منذ البدء في تصوير مسلسل سره الباتع وهناك حالة من الضجيج حول قصة المسلسل والعدد الهائل من الممثلين المشاركين في العمل لكن هذا الضجيج أتى بالسلب على هذا العمل الدرامي ويرجع لعدة أسباب منها الغياب الطويل لمخرج ومؤلف العمل عن السينما أضف إلى تجربته الأولى في عالم الدراما التليفزيونية كما أن الحديث الكثير والتشويق للعمل قبل الانتهاء منه أوقعه في سهام النقد قبل بدء عرضه.
تعد هذه التجربة هي أولى تجارب خالد يوسف في الدراما التليفزيونية ولعل فترة توقفه منذ عام 2018 بإخراجه أخر فيلم سينمائي له هي من ساهمت من زيادة الضجيج حول هذا المسلسل.
تدور قصة المسلسل في مسارين من الزمن المسار الأول وهو نهايات القرن ال18 وبالتحديد عام 1798 أبان دخول الحملة الفرنسية مصر والمسار الثاني هو مسار وقتنا الحاضر بداية من عام 1981 وهو العام الذي شهد ميلاد حامد إلى أن نصل لعام 2010 و2011 وما حدث في تلك الفترة.
هذان المساران لم يستطع مؤلف ومخرج العمل أن يوظف نقطة التقاء بينهم أو المعادل الموضوعي للربط بين القصتين؛ جاءت أولى المحاولات من خلال ربط القصة بين هذا الشاب المتعلق بهذا المقام الموجود داخل قريته وحدث له من كرامات ومحاولة الشاب الوصول لقصة صاحب هذا المقام من خلال خطابات مدفونة داخل المقام لكن هذه المحاولة أوقعت الكاتب في حالة المط والإطالة دون وجود مبرر درامي لبعض الأحداث وكمحاولة لسد هذا العجز لجأ مؤلف العمل إلى الحيلة الأشهر في الأعمال الدرامية وهي اللعب على إثارة ودغدغة المشاعر من خلال خلق قصة حب بين بطل القصتين تكون المحرك للأحداث وأداة للربط بين القصتين لكنها صورة نمطية ومكررة وخالية من الواقعية.
حاول خالد يوسف أن يثير بعض القضايا على هامش الحدث الدرامي كالخلاف بين الصوفية والسلفية وهي محاولة جريئة من مؤلف العمل التطرق لهذه القضايا الجدلية والمذهبية ولكن مثل هذه القضايا حال طرحها دراميًا لا تأتي بهذه الصورة النمطية والمكررة عن المذاهب الدينية أضف إلى غياب المبرر الدرامي للصراع بين السلفية والصوفية إلا إذا اعتبر هذا العمل عمل وثائقي لا عمل درامي عندها سيكون هناك مبرر لطرح الخلاف بين السلفية والصوفية حول الأضرحة في مصر.
محاولة خالد يوسف إكساب العمل الدرامي الواقعية في التناول أوقع المسلسل في دائرة المباشرة فالحوار بين الممثلين جاء ضعيفًا وغير واقعي إذ اتسم معظمه بالمباشرة في الحديث أو الأداء الخطابي وهذا يصلح حال العمل كان فيلمًا وثائقيا لا عمل درامي.
جاءت الحلقات الأولى من المسلسل مليئة بالأخطاء التاريخية على نحو تكرار تصوير الطماطم في المشاهد الخاصة بالإطار الزمني الأول وهي سقطة درامية؛ فالدراما غير مطلوب منها تقليد الواقع كما هو ولكن المحاكاة وهذا لا ينفي الاهتمام بما يخص الحقبة الزمنية المراد تصويرها فلا يمكن الحديث عن الطائرات الحربية في العصر الفاطمي إلا إذا كان هناك مبرر درامي لهذا وإلا اعتبرت سقطة فنية والمتتبع لتاريخ دخول الطماطم في مصر يجد أنها دخلت مع دخول الإنجليز مصر وبالتحديد مع الحرب العالمية الأولى كذا الحال مع زراعة التبغ وصناعة المعسل فمصر عرفت التبغ قبل الحملة الفرنسية لكنها لم تعرف زراعته ولا صناعة المعسل إلا في عهد محمد علي حتى البحوث التي أكدت وجود الشيشة وصناعة المعسل في مصر قبل ذلك أشارت إلى اقتصار هذه الصناعة على سكان القاهرة ما يعني أن هذه الصناعة لم يعرفها الفلاحون أبان الحملة الفرنسة.
رغبة يوسف في تقديم صورة واقعية داخل المسلسل نجحت من خلال تصوير يوسف لكادرات حقيقة للريف المصري وجاءت اللهجة مقاربة للواقع وإن كان بعض الممثلين جاءت لكنتهم مصطنعة ما جعل بعض أدائهم في بعض المشاهد والحلقات غير مقنع.
رغم قدرة المسلسل على تصوير ما حدث للمصريين من معاناة مع المحتل الفرنسي إلا أن هناك تكرار وتأكيد من قبل حسين فهمي على أن الحملة الفرنسية جاءت من أجل العلم ورفع قيم الحرية وهي مفاهيم مكررة اعتاد بعض مدعي الثقافة على أن المحتل الفرنسي لم يكن هدفه الاحتلال بقدر هدفه البحثي والعلمي أضف إلى أن تكرار حسين فهمي لهذه الجمل جعله تقفد معناها؛ كما أن المصريين لم يرحبوا بالمحتل الفرنسي كما حاول المخرج إظهار ذلك نكاية في