أحيانا يلتبس الحق على الجميع ويتم النظر للباطل على أنه عرف تعارف عليه الناس، والحق ينظر إليه على أنه أسطورة قديمة يصعب تنفيذها في الحياة،ويتعامل الناس بالمظاهر،الرجل الوسيم الحسن الملبس، يكون مؤتمن أمامنا، ليس لأنه مجرب في الأمانة، بل لأن هيئته تقول أنه كذلك،شيء يشبه المساحيق النسائية وأدوات المكياج التي تحسن من وجه القبيحة فتراها حسناء لا مثيل لجمالها، وكما يقال في الأمثال الشعبية “لبس البوصة تبقى عروسة” عندما تنقلب الأمور وتحترم السفيه الأحمق ثم تحتقر الكريم المخلص والتقى المؤمن، وتقلل من شأن الشريف، في تلك الأوقات ربما تأتي الفتن الكبيرة،وأعتقد أن من علامات الساعة هي قلب الموازيين، حينها سوف يكون اللئيم هو العزيز ذو الجاه والسلطان، وكما يقال في الأمثال “إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا” وإليك قصة واقعية فيها حكمة كبيرة أبطالها على قيد الحياة.
قصة عجيبة غريبة لكنها واقعية حدثت بالفعل
ومن هنا أتذكر قصة رجل مسن قص لي قصة عجيبة، وحكى لي أنه كان يعمل قديما في مصلحة حكومية في مدينة صغيرة نائية، بعيدة عن الرقابة الحكومية، ويتعامل مباشرة مع الجمهور، ومن موقع عمله هذا كان العملاء في حاجة ماسة إليه، وكان يقضى لهم أعمالهم بكل أمانة وبدون تقصير، فلاحظ زملاءه في العمل تفانيه في عمله، بالرغم من أن راتبه كان قليل جدا، وبسبب قلة الراتب الذي يتقاضاه هو وزملاءه، كان جميع زملاء بالعمل يطلبون رشوة من عملاء مكتبهم بالمصلحة الحكومية.
الرشوة في العمل جريمة
وكانت تلك البؤرة التي يعملون بها، وهي في مدينة صغيرة مشهورة بان موظفيها جميعهم بلا استثناء يتقاضون الرشوة إلا صاحبنا هذا، كان لا يرضى بالرشوة أبدا وكان يقول، مستحيل أن أطعم أطفالي بمال حرام، ويقول أيضا تعلمت من ديني أن الراشي والمرتشي في النار، فكان زملاءه يستهزئون به، ويقولون عنه أنه أبله، بل انتشر عنه أنه غير عاقل وابلة، لان المال يأتي إلى مكتبه بدون عناء منه ويرفضه، ويصر ويقول هذا مال حرام، لن أطعم أولادي بمال شح، وكان يقول لهم، إن القضية قضية أبناءه ويقول بهدوء لقد سمعت حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به، هذا من معنى الحديث وكان يكمل ويقول أنا لا أريد أن يكون أبنائي وقودا للنار يوم القيامة، فيزداد زملاءه سخرية منه، ويضحكون، ويتسامرون عليه ويتندرون بكلماته، ما هذا الأبله الذي يرفض المال السهل ويصبر على الفقر، وهم ممتلئة صدورهم بالغيظ والحنق عليه.
البهتان والإساءة للناس واتهام الناس بالباطل
ربما يخشون أن يبلغ عنهم السلطات أو أنهم لا يقبلون وجود شريف بينهم، فضج صاحبنا من تحرش زملاءه به، واستخفافهم به، بل ظن صاحبنا، أن زملاءه في العمل، قد يتهمونه بتهم هو برئ منها أمام رؤسائه في العمل، حقدا عليه لامتناعه عن أخذ الرشوة.
وفي لحظة صفاء مع نفسه قرر صاحبي هذا ترك العمل والاستقالة من المكتب الحكومي، فقيل له وكيف ستدبر أمرك ألك مصدر آخر للرزق، قال لا، إذا أنت مجنون، قال لعلى فعلا مجنون، لكني لا أطيق أن اعمل في مكان كل من فيه من المرتشين الذين لا يخشون الله ويستحلون المال الحرام.
رحلة البحث عن عمل شريف
وترك العمل الحكومي، وذهب إلى بيته، يفكر ماذا أفعل، كيف سأتدبر مصاريف أبنائي ،وأثناء تفكيره هذا، ظهرت له فكرة بسيطة، وقال في نفسه، إنني أملك مدخرات بسيطة، سوف أعمل بالتجارة، وكيف تتاجر بتلك المدخرات القليلة ؟ وكيف تتاجر وانت لم تفعلها من قبل، فقال رزقي على الله.
واشترى صاحبنا هذا كشك صغير، والكشك عبارة عن صندوق مساحته متر في متر وارتفاعه 2 متر، ويوضع في الشارع على قارعة الطريق ليبيع فيه للأطفال الحلوى والبسكويت.
ووضع في هذا الكشك المتواضع قليلا من البسكويت والحلويات للأطفال، وبالرغم من أن الكشك في شارع ضيق، وقليل من المارة يمرون عليه، إلا أن ربك أراد أن يجزيه في الدنيا بالرزق الوفير وفى الآخرة هو من المتقين إن شاء الله.
إن ربك كريم وحدثت المعجزة، وانتعش البيع لديه بل رزقه الله رزقا واسعا، وإذا بالكشك يصبح محلا كبيرا بعد فترة زمنية ليست بالقليلة، والمحل الكبير يصبح مجموعة محلات، ثم إن صاحبنا هذا أصبح ينظر إليه على أنه من كبار رجال الأعمال في المدينة.
سبحان الرزاق، من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه.
تم
جزاك الله خيرا