تعد الدول العربية من أكثر المناطق تأثرا بالتغيرات المناخية على الرغْم أنها الأقل مساهمة في حجم الانبعاثات العالمية، وإذا كان الجفاف ونقص المياه وأزمة الغذاء من أكثر المشكلات التي تواجهها دول المنطقة العربية، وتحتاج إلى إجراءات كبيرة للتكيف، فهناك دول عربية تعاني إلى جانب ذلك حروب وصراعات سياسية أرهقت شعوبها، مما ضاعف من تأثير التغيرات المناخية عليها، حتى إن بعض الدول تجعلها قضية هامشية والأولوية لمجرد توفير الغذاء فقط ولا مجال للحديث عن قضايا البيئة.
و كانت اليونيسيف قد أطلقت مناشدة في نهاية 2021 تمويل بمبلغ قياسي مقداره 9.4 مليار دولار أمريكي للوصول إلى أكثر من 327 مليون إنسان تأثروا بالتغيرات المناخية والصراعات السياسية وجائحة كورونا. وفي العراق كجزء من المناشدة طلبت اليونيسيف مبلغ 52.2 مليون دولار أمريكي لعام 2022 لتلبية الاحتياجات الإنسانية الحرجة والحادة للأطفال والأسر الضعيفة المتأثرة بالظروف الإنسانية بما في ذلك الأزمات الطويلة الناجمة عن الصراعات وانعدام الاستقرار السياسي.
فضلا عن ذلك، طلبت اليونيسيف مبلغ 11.664429 دولار أمريكيا لعام 2022 ومبلغ آخر بنفس المقدار لعام 2023 لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين العاجلة، وحاجات المجتمعات المضيفة الضعيفة في العراق.
و تعد هذه المناشدة للتمويل هي الأكبر من نوعها في تاريخ اليونيسيف، في سياق تتسبب فيه النزاعات المتصاعدة بدفع ملايين الأطفال ومجتمعاتهم إلى حافة الكارثة، حيث تتواصل الهجمات على البنى التحتية المدنية البالغة الأهمية لبقاء الأطفال، ثم أن التغيرات المناخية تؤدي أيضا إلى تفاقم نطاق وحدة حالات الطوارئ، حيث تضاعف عدد الكوارث المرتبطة بالمناخ بواقع ثلاث أضعاف في العقود الثلاثة الماضية، حيث يعيش اليوم أكثر من 400 مليون طفل في مناطق معرضة لأزمة مياه شديدة، أو بالغة الشدة.
و تقول المهندسة سعدية فليح حسون رئيس جمعية حماية الأسرة والبيئة بالعراق أنه وفق أحدث تقارير المخابرات المركزية الأمريكية فإن العراق ضمن أكثر خمس دول تأثرا بالتغيرات المناخية، تؤثر على أمنها الوطني والقومي، ويظهر ذلك في تقلص الأراضي الزراعية، والهجرة المعاكسة من الريف إلى المدن، كما تم وقف زراعة أرز “العنبر” وهو أكثر أنواع الأرز تشتهر به العراق، حيث أنه يجتاح إلى كميات مياه كبيرة، فضلا عن تقليص مساحة الشعير والقمح.
أهوار العراق
و تشير المهندسة سعدية إلى انخفاض حصة العراق من المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى 50 درجة مئوية، وأيضا ما تم بناءه من سدود في تركيا وإيران حيث أكثر من 70% من مصادر مياه العراق من تركيا وإيران، ما أدى إلى جفاف الأراضي الزراعية وجفاف90% من أراضي أهوار العراق، البصرة والعمارة وزي قارو هي مناطق تعد أصل الحضارة البشرية، كانت تستخدم في زراعة القصب والبردي وصيد الأسماك وتربية الثروة الحيوانية، أكثر من 5 آلاف رأس ماشية نفقت بسبب الجفاف.
و قد تسبب جفاف أهوار العراق أيضا في تغير مسارات هجرة الطيور التي كانت تأتي من أوروبا إلى آسيا، فضلا عن أن سكانها حاليا يعيشون عيشة حياة السومريين”السكان الأصليين” من حياة بدائية بسبب الجفاف.
و تقول المهندسة سعدية أننا بحاجة إلى استعادة حصة العراق من المياه، وتعويض الفلاحين عن الخسائر والأضرار وتعويدهم على زراعات مناسبة لتغير المناخ واستصلاح الأراضي، مشيرة إلى أن حالة الجفاف ترتب عليها استنزاف المياه الجوفية بسبب حفر الآبار دون ضوابط. وعن نهري دجلة والفرات فمن المتوقع أن يختفيا في عام 2040 ويجفا تماما.كما تشهد العراق سنويا حوالي 200 يوما من العواصف الرملية التي تحجب الرؤية وسط وجنوب العراق، ما يؤثر على الزراعة والصحة، إلى جانب نقص الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ما يزيد من صعوبة الحياة في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
ضعف الحكومات
و تحدثت المهندسة سعدية عن غياب الإدارة الرشيدة للمياه في العراق وتتذكر الموقف الحاسم للرئيس الراحل صدام حسين مع تركيا عندما هددت بقطع المياه عن العراق، بعكس الوضع الحالي وضعف الحكومات العراقية، مشيدة بموقف مصر في إدارتها لأزمة سد النهضة، فهي تجربة رائدة يجب على العراق الاسترشاد بها.
و أعربت عن قلقها على أبناءها وأحفادها في المستقبل، بسبب أزمة المياه وتزايد الصراعات السياسية، والتوقع بتزايد الصراعات على مصادر المياه والصراعات بين الفلاحين والنازحين.و نأمل أن تعطي الحكومة العراقية الأولوية لقضية المناخ ولا تعتبرها قضية هامشية كما هو الآن، فهي لم تهتم إلا بعد صدور هذا التقرير الأمريكي عن وضع العراق في ظل التغيرات لمناخي ووضعت خطة ولكن يبقى تنفيذها.
و عن دور منظمات المجتمع المدن فتسير إلى أن عددها غير كبير بالعراق وأغلبها يعمل على قضايا المرأة والحقوق الإنسان، وتحتاج إلى تمويل كبير.
صعوبات مضاعفة
و في سوريا لا يختلف الأمر كثيرا وخاصة فيما يتعلق بإنتاج الحبوب الغذائية، فقد قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن عوامل تغير المناخ وتعثر الاقتصاد والقضايا الأمنية العالقة تضافرت لتلحق ضررا بالغا بإنتاج سوريا من الحبوب عام 2022، مما ترك غالبية مزارعيها في مواجهة وضع حرج ومحفوف بالمخاطر.
حيث انخفض محصول القمح في سوريا لعام 2022 بنسبة 75 بالمئة عن مستويات ما قبل الأزمة في حين أن الشعير بات شبه منعدم.حيث بلغ إنتاج العام حوالي مليون طن، بعد أن كان إنتاجها يصل إلى 4 ملايين طن سنويا من القمح.
وأدى عدم انتظام هطول الأمطار في الموسمين الماضيين إلى تقلص محصول القمح في سوريا كما يكابد العديد من المزارعين ظروفا اقتصادية قاسية ومشاكل أمنية في بعض المناطق في الوقت الذي يحاولون فيه التكيف مع تغير ظروف الطقس.
يشير الخبراء إلى أن “تغير المناخ ليس سهلا على أي حال، لكن في دولة مثل سوريا، فالصعوبة مضاعفة مع ارتفاع التضخم وانعدام الكهرباء وعدم وجود مدخلات إنتاج من نوعية جيدة، بجانب بعض القضايا الأمنية المعلقة”.
كما يعتمد الجزء الأكبر من محصول القمح في سوريا، وبالتحديد 70 بالمئة تقريبا، على هطول الأمطار مع تداعي أنظمة الري بسبب الحرب.
نقص التمويل
و هنا تتحدث الدكتورة سهير الريس عن حجم تأثير تغير المناخ على سوريا بسبب موقعها الجغرافي فهي تعد الأكثر تأثرا على الرغْم أن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة قليلا، وأصبح بها مناطق شديدة الجفاف، كما توجد مناطق بها حر شديد ومناطق برد شديد كما في شواطئ اللاذقية وطرطوس.
و قد ترتب على ذلك أيضا آثار صحية كبيرة مثل ظهور الكوليرا واللشمانيا وزيادة عدد الوفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي والربو خاصة الأطفال وكبار السن.
و أضافت أن ظروف الحرب على مدى 11 سنة أدى إلى سوء الأوضاع أكثر، وتراجع عدد الجمعيات البيئية نقص التمويل، حيث إن معظم المنظمات الدولية في سوريا تقدم مساعدات في مجال الغذاء وترفض تمويل المشروعات البيئية، هو أمر بالغ الخطورة فن الأفضل أن يذهب التمويل إلى بناء القدرات وليس الغذاء.، فلتعلمني الصيد أفضل من أن تعطيني سمكة.
أعاصير اليمن
و في اليمن حيث الوضع السياسي غير المستقر وحالة الحرب التي عطلت فاعلية مؤسسات الدولة ويزيد عليها التغيرات المناخية العنيفة التي تشهدها اليمن، فبين العامين 2015 و2018، ضربت ثلاث أعاصير استوائية جزيرة سقطرى، حضرموت والمهرة، فضلاً على العواصف التي تحتدم وتتشكل سنوياً خلال موسمين رئيسين في المحيط الهندي والبحر العربي. تؤثر هذه الحالات الاستوائية المضطربة على مناخ اليمن، متسببة بتطرّف هطول الأمطار الغزيرة على مناطق معيّنة فوق المعدلات المعتادة، في حين تبقى مناطق أخرى عرضة للجفاف. تطال السيول الجارفة والفيضانات الناتجة عن غزارة الأمطار، المزارع والمنازل في القرى والمدن على حدّ سواء، مخلفة أضراراً كارثية، بما في ذلك خسائر بشرية بالعشرات. الجفاف هو الآخر تسبّب في انخفاض مستوى الأمن الغذائي، وزيادة التصحّر وزوال الغطاء النباتي نتيجة الاحتطاب والرعي الجائرين.
وإذا ما استمرّ هذا الأمر على الوتيرة نفسها أو بوتيرة متصاعدة، فلا شك أن تأثيره على البلد لا يقلّ خطراً وكارثية عن حالة الحرب وعدم الاستقرار السياسي القائمان.