علم النفس هو علم يدرس السلوك الإنساني، ويسعى لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: فهم وتفسير السلوك: أي فهم أسباب السلوك وتفسيره في ضوء العوامل المؤثرة عليه، والتنبؤ بالسلوك: أي القدرة على التوقع بسلوك الفرد في ظل ظروف معينة، وضبط السلوك: أي القدرة على التحكم في السلوك وتوجيهه نحو أهداف معينة، وفي هذا المقال سوف نحاول فهم تلك الأهداف، ودور فروع علم النفس في تفعيل تلك الأهداف.
فهم وتفسير السلوك:
ويسعى علم النفس إلى فهم وتفسير السلوك من خلال دراسة العوامل المؤثرة عليه، مثل العوامل الوراثية والعوامل البيئية والعوامل النفسية، فمثلًا، يمكن تفسير سلوك الطفل العدواني بأنه نتيجة لعوامل وراثية مثل وجود تاريخ من العنف في الأسرة، أو عوامل بيئية مثل تعرض الطفل للعنف أو الإساءة، أو عوامل نفسية مثل وجود مشاكل عاطفية أو اجتماعية.
التنبؤ بالسلوك:
يسعى علم النفس إلى التنبؤ بالسلوك من خلال فهم وتفسير العوامل المؤثرة عليه، فمثلًا، يمكن التنبؤ بأن الطالب المجتهد سيحصل على درجات عالية في الامتحان، أو أن الشخص الذي يعاني من الاكتئاب سيعاني من مشكلات في النوم.
ولعل ظروف التنشئة في عهد الطفولة تؤدى إلى اضطراب شخصية الطفل في المستقبل استطعنا أن نتنبأ بمصير الطفل الذي يعيش في وسط هذه الظروف وعلينا أن نعد العدة لتربية أطفالنا ومساعدتهم على مواجهة تلك الظروف والتغلب عليها وتهيئة بيئة طيبة وصالحة لتربيتهم.
الضبط والتحكم في السلوك:
يسعى علم النفس إلى ضبط السلوك من خلال التحكم في العوامل المؤثرة عليه، فمثلًا، يمكن ضبط سلوك الطفل العدواني من خلال تعديل البيئة المحيطة به، أو تقديم العلاج النفسي له.
أمثلة تطبيقية:
فهم وتفسير: يمكن فهم وتفسير سلوك المراهق الذي يميل إلى العزلة الاجتماعية بأنه نتيجة لعوامل وراثية مثل وجود تاريخ من العزلة في الأسرة، أو عوامل بيئية مثل تعرض المراهق للتنمر، أو عوامل نفسية مثل وجود مشاكل عاطفية أو اجتماعية.
التنبؤ: يمكن التنبؤ بأن الشخص الذي يعاني من اضطراب القلق الاجتماعي سيواجه صعوبة في التحدث أمام الجمهور.
الضبط: يمكن ضبط سلوك الشخص الذي يعاني من إدمان المخدرات من خلال العلاج النفسي أو برامج التأهيل.
فروع علم النفس :
لعلم النفس فروع ومجالات متعددة منها فروع نظرية وفروع تطبيقية وسيتم تناول كل فرع من هذه الفروع.
أولًا: الفروع النظرية:
وهذه الفروع تهتم بالقضايا النظرية العامة في العلم أي تستهدف تحقيق أغراض نظرية، وهذه الفروع تهتم بالكشف عن المبادئ والقوانين التي تحكم السلوك وتفسره ومن أهم هذه الفروع (الميادين)
- علم النفس العام
وهو العلم الذي يستهدف الكشف عن القوانين والمبادئ إلى تفسير سلوك الإنسان السوي ويعتبر هذا الفرع أساس الجميع فروع علم النفس الأخرى بما يقدمــه مــن معلومات عامة عن حياة الفرد، وعن الأسس العامة للسلوك الإنساني ومن موضوعاته الدوافع والإدراك والتذكر والتعلم والشخصية والذكاء… إلخ.
أمثلة تطبيقية:
- دراسة الدوافع: يمكن تطبيق علم النفس العام في دراسة دوافع الطلاب للتعلم، وذلك من خلال إجراء دراسات تجريبية لتحديد العوامل التي تؤثر على الدافعية للتعلم، مثل المكافآت والعقوبات، والأهداف المرجوة، والعوامل الاجتماعية.
- دراسة الإدراك: يمكن تطبيق علم النفس العام في دراسة إدراك العملاء للإعلانات التجارية، وذلك من خلال إجراء دراسات تجريبية لتحديد العوامل التي تؤثر على تذكر الإعلانات وتأثيرها على قرار الشراء.
- علم النفس الاجتماعي:
يهتم بدراسة سلوك الأفراد والجماعات في المواقف الاجتماعية المختلفة وكذا صور التفاعل الاجتماعي المختلفة التي تحدث خلال هذه المواقف، وكذا يهتم بدراسة الآثــار الحضارية والاجتماعية التي تطرأ على السلوك واللغة والاتصال والاتجاهات والآراء والعلاقات الشخصية وسيكولوجية الدعاية والإعلان والرأي العام والتطبيع الاجتماعي وأثره على اتجاهات الفرد وأنماط القيادة.
أمثلة تطبيقية:
- دراسة التأثير الاجتماعي: يمكن تطبيق علم النفس الاجتماعي في دراسة تأثير الإعلانات التجارية على السلوك الشرائي، وذلك من خلال إجراء دراسات تجريبية لتحديد كيفية إقناع الإعلانات المستهلكين بشراء المنتجات.
- دراسة السلوك الجماعي: يمكن تطبيق علم النفس الاجتماعي في دراسة أسباب اندلاع الاضطرابات الاجتماعية، وذلك من خلال إجراء دراسات تجريبية لتحديد العوامل التي تؤدي إلى إثارة المشاعر السلبية لدى الأفراد ودفعهم إلى المشاركة في أعمال العنف.
- علم نفس الشواذ:
وهو العلم الذي يهتم بدراسة السلوك الشاذ والأمراض العقلية والنفسية وضعف العقل وسلوك الأفراد غير العاديين ويتعرف على أسباب هذه السلوكيات مع محاولة وضع وتقديم مبادئ وأسس للعلاج والوقاية.
أمثلة تطبيقية:
- تشخيص الاضطرابات النفسية: يمكن تطبيق علم نفس الشواذ في تشخيص الاضطرابات النفسية، وذلك من خلال إجراء المقابلات السريرية والاختبارات النفسية.
- علاج الاضطرابات النفسية: يمكن تطبيق علم نفس الشواذ في علاج الاضطرابات النفسية، وذلك من خلال استخدام العلاجات النفسية المختلفة، مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج بالتحليل النفسي.
- علم النفس الفارق:
يهتم بدراسة الفروق بين الأفراد والجماعات في الذكاء وفي الشخصية والاستعدادات والمواهب الخاصة ويوضح إلى أي مدى يختلفون فيما بينهم، كما يدرس ما يطرأ علـــى الفرد من تغيرات في الظروف المختلفة.
أمثلة تطبيقية:
- التوجيه المهني: يمكن تطبيق علم النفس الفارق في التوجيه المهني، وذلك من خلال إجراء اختبارات نفسية لتحديد القدرات والمهارات التي يتمتع بها الفرد، وتوجيهه إلى المهنة التي تناسبه.
- التربية الخاصة: يمكن تطبيق علم النفس الفارق في التربية الخاصة، وذلك من خلال تطوير البرامج التعليمية والتربوية المناسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
- علم النفس النمو (الارتقائي)
وهو العلم الذي يهتم بدراسة نمو وارتقاء الإنسان عبر مراحل حياته، أي منذ بداية الإخصاب داخل رحم الأم ونمو واكتمال الجنين، ثم الميلاد، ثم الطفل رضيعًا، ثم مرحلة الطفولة، ثم مرحلة المراهقة، ثم مرحلة الرشد، ثم مرحلة الكهولة، فالهِرم حتى الوفاة، ويهتم بدراسة وتفسير جميع أنواع السلوك والخصائص المميزة لكل مرحلة عمرية من مراحل نمو الإنسان مع التنبؤ بالسلوك المتوقع لكل مرحلة عمرية لوضع الخطط المناسبة لتوجيه وضبط سلوك الفرد لتحقيق أفضل نمو ممكن له في ظل الظروف والإمكانيات المتاحة.
أمثلة تطبيقية:
- رعاية الأطفال: يمكن تطبيق علم النفس النمو في رعاية الأطفال، وذلك من خلال توفير الرعاية الصحية والتعليمية والنفسية المناسبة للأطفال في مختلف مراحل النمو.
- التعليم المدرسي: يمكن تطبيق علم النفس النمو في التعليم المدرسي، وذلك من خلال تطوير المناهج التعليمية والطرق التدريسية المناسبة لقدرات واحتياجات الطلاب في مختلف المراحل العمرية.
- علم النفس المقارن:
وهو العلم الذي يقارن سلوك الطفل بسلوك المراهق وسلوك السوي بسلوك النشاذ، وسلوك الإنسان البدائي بسلوك الإنسان المتحضر وسلوك الإنسان بسلوك الحيوان وذلك من أجل الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بين الوظائف النفسية وألوان السلوك في كل هذه الأنواع.
أمثلة تطبيقية:
- فهم السلوك البشري: يمكن تطبيق علم النفس المقارن في فهم السلوك البشري، وذلك من خلال دراسة سلوك الحيوانات ومقارنة السلوك الإنساني بالسلوك الحيواني.
- تطوير الأدوية والعلاجات: يمكن تطبيق علم النفس المقارن في تطوير الأدوية والعلاجات النفسية، وذلك من خلال دراسة السلوك الحيواني وتحديد العوامل التي تؤثر على الصحة النفسية.
- علم النفس الفسيولوجي:
وهو العلم الذي يهتم بدراسة الأسس الفسيولوجية للسلوك مثل دراسة الجهاز العصبي ووظائفه والجهاز الغددي ودوره في سلوك الأفراد.
أمثلة تطبيقية:
- فهم الاضطرابات النفسية: يمكن تطبيق علم النفس الفسيولوجي في فهم الاضطرابات النفسية، وذلك من خلال دراسة العوامل الفسيولوجية التي تساهم في حدوث هذه الاضطرابات.
- تطوير العلاجات النفسية: يمكن تطبيق علم النفس الفسيولوجي في تطوير العلاجات النفسية، وذلك من خلال استخدام الأدوية أو التدخلات الفسيولوجية الأخرى لعلاج الاضطرابات النفسية.
فروع علم النفس التطبيقية:
وهي التي تهتم بطريقة تطبيق ما توصل إليه البحث في الفروع النظرية على مجــال مـــن مجالات النشاط البشري، أي أنها تهدف إلى تحقيق أغراض عملية تجريبية تطبيقية، أي أنها تستهدف تحقيق أغراض عملية وحل مشكلات عملية، والتي تستفيد من نتائج البحوث والنظريات النفسية في أغراض عملية متنوعة.
ومن أهم هذه الفروع:
- علم النفس التعليمي (التربوي):
وهو أحد فروع علم النفس الذي يهتم بدراسة المشكلات التي تنشأ في ميدان التعليم، والتي تخص الطلاب والمعلمين والمواد الدراسية وطرق التعلم ونظرياته وأهم شروط التعلم الجيد.
وهو يهتم بتطبيق نتائج البحث ونظريات علم النفس في ميدان التربية والتعليم، ويهتم بتناول واكتشاف مواهب الطلاب واستعداداتهم وميولهم وقدراتهم وتوجيههم إلى خير ما يضمن لهم النمو المتزن لكي ينشؤوا مواطنين صالحين، وهو أحد فروع علم النفس الذي يهتم بالدراسة العلمية المنظمة لكل ما يدور داخل المدرسة مع دراسة أفضل الشروط العلمية والتربوية وتطبيقها لنجاح المدرسة في أداء وظيفتها في مختلف الجوانب والمجالات.
أمثلة تطبيقية:
- استخدام اختبارات الذكاء لتحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى مساعدة خاصة.
- تطوير برامج تعليمية تتناسب مع قدرات واحتياجات الطلاب المختلفة.
- تأهيل المعلم على التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
- علم النفس الصناعي:
يهدف علم النفس الصناعي إلى رفع الكفاية الإنتاجية للعمال وذلك عن طريق الاهتمام بتحقيق العلاقات الإنسانية السليمة بين العمال وبعضهم وبين العمال والإدارة مع الاهتمام بتهيئة الظروف الفيزيقية المناسبة لهم، والعمل على حل المشكلات المختلفة في ميدان الصناعة والإنتاج بطريقة علمية وإنسانية ويهتم بتوجيه العمال مهنيًا طبقًا للمبادئ السيكولوجية ويساعدهم على اختيار المهن التي تناسبهم وتقديم التدريب المناسب لرفع مستوى كفاءة العمال، وبالتالي رفع مستوى الإنتاج وزيادته ومساعدة العمال على الاستقرار الصناعي والتوافق المهني والنفسي.
أمثلة تطبيقية:
- استخدام اختبارات الشخصية لاختيار الموظفين المناسبين للوظائف المختلفة.
- تطوير برامج تدريبية لتحسين مهارات الموظفين.
- إنشاء بيئات عمل إيجابية وصحية.
- علم النفس التجاري:
هو العلم الذي يهتم بدراسة دوافع وحاجات المستهلكين وتقدير اتجاهاتهم النفسية نحو المنتجات الموجودة في السوق كما يهتم باختيار عمال البيع ويدرس كيفية تأثير البائع في المشتري وكذلك يدرس أفضل وسائل الإعلان والإعلام عن البضائع وأفضل طرق العرض لجذب المستهلكين وإتمام عملية البيع، كما يهتم علم النفس التجاري بالدراسة والتنبؤ بموقف الأسواق من السلع والمنتجات الجديدة ليزيد من إنتاجه أو يقلل منه أو يزيد من جودته أو يرفع سعره أو يثبت السعر…. وهكذا.
أمثلة تطبيقية:
- استخدام دراسات السوق لفهم احتياجات المستهلكين.
- تطوير استراتيجيات تسويقية فعالة.
- تحسين تجربة العملاء.
- علم النفس الجنائي:
هو العلم الذي يهتم بالبحث في طرق كشف الجرائم ودراسة الدوافع التي تؤدى إلى وقوع الجريمة، ويعمل على تقديم الوسائل الناجحة لعلاج المجرم أو عقابه أو إصلاحه، وهذا الفرع هو الجانب التطبيقي لعلم نفس الشواذ، ويفيد علم النفس الجنائي في إجراءات التحقيقات والتأكد من صحة أقوال المجرمين في ذلك طرق قياس الانفعالات وتجارب التداعي واختبارات الكذب وطرق مستخدمًا التحليل النفسي وغيرها.
أمثلة تطبيقية:
- استخدام المقابلات النفسية لتقييم المتهمين.
- تطوير برامج إعادة تأهيل المجرمين.
- المساعدة في منع الجرائم.
- علم النفس الحربي:
وهو العلم الذي يهتم بدراسة قدرات وإمكانات واستعدادات وسمات الجنود الشخصية والانفعالية والمزاجية لوضع الجندي المناسب في المكان المناسب أي توزيع الجنود على أنواع الأسلحة والأعمال التي تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم وسماتهم واستعداداتهم، وكذلك يهتم باستبعاد الأفراد غير المناسبين لخدمة الجيش أو توزيعهم على أعمال تتناسب مع ظروفهم مع الاهتمام بوسائل رفع الروح المعنوية لدى الجنود والقادة ومساعدتهم على كيفية محاربة الدعايات والإشاعات الكاذبة والتغلب عليها، كما يهتم ببحث ودراسة الصفات اللازم توافرها في القائد على مختلف المستويات، وذلك بعقد اختبارات نفسية لانتقاء أصلح الأفراد للمناصب القيادية حتى نضمن تنفيذ الخطط العسكرية بسرية تامة وبدون تردد.
أمثلة تطبيقية:
- اختيار الجنود المناسبين للوظائف المختلفة.
- تطوير برامج تدريبية لتحسين مهارات الجنود.
- تحسين الروح المعنوية للجنود.
- علم النفس الإرشادي:
هو العلم الذي يهتم بمساعدة الأفراد في حل مشاكلهم بأنفسهم في كل مجالات حياتهم العملية والتعليمية والأسرية وغيرها معتمدين على قدراتهم وإمكاناتهم الذاتية ويكون ذلك بتقديم التوجيه إليهم وتزويدهم بالمعلومات وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم بأسلوب مناسب وإجراء الاختبارات التي تساعدهم على توجيههم وإرشادهم تربويًا ومهنيًا ونفسيًا.
أمثلة تطبيقية:
- يساعد الطلبة والطالبات على الاختيار الأمثل للتخصص الجامعي.
- مساعدة الأفراد على حل المشكلات الشخصية والعاطفية.
- تطوير مهارات إدارة الإجهاد.
- علم النفس الإكلينيكي:
هو العلم الذي يستخدم المبادئ النفسية والمعلومات السيكولوجية في تشخيص وعلاج حالات سوء التوافق للأفراد ومشكلات الأطفال والأمراض السيكوسوماتية والأمراض النفسية والعقلية، ومشكلات المراهقين واضطرابات السلوك والتوجيه والإرشاد النفسي واضطرابات اللغة والكلام… إلخ.
أمثلة تطبيقية:
- تشخيص الاضطرابات النفسية.
- علاج الاضطرابات النفسية.
- مساعدة الأفراد على التعافي من الصدمات النفسية.
الخاتمة:
يتميز علم النفس بتعدد فروعه وتنوعها، مما يعكس اتساع نطاق هذا العلم وتنوع اهتماماته، ومن خلال هذه الفروع، يسعى علم النفس إلى فهم الإنسان وسلوكه في مختلف جوانب الحياة، من السلوك العام إلى السلوك غير الطبيعي، ومن السلوك الفردي إلى السلوك الاجتماعي.