تعريف علم الاجتماع
من الصعب أن نقدم تعريفا دقيقا لأي تخصص علمي، ولكن يمكن أن نعتبر أن علم الاجتماع؛ هو الدراسة العلمية للتفاعلات الانسانية والاجتماعية، سواء بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والجماعة أو بين جماعة وجماعة. وهو علمٌ شاملٌ يتناول بالدرس والتحليل كل ما يتعلق بالإنسان؛ كالدين والقانون والأسرة والدولة والأمراض والصحة، والطبقات الاجتماعية والأيديولوجيا إلى غير ذلك. وذلك بتعميق البحث في الظواهر الاجتماعية وتفسير سببب حدوثها.
كما يعتبر علمًا ديناميكيًا يقوم بدراسة المجتمعات البشرية ومختلف أنشطتها التفاعلية، وذلك بالإعتماد على المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة، والإعتماد على الميدان بدل الإقتصار فقط على الشق النظري.
نشأة علم الإجتماع
نشأ علم الاجتماع في أوروبا مع أواخر القرن التاسع عشر، نتيجة لإستقلال العلوم الإنسانية عن الفلسفة على غرار العلوم الطبيعية التي انفصلت عن الفلسفة سابقا، نتيجة كذلك للظروف الاجتماعية التي عرفتها أوروبا في القرن التاسع عشر كالثورة الصناعية، لتعيش بذلك تحولا مجتمعيا جذريا جعلت مفكرو الحضارة الأوروبية ينظرون لعلم جديد.
مؤسسو علم الاجتماع
هناك نقاش أكاديمي حول من يعد ممهدا لعلم الإجتماع ومن هو المؤسس، وهناك أيضاً من العرب من يعتبر أن إبن خلدون؛ الذي عاش في القرن الرابع عشر هو أول من أسس لعلم الاجتماع عبر ما أسماه بالعمران البشري، إلا أنه لن نفصل في هذه المقالة حول هذه التعارضات وسنستعرض فقط من المفكرين من لهم الفضل في تعميد هذا العلم.
أوغست كونط: هو مفكر وفيلسوف فرنسي الأصل، يطلق عليه الأب الروحي لعلم الاجتماع؛ لأنه أطلق مفهوم “السوسيولوجيا” لأول مرة في عام 1838، إشارةً لدراسة المجتمع بشكلٍ علميٍّ، والقوانين التي تحكم حياة البشر في مختلف المجتمعات. قسّم تطور المجتمعات إلى ثلاث مراحلٍ: الدينية والميتافيزيقية والعلمية، فالمجتمعات برأيه يجب أن تتبنى التفكير الوضعي لأنها بحاجة للحقائق العلمية لتتقدم وليس الخرافات والأساطير التي تسود المراحل السابقة.
ويقسم أوغست كونت علم الاجتماع إلى فرعين أساسيين:
علم الإجتماع الستاتيكي أو الثابت؛ وهو الذي يدرس البنيات المجتمعية في حالة الاستقرار، كالأسرة مثلا والمدرسة.
علم الاجتماع الديناميكي؛ وهو يدرس المجتمع في حالته المتحركة من خلال مختلف الأنشطة والتفاعلات الإنسانية.
شبّه العالم الإنكليزي هيربرت سبنسر المجتمع بالكائن الحي بترابط أجزائه، وهذا الترابط والتلاحم هو مسؤولية جميع الأجزاء، وأي تغييرٍ يطرأ على إحداها سيؤثر على النسق كاملا، وإذا ما ضعف أحد الأجزاء فيجب على باقي الأجزاء التكيف ومضاعفة الجهود للحفاظ على تماسك المجتمع.
كارل ماركس (1818-1883) Karl Marx
فيلسوفٌ وسياسيٌّ وإقتصادي ومنظر اجتماعي ألماني؛ يصنف من ضمن مؤسسي علم الاجتماع، اختلف ماركس مع سبنسر حول فكرة الكائن العضوي الاجتماعي، واعتبرها فكرةً زائفةً ويجب استبدالها بالصراع الطبقي السائد في المجتمعات.
