ويعلم نقاط ضعفه، ولديه صراعاته النفسية التي يقهرها، وتقهره، هو الذي تحول أخيرا من شخص إلى شعار ثورة ضد الظلم والاستبداد.
التاريخ:
يقول الشاب اليوتوبي في نفسه بعد أن حكى له أحد حراس المدينة بعض المقتطفات من التاريخ: ” لم يكن هذا الدرس التاريخي يعنيني في شيء… لا يهمني كيف كانت الأمور ولا كيف صرنا ما نحن عليه… ما يعنيني هو ما نحن الآن وما سنكون”
و كذلك ذكر في الرواية أن مصر باعت آثارها مقابل “البايرول” وهو وقود العصر الذي به أوجدت اليوتوبيا.
و كذلك أن الشاب لم يكن يذكر شيءا عن عشيقاته السابقات.
في المقابل، نجد جابر يكثر من ذكر التاريخ، من أماكن، وأخبار، وأكثر من أي شيء عشيقاته، فقد ذكرهم بالتفصيل.
فما وجه الدلالة يا ترى؟
إن ربطناها بالنهاية فنستطيع توقع مقصد الكاتب فيها، فنجد أن جابر يعرف طعم المجد والذل، فهو يذكر أمجاد الماضي ويعيش ذُل الحاضر.
بينما اليوتوبيون الشباب لا يعرفون إلا طعم المجد، فقد يكون مقصد الكاتب من ذلك هو أن المجد الذي يبنى بقطع الصِّلة بالماضي هو مجد زائل لهوان أسسه وهزلها.
- و إن ربطناها بالبداية فيبدو لنا أن مقصد الكاتب أن المنتصر هو الذي يعيش في المستقبل تاركا الماضي خلف ظهره متناسيا إياه، بينما الخاسر هو من يتمسك بالماضي دون النظر إلى المستقبل، الذي لا يرى في المستقبل أي انتماء له، فكل انتمائه للماضي.
فأي الوجهين قصد الكاتب يا ترى…
ممتازة
رائع