العالم كله يترقب قيام إسرائيل بإجتياح رفح، ولكن لا تبدو في الأفق بوادر عملية على الأرض تنبيء بقرب الإجتياح، فما أسباب التأخير؟ وما هي التوقعات المرئية للإجتياح؟
التضارب هو سيد الموقف، تضارب التصريحات، وتضارب الأفعال، من لدن كل طرف معنيٍّ بالأزمة، فالكل يغشاه حالة من الضبابية في إستشفاف القادم، ويتبع ذلك ضبابية في إتخاذ القرارات والتدابير.
أسباب تأخير إجتياح رفح، من ناحية إسرائيل
يعاني رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من زيادة تعقيد الموقف، كلما أوغلت الحرب في التقدم، وهو يتبنى سياسة إسرائيلية معتادة، وهي ترديد شعار معين بكثافة، ليُخرِج ترديد هذا الشعار مكنون الأطراف الأخرى، ويجهز الرأي العام لوقوع الحدث الذي يتناوله الشعار.
لا يفتأ بنيامين نتنياهو و وزراؤه، يرددون أنهم ماضون في الإستعداد لإجتياح رفح، في مقابل تصريحات من كل عواصم العالم تحذر من الإجتياح، خاصة في ظل عدم وضوح خطة إسرائيل للتعامل مع مسألة المدنيين المكدسين في رفح، بل وإعتراف مسئولين إسرائيليين بارزين، بأن إسرائيل لا تملك تلك الخطة حتى الآن.
وبرغم فشل جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة بين مسئولين أمنيين من مصر والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وقطر، وهو الفشل الذي يرجع إلى تعنت موقف إسرائيل، وعدم رغبتها في حلحلة الأزمة، حتى أن الوفد الإسرائيلي إلى المفاوضات، لم يكن من ضمنه مسئول ملف الأسرى في مجلس الحرب الإسرائيلي، مما يشي بالنية المسبقة والواضحة لإسرائيل في إفشال المفاوضات.
والسلاح الأساسي الذي يحارب به نتنياهو الآن هو: الوقت، ويهدف به لإطالة زمن الحرب إلى أقصى مدى، لإرهاق كل الأطراف، الخارجية والداخلية، فحكومة اليمين المتطرف التي تحكم إسرائيل، غير مرحّب بها لا خارجيًا، ولا في داخل إسرائيل.
فخارجيًا، تنهال التصريحات يوميًا على رأس الحكومة الإسرائيلية من كل عواصم العالم، تحذر وترفض نوايا إسرائيل في إجتياح رفح، وخاصة من الحليف الأمريكي، الذي يعاني مأزقًا شديد الحرج، تعمد الإسرائيليون وضع حليفهم الرئيسي فيه.
فالأمريكي بات غير قادر على مواجهة الرأي العام العالمي الرافض لما تقوم به إسرائيل، والأصعب هو تنامي الرأي العام الأمريكي الرافض لمساندة إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين.
وفي الداخل الإسرائيلي، فإن قضايا الفساد المالي المتهم فيها نتنياهو، تطارده في صحوه ومنامه، ويلوّح له بها في كل لحظة، حلفاؤه المتشددون في الحكومة، الذين يرفضون وقف الحرب، ساعين إلى تحقيق هدف خططت له دولة إسرائيل منذ أكثر من 50 عامًا، وهو تهجير سكان غزة، على أمل من اليمين المتطرف أن يقول لشعب إسرائيل بنهاية الحرب: أنا وإن كنتُ الأخيرُ زمانُه.. لآتٍ بما لم يستطِعهُ الأوائلُ.
كما أن عدم تحقيق الجيش الإسرائيلي لأيٍّ من الأهداف “المعلنة” للحرب، وهي تحرير الأسرى الإسرائيليين، وتفكيك حماس، لم يتحقق أيًّا منها، لتلتقي بذلك مصلحة قيادات الجيش الإسرائيلي مع مصلحة نتنياهو في إطالة أمد الحرب، بهدف إرهاق جميع الأطراف، وصولًا إلى نوفمبر القادم، على أمل ان يفوز ترامب بإنتخابات الرئاسة الأمريكية، ويتم إعادة ترتيب الأوضاع لصالح اليمين الإسرائيلي.
عوامل تأخير إجتياح رفح، من الأطراف الأخرى
ويأتي على رأس هذه العوامل، رفض الحليف الأمريكي لعملية الإجتياح، لأسباب تتعلق بتوقيت دخول سباق الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث أن عملية الإجتياح ستسبب خسائر مفزعة في الجانب البشري الفلسطيني، وهو ما يصطدم برأي عام متنامٍ لدى الناخب الأمريكي، يرفض ما تقوم به إسرائيل من أعمال إبادة بحق الفلسطينيين، ويرفض مساندة الإدارة الأمريكية لإسرائيل في هذا الإتجاه.
كما يأتي موقف مصر الرافض بشدة، لقبول تهجير سكان غزة إلى سيناء، حجر عثرة هائل أمام الرغبة الإسرائيلية في تحقيق ما تصبو إليه، من تحقيق النصر في تنفيذ خطة التهجير، مما سيغنيها عن المسائلة في الإخفاق في جوانب أخرى، خاصة مع عدم وجود حلول أخرى لإخلاء رفح من النازحين، وعدم صلاحية مدن وسط وشمال غزة للعيش، بفعل القصف الإسرائيلي الذي سوّى معظمها بالأرض.
فلم يعد من وجهة للغزيين حال إخلاءهم من رفح سوى سيناء، وهو مايمثل خطًا أحمر من جانب مصر، التي تقوم بتعزيزات وإنشاء تحصينات على حدود رفح.
وحسب ما أوردت CNN من أن صورًا إلتقطها القمر الصناعي “ماكسار تكنولوجيز” توضح قيام جرافات ضخمة، بتجريف قطاع عريض من الأرض، بين الطريق وبين حدود رفح، إلى شاطيء البحر المتوسط، منشئةً منطقة عازلة على الحدود، تحسبًا للحظة المحتومة، وإجتياح رفح.