أعرب ماركس عن جام غضبه من الطبقة الرأسمالية من خلال عدة أفكارٍ تتفق في مضمون واحد؛ وهو أن بيد البورجوازيين والرأسماليين كل القوى المادية التي تجعلهم يتحكمون في تلك الطبقة الفقيرة التي يسميها بالبروليتاريا. ويرى ماركس أن الصراع الطبقي من شأنه أن يولّد مجتمعًا جديدا خاليًّا من العنصرية، مكانة كل فردٍ فيه تعود لإمكاناته فيعمل ويكسب حسب قدراته؛ لذا لا بد من ثورة البروليتاريا ضد الراسمالية.
إميل دوركهايم (1858-1917) Émile Durkhiem
يمكن وصف إميل دوركايم بكونه المؤسس الحقيقي للسوسيولوجيا في شكلها الأكاديمي، وهو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، يؤمن كذلك بالوضعية التي أرساها مواطنه أوغست كونط، واعتبر دوركايم أن الظواهر الاجتماعية يجب أن تدرس كأنها أشياء مادية، بالاعتماد على منهج علمي رصين، ما جعله يقوم بوضع قواعد لعلم الاجتماع، في كتابه “قواعد علم الاجتماع” ودرس أول ظاهرة اجتماعية دراسة علمية وهي ظاهرة الانتحار، بالإظافة إلى تقسيم العمل والدين.
ماكس فيبر (1920-1864) Max Wiber
يعتبر ماكس فيبر مفكرا موسوعيا حيث اهتم بالفلسفة والتاريخ والدين بالاضافة لعلم الاجتماع، ولد بألمانيا وساهم بشكل كبير في تقعيد السوسيولوجيا وإبراز أسسها وملامحها الأساسية، حيث وضع أساس النظرية التفهمية في علم الاجتماع، بحيث لا يتفق مع الوضعية التي أسس لها أوغسط كونط وطورها إيميل دوركايم، التي تعتبر الوقائع الانسانية جمادا وخالية من الروح، وإنما يركز ماكس فيبر على الفهم في تفسير وتأويل الظواهر الاجتماعية؛ من خلال فهم السلوكات الإنسانية، وتركيزه على أن الوقائع الاجتماعية تختلف عن الوقائع الطبيعية.
فروع علم الاجتماع
يعد علم الاجتماع مجالا علميا كبيرا جدا؛فهو يدرس مختلف الظواهر التي تعرفها المجتمعات الإنسانية، ويمكننا بشكل عام إبراز أهم فروعه:
علم اجتماع الدين: وهو فرع متخصص في الظاهرة الدينية ودراستها كظاهرة اجتماعية، بالاظافة إلى تحليل انماط التدين في المجتمات.
علم الاجتماع القروي: وهو يتناول بالدراسة والتحليل كل الظواهر والتفاعلات والانشطة التي تقع في المجالات القروية.
علم الإجتماع الحضري: وهو يدرس الأنماط والتفاعلات الإنسانية داخل المدينة كالجريمة والهجرة إلخ.
علم الاجتماع الأسري: يدرس الأسرة والعائلة باعتبارها أول مؤسسة اجتماعية، ويفكك آليات اشتغالها وأنواعها، كالأسرة النووية والممتدة…
وهناك مجموعة كبيرة جداً ودقيقة من فروع علم الاجتماع لا يسع ذكرها.
أهمية علم الاجتماع
تعد أهمية العلوم الإنسانية والاجتماعية، والسوسيولوجيا بخاصة، ذات أهمية كبيرة في وقتنا الحاضر، فهذا العلم؛ يتناول السلوك الإنساني، وما يكتنفه من تعقيد، وتوجد العديد من الظواهر في المجتمعات المعاصرة، لا يمكن الكشف عن أسبابها والتنبؤ بنتائجها إلا بمساعدة علم الاجتماع والمتخصصين في علم الاجتماع، وأغلب المجتمعات المتقدمة تستعين بإختصاصيين في العلوم الانسانية في كل الشؤون كالتعليم وتخطيط المدن وبعض القرارات السياسية كذلك.