نحن على أعتاب عام دراسي جديد، التَنَمُّرُ المدرسي ظاهرة مرعبة تعوق دون فرحة بعض الأطفال باستقبال العام الجديد، وقد تسبب لبعضهم نفور تام من المدرسة!! تعالواْ معنا نناقش ظاهرة التنمر المدرسي، ونقف على أهم أسبابه، وأشكاله، وآثاره على سلوكيات أطفالنا، و نستعرض بعض الحلول المقترحة من قبل الخبراء المختصين لمكافحة التنمر المدرسي ونتعلم معاً كيف نساعد أطفالنا الذين يعانون من التنمر في التخلص من ذلك السلوك العدواني الكريه.
ما هو التنمر المدرسي؟
بدايةً.. يتعين على الآباء أن يعرفوا ماهو التنمر المدرسي؟؟ حتى يتسنى لهم معرفة كيف يتعاملون مع تلك الظاهرة في حال تعرض أطفالهم للتنمر…
التنمر المدرسي: هو سلوك عدواني متعمد يمارسه طفل ضد زميله أو مجموعة أطفال ضد زميلهم عن طريق إيذائه نفسياً أو جسدياً أو لفظياً، وتكرار ذلك العدوان بشكل متعمد كلما رأوه.
أشكال التنمر وأنواعه
يأخذ التنمر المدرسي أشكالاً عدة…
- التنمر اللفظي: كإستخدام الشتائم، والتنابذ بالألفاظ الغير مستحبة وتعمد السخرية والتهكم، وتوجيه الإهانات والمعايرة والتهديدات.
- التنمر الاجتماعي: كأن يقوم الطلاب بعزل زميل لهم والاتفاق على عدم التعامل معه، وإقصائه من كل جلساتهم وألعابهم، أيضاً نشر إشاعات وأقاويل كاذبة حول زميلهم بهدف تشويه صورته أمام الجميع.
- التنمر الجسدي: كالضرب، والركل ، والدفع، والتآمر عليه كلما غدا أو راح.
- التنمر الإلكتروني: وهنا يأخذ التنمر صورة متطورة من لعنة التكنولوجيا فنجد المتنمرين يتفننون في نشر صور وفيديوهات مهينة لزملائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل ويزيدون على ذلك بإرسال تهديدات وأخذ لقطات شاشة وتسجيلات صوتية من محادثات بين زملائهم واستخدامها بطرق غير مشروعة بهدف إيذائهم للتنمر عليهم.
ماهي أسباب التنمر المدرسي؟
يجب أن يقف كل ولي أمر مسؤول، على الأسباب التي جعلت من ابنه طفلاً متنمراً؟!! فقد يكون وراء التنمر أسباب خفية غير مباشرة، وقد تكون ورائه أسباب مباشرة؛ نستعرض الأسباب على النحو التالي…
>> رغبة المتنمر في إظهار قوته وسيطرته على أقرانه، ويكون ذلك نتاجاً لنشأته على تعزيز الشعور بقوته، ويشوبه الأنانية، والشعور بأهميته الزائدة ضمن أفراد الأسرة؛ فيحب أن يمارس تلك الشعور الدائم بحب فرض السيطرة على زملائه في المدرسة.
>> قد يتأثر الطفل المتنمر بسلوكيات بيئية قهرية من خلال ممارسة العنف سواء في المنزل، أو عبر وسائل الإعلام؛ فيتعلم منها السلوكيات العنيفة ويمارسها على زملائه.
>> قد يعاني المتنمر من مشكلات عائلية ونفسية فيدفعه ذلك إلى تفريغ طاقته العدوانية تجاه زملائه.
>> وهناك أسباب غير مباشرة فقد يكون المتنمر بحاجة إلى الشعور بالإنتماء والاندماج في مجموعة معينة يحاول كسب انتباهها حتى وإن لجأ لأسلوب التنمر.
الآثار السلبية الناجمة عن التنمر المدرسي
لاشك أن للتنمر المدرسي آثار سيئة يصعب محوها في بداية الأمر، لاسيما إذا كان طفلك يعاني من التنمر لفترة طويلة دون أن يخبرك! وهناك علامات تنذر بتعرض طفلك للتنمر المدرسي ويمكننا إيجاز آثار التنمر وتلك العلامات في النقاط التالية…
آثار نفسية: كالشعور بالاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، والقلق، الحزن الشديد، الغضب المفاجئ، الصراخ دون سبب واضح، والرغبة المستمرة في النوم، الكوابيس المتكررة، وصعوبات في التعلم، وصعوبات في التحدث، التأخر في التحصيل الدراسي، انخفاض وانعدام الثقة بالنفس، وفي أصعب الحالات تسيطر الأفكار الانتحارية والميل إلى إنهاء حياته للتخلص من ملاحقة المتنمرين به.
آثار جسدية: الشعور الدائم بالصداع نتيجة التوتر النفسي المستمر، وآلام بالمعدة، فقدان الشهية، والعكس الإفراط في تناول الطعام، وإصابات جسدية نتيجة الضرب و الركل والدفع من قبل المتنمر.
آثار اجتماعية: نجد أبرزها النفور من المدرسة، تفضيل العزلة والانطوائية، والانسحاب من الأنشطة والمشاركات الاجتماعية، وصعوبة في تكوين الصداقات، السرقة، الإفراط في الكذب.
كيف تساعد طفلك إذا تعرض للتنمر؟
عزيزي ولي الأمر.. عليك مسؤولية كبيرة ودور فعال تجاه طفلك إذا تعرض للتنمر؛ بإمكانك أن تقدم له الدعم الكافي لاستعادة ثقته بنفسه والتخلص بأسرع وقت من الآثار السيئة للتنمر، فكلما كان التدخل مبكر لحل التنمر المدرسي حقق نتائج أفضل! ويمكنك اتباع تلك التعليمات التي يقدمها الخبراء المختصين في مواجهة التنمر المدرسي ومنها…..
>> استمع إلى طفلك بإصغاء، حينما يعود من المدرسة ويحكي لك ما حدث له طوال يومه الدراسي، فقد يكون ضمن ما يحكيه مواقف بين السطور! تدل على تعرضه لتنمر دون أن يدري، وهنا يمكنك توجيهه وإعطاء النصائح له للتعامل مع مثل تلك المواقف منذ بداية الأمر.
>> علم طفلك كيف يدافع عن نفسه وكيف يرد على المتنمرين بثبات انفعالي؟ ومتى يتجاهلهم؟ ومتى يبتعد عنهم؟ وكيف يواجههم؟
>> علم طفلك مهارات التأقلم، وكيف يكوّن صداقات وعلاقات صحية داعمة؟ وكيف ينتقي أصدقائه؟
>> علم طفلك مهارات حل المشكلات، بطرق متزنة هادئة، وكيف يعتمد على نفسه في حل مشكلاته أثناء يومه الدراسي دون أن تتصاعد الأمور.
>> علم طفلك الاهتمام بمظهره ونظافته الشخصية المستمرة ليفوّت على المتنمرين فرصة التهكم عليه.
>> راقب نفسية طفلك بانتباه لتكتشف أي علامات مبكرة للاكتئاب والقلق وتقلبات المزاج.
>> شجع طفلك على طلب المساعدة إذا لزم الأمر، واستشارة من هم أكبر منه وأهل للثقة إذا تعرض للتنمر.
>> إذا جاء طفلك يشتكي لك من التنمر، فلا تلومه على الوقوع فتلك المشكلة وأنه قد أساء التصرف؛ بل شجعه على التحدث عن الأمر واستمع له حتى النهاية، ثم تعاون معه في حل المشكلة والوقوف على أسبابها.
>> عليك التحلي بالصبر! لأن الوقوع في مشكلة التنمر المدرسي ومعالجة آثارها قد يأخذ وقتاً ليس بالقليل ويحتاج إلى جهد منك كولي أمر وحسن متابعة.
>> يجب أن يكون هناك ثمة تعاون مشترك بين ولي الأمر والمدرسة للوقوف على أسباب التنمر ومواجهة آثاره وحل المشكلة من أساسها.
>> اجعل من نفسك قدوة لطفلك في التعامل مع صعوبات الحياة، لأنك مرآة له وانعكاساً لسلوكياته مع زملائه بالمدرسة.
دور المدرسة في القضاء على التنمر
يتعين على المدرسة أن تقوم بتوعية الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور بأشكال التنمر، وأسبابه، وآثاره السلبية الوخيمة، وتشجيع الطلاب على التحدث إلى الأخصائيين الاجتماعيين حال تعرضهم للتنمر المدرسي، وتقديم الدعم النفسي للمتنَمّرعليهم وتوفير بيئة مدرسية آمنة متعاونة في حل مشكلات الطلاب، كما يجب على إدارة كل مدرسة اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتنمرين والردع الكافي ليمتنعوا عن ممارسة التنمر.
من الأهمية بمكان… أن منظمة اليونيسيف العالمية UNICEF لحماية حقوق الطفل في كل مكان حول العالم، قد أدركت خطورة ظاهرة التنمر المدرسي وأولت لها الاهتمام فقامت بإطلاق رابط رسمي قدمت من خلاله نصائح لمساعدة طفلك على مواجهة التنمر تحت شعار “التنمر يحدث للجميع ويوقفه الجميع”، ويمكنكم الدخول إلى الرابـــط الرسمي لمنظمة اليونيسيف لتتعلم كيف تواجه التنمر؟
بالطبع! “أن الوقاية خير من العلاج ” الوقاية من التنمر خير من علاجه لذا؛ يتسنى على المجتمع المدرسي بل والمجتمع الأكبر الذي نعيش فيه أن يركز على بناء بيئات متوافقة نفسياً ومتزنة سلوكياً والتدرب على أن نقبل الاختلافات فكما جاء في آيات الذكر الحكيم:
{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَايَزَالُونَ مُخْتَلِفينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُكّّ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118-119)
فيجب أن نعلم أبنائنا أن اختلاف ألوان الناس، ومناظرهم، وأخلاقهم، وأرزاقهم، كل ذلك من خلق الله وحسن تصرفه في خلقه، ولو شاء الله لجعل الناس على هيئة واحدة ولكن؛ خلقهم مختلفين إعماراً للكون وتنويراً للعقول فكل ميسر لما خلق له، كما نهانا الخالق جل في علاه عن السخرية فقال في محكم آياته:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَايَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} (الحجرات: 11).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذي ينهى عن التنمر منذ أكثر من 1400 عام هجري مضى :“المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده “.
وأخيراً… لكل طفل يتعرض للتنمر قبل بدء العام الدراسي الجديد عليك ألا تخف من التحدث إلى والديك أو معلمك عما تمر به من تنمر، وتذكر أنك لست بمفردك فهناك دائماً من يهتم بك ويساعدك ويحنو عليك فعليك بالمواجهة وثق بنفسك وقدراتك فأنت تملك مالم يملكه غيرك!
ورسالتنا للآباء قبل بداية العام الدراسي الجديد… راقبوا سلوك أبنائكم جيداً، تحدثوا معهم باستمرار واقتحموا عالمهم الصغير بتلطف، وشجعوهم على التحدث معكم والتعبير عما بداخلهم بشجاعة، اصغوا إليهم باهتمام، احتووا مشكلاتهم الصغيرة وقدموا لهم الدعم النفسي اللازم؛ فالتنمر المدرسي ظاهرة خطيرة تتطلب تضافر جهود المجتمع للقضاء عليها من جذورها، فالأسرة والمدرسة والبيئة كل أولئك مسؤولون عن مكافحة التنمر والقضاء عليه.
#_لا_للتنمر_المدرسي
جزاكى الله كل خير وربنا بحفظ اولادنا