إستقلت قطر عن الإحتلال البريطاني سنة 1971 وقد حكمها منذ الإستقلال أسرة آل ثاني، التي تمتد جذورها في حكم الإمارة إلى سنة 1850 حين حكمها أول أمير من هذه الأسرة وهو محمد بن ثاني، وحتى حاكمها الحالي تميم بن حمد آل ثاني، وهو الحاكم ال8 من أسرة آل ثاني، والحاكم ال4 منذ الإستقلال.
يسكن قطر 2.7 مليون نسمة، حسب إحصاء 2023 ــ ويبلغ عدد المواطنين القطريين 380.000 نسمة، على مساحة من الأرض تبلغ 11.5 ألف كيلومتر مربع، بناتج إجمالي يقدر ب180مليار دولار أمريكي/سنة، وإحتياطي نقدي وذهب بقيمة 47.5 مليار دولار أمريكي.
بَرَزَ إسم قطر بقوة في الألفية الجديدة، كدولة وسيطة في حل النزاعات، وقناة تواصل فعالة بين الدول والجهات المتناحرة، بشكل يثير التساؤل عن نفوذ هذه الدولة الصغيرة الحجم، الهائلة التأثير، فما الذي أهّلها لهذا الدور؟
تعتمد قطر على الفوائض المالية التي تحققها من تصدير الغاز الطبيعي، والذي تصدرت فيه دول العالم في سنة 2022 بمعدل تصدير 10.5 مليار قدم مكعب يوميًا، وقد إحتلت قطر المركز الثالث عالميًا في تصدير الغاز الطبيعي في سنة 2023 بعد الولايات المتحدة وأستراليا.
حققت قطر في سنة 2023 فائضًا ماليًا بنحو 50 مليار ريال قطري (الدولار=3.64 ريال قطري) وتستخدم قطر هذه الفوائض في ضخ إستثمارات في الدول ذات النفوذ الدولي والإقليمي.
فعلى سبيل المثال، تستثمر قطر في بريطانيا، ما مجموعه 50مليار دولار، وفي فرنسا مايقارب 27 مليار دولار، وفي ألمانيا حوالي7 مليار، وفي تركيا 35 مليار دولار في القطاع العقاري.
وبعدما نشبت الحرب الروسية الأوكرانية، وتم حظر الغاز الروسي عن أوروبا، عقدت قطر إتفاقيات تمتد ل27 عامًا لتزويد فرنسا وإيطاليا وهولندا والصين بالغاز القطري، ومع ألمانيا لمدة 15 سنة، مما وضع قطر في موضع مؤثر على سياسات وقرارات تلك الدول.
كما تتبنى قطر سياسة تصفير الخلافات الدولية، لدرجة أنها قامت بدور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة، عدة مرات وبنجاح، رغم تشارك إيران مع قطر في حقل غاز الشمال، والذي يعد أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، بنسبة تقارب الثلثين لقطر والثلث لإيران، ولم تُثر تلك الشراكة أية مماحكات بينهما.
وفي سنة 1996 أنشأت قطر قناة الجزيرة الفضائية، وكانت صاحبة الريادة في البث الإخباري في العالم العربي، وقامت الجزيرة بتغطية عدة أحداث هامة في تاريخ المنطقة العربية، كغزو العراق، وثورات الربيع العربي، وحروب حماس وحزب الله مع إسرائيل.
وتعد الجزيرة منبرًا مؤثرًا في تكوين الرأي العام العربي، تجاه كثير من القضايا، وتستخدمها قطر كقوة ناعمة شديدة التأثير، وقد ثار حول الجزيرة كثير من اللغط، عن تنفيذها لأجندات إعلامية أمريكية وإسرائيلية، ولكنها مع ذلك تبقَى الأكثر إنتشارًا في تغطية الأحداث الهامة.
وتحتضن قطر على أراضيها مقر القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية في (قاعدة العيديد) التي تعد أكبر قاعدة للقوات الأمريكية في العالم (خارج أمريكا) و واحدة من أكبر مخازن السلاح الأمريكي في العالم.
وقد تكلفت قطر في إنشاء قاعدة العيديد 8 مليار دولار، وكانت هذه القاعدة منطلقًا لغارات أمريكية طالت أفغانستان والعراق وسوريا، إلا أن وجود القاعدة على الأراضي القطرية، لم يثر أي حساسية بينها وبين تلك الدول.
وقد ترجمت قطر نفوذها الدولي عمليًا في سنة 2010 حين تمكنت من الفوز بتنظيم أهم وأكبر حدث رياضي في العالم، وهو كأس العالم لكرة القدم لسنة 2022 وأقصت منافسيها على تنظيم تلك الدورة وهم: اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كان فوز قطر بتنظيم المونديال، رغم عدم مشاركة منتخبها في أي بطولة لكأس العالم من قبل، ورغم ما أُثير حول ترشحها وفوزها بتنظيم المونديال من إشاعات عن رشاوَى للفيفا، ونشر تخوفات من طقس قطر الحار، وما أُثير عن مشاكل مالية للعمالة الأجنبية في قطر.
وقد تعرضت قطر لأزمة حادة في سنة 2017 حين قررت كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مقاطعة قطر وحصارها، والتهديد بغزوها، وقد إستمرت تلك الأزمة حتى 2021 وعانت فيها قطر متاعب جمة، ولكنها تمكنت بعلاقاتها ونفوذها الدوليين، من تدبير إحتياجاتها الغذائية واللوجستية.
وقد نَجَمَ عن تلك الأزمة، أن قامت قطر بعقد إتفاقية دفاعية مع تركيا، وتوطيد علاقاتها السياسية والتجارية مع إيران، ما عاد على الدول المحاصِرة لقطر بالخسارة الجيوسياسية، حيث شكّل الحصار ذريعة لتركيا وإيران من التدخل في منطقة الخليج، بشكل لم تكن الدول المحاصِرة ترغبه.
ثم خرجت قطر من تلك الأزمة، عندما دعتها السعودية لمؤتمر قمة دول مجلس التعاون الخليجي 2021 وأستُقبل الأمير القطري في الرياض إستقبالًا سعوديًا حافلًا ومميزًا، وعادت المياه إلى مجاريها بين قطر ودول الحصار.
وقد نجحت قطر في الوساطات الدولية التالية:
- التوسط في الإفراج عن الممرضات البلغاريات في ليبيا عام 2007
- إتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين عام 2008
- التوسط بين الحكومة اليمنية والحوثيين لوقف القتال عام 2008
- عقد هدن بين حماس وإسرائيل في أعوام 2009 ـــ 2012 ـــ 2014 ـــ 2021
- وثيقة سلام دارفور عام 2011
- عقد المصالحة بين جيبوتي وإريتريا 2011
- عقد المصالحة بين حركتي حماس وفتح 2012
- إتفاق دارفور في السودان 2013
- الإفراج عن راهبات محتجزات في شمال سوريا 2014
- تبادل أسرى بين طالبان والولايات المتحدة 2014
- الإفراج عن جنود لبنانيين أسرى لدى جبهة النصرة السورية 2015
- إتفاق التبو والطوارق في ليبيا 2015
- رعاية مفاوضات الحكومة الأفغانية وحركة طالبان 2015
- عقد إتفاق بين حكومة السودان وحركة جيش تحرير السودان 2017
- رعاية محادثات الولايات المتحدة مع طالبان، للخروج من أفغانستان 2019
- الوساطة بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران في تبادل مسجونين 2023
- الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران في الإفراج عن 6مليار دولار لصالح إيران 2023
- لمّ شمل عدد من الأطفال الأوكرانيين بأسرهم، بالإتفاق مع روسيا 2023
- الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل، للإفراج المتبادل عن مسجونين 2023
- الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا في تبادل مسجونين 2023
وفي ظل التراجع الملحوظ لأدوار تاريخية لدول عربية كبرى، فقد قفزت قطر لتملأ الفراغ، وهي آخذة في التمدد، ولمّا يزل نفوذ قطر يتزايد.