تبدأ قصة تابوت العهد، عندما واعد اللهُ موسى إلى جبل سيناء (والذي يُسمى أيضًا: الطور ــ حوريب ــ جبل موسى) 30 ليلة، وزادها ل40 وأنزل عليه الوصايا العشر، التي تُعد أهم أثرٍ يهودي، إلَّم تَكن أهم أثر إنساني على الإطلاق.
الوصايا العشر عند اليهود، نزلت مكتوبةً بإصبع الرب، على لوحين حجريين، قيل من الياقوت، وقيل من الزمرد، واحتوت الألواح على ما يمكن تسميته المباديء الإنسانية العليا، التي إتفقت عليها كل الأديان.
والألواح مذكورة في كتب العهدين القديم والجديد، وفي القرآن الكريم:
قال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ (الأعراف:145)
وقال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ (الأعراف:150)
وقال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون﴾ (الأعراف:154)
إحتوت الألواح على الوصايا العشر، وهي:
- أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ.. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
- لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ، لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ.
- لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا.
- اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ.
- أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.
- لاَ تَقْتُلْ.
- لاَ تَزْنِ.
- لاَ تَسْرِقْ.
- لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.
- لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ، لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ. (الآيات 17:1 ــ الإصحاح:20 ـ سفر الخروج)
وقيل أن الألواح كانوا:6 فرُفع منهما إثنان وبقي أربعة، وقيل أنهما لوحان مكتوب على وجهيهما، والله أعلم، والوصايا العشر شيء، والتوراة شيء آخر، والغالب أن الوصايا نزلت قبل التوراة.
صناعة التابوت:
ونظرًا لقداسة وأهمية الوصايا العشر في دعوة موسى، فقد أمر الله موسى أن يصنع تابوت العهد، ليحفظ فيه الألواح المكتوب فيها الوصايا، فصُنع التابوت على يد “بصلئيل بن أروَى” ويتكون من ثلاثة صناديق مستطيلة، مفتوحة من أعلى، كل واحد منها داخل الآخر، والصندوق الداخلي مصنوع من الذهب، والأوسط من خشب السنط، والخارجي أيضًا من الذهب.
وحافة التابوت العليا مرتفعة عن الداخلية، وكانت الزيادة على شكل إكليل، حتى يبدو الغطاء عندما يوضع على التابوت وكأنه تاج، وغطاء التابوت كان عبارة عن لوح ذهبي سميك، وعليه تمثالان من الذهب على هيئة ملائكة مجنحة، ينظر كل منهما بإتجاه الآخر، وعلى جوانب التابوت حلقات ذهب مدمجة في التابوت، مثبت بها ساندتين من الخشب السنط المطلي بالذهب، لِحملِه.
والسنطُ شجرٌ خشبُه شديد، ومن شجر السنط النيلي يُستخرج الصمغ، ومن لحاء ذلك الشجر يُستخرج زيوت وعقاقير لأمراض شتى.
وكان مقر التابوت في خيمة الإجتماع، حيث كان يعسكر بنو إسرائيل في وادي الراحة بسيناء، ولما توجهوا تلقاء فلسطين، وحَكَمَ الله عليهم بالتيه 40 سنة في صحراء سيناء، كانوا يحملون التابوت معهم في حِلّهم وترحالهم، وبعد وصولهم إلى فلسطين تنقّل التابوت من مدينة إلى مدينة، إلى أن نقله النبي داود إلى القدس، حيث إستقر فيها.
ثم وضعه النبي سليمان في قدس الأقداس في هيكله، على حجرٍ يُسمّى “الأساس” والذي يكمن تحته العرش الأرضي للرب، والذي تم تقديم إسحق عليه كقربان للرب (وفق المعتقد اليهودي) وقيل أن سليمان حفر لللتابوت حفرة عميقة متعرجة ليضعه فيها، و وضع بجواره: عصا موسى، وجرّة بها المَنّ (وَأَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ) (البقرة:57)
وحجر الأساس هذا عند المسلمين: هو الصخرة التي أُسري بالرسول (ص) من عندها، وهي التي بُني عليها مسجد قبة الصخرة، المجاور للمسجد الأقصى الآن.
ما هي محتويات تابوت العهد:
وفقًا لأسفار العهد القديم، لم يكن في تابوت العهد إلا الألواح (لم يكن في التابوت إلا لوحَا الحجر اللذين وضعهما موسى هناك في حوريب حين عاهد الربُّ بني إسرائيل عند خروجهم من أرض مصر) (ملوك أول فصل:98 ــ وأخبار الأيام ثاني: فصل:105) ويَعتقد اليهود بأن تابوت العهد باقٍ في مغارته التي خبأه فيها سليمان.
أما عند المسلمين، فمحتويات تابوت العهد، ذكرتها الآية: ﴿وَقَالَ لَهُمۡ نَبِیُّهُمۡ إِنَّ ءَایَةَ مُلۡكِهِۦۤ أَن یَأۡتِیَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِیهِ سَكِینَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِیَّةࣱ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَـٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ (البقرة:248)
أين إختفى تابوت العهد؟:
ذهبت آراء أخرى إلى أن تابوت العهد نُقل إلى ما يُسمى: بئر الأرواح في مصر، وقال آخرون بأنه نُقل إلى إثيوبيا، حين كان “منليك” إبن سليمان، من بلقيس ملكة سبأ ــ ملكًا على الحبشة، وأن التابوت مخبأ في كنيسة “مريم من صهيون” في مدينة أكسا.
ولحد الآن فإن الأحباش يحتفلون في 7 يناير من كل عام بميلاد المسيح، الذي يسمونه عندهم (تيم ـ كت) ويخرجون في مسيرات، حاملين توابيت على هيئة تابوت العهد.
وفي عقيدة الشــيعة، أن المهدي المنتظر سيستخرج التابوت من بحيرة طبريا، شمال فلسطين، ويعتقدون بأنه سيكون في تابوت العهد.. إرث الأنبياء.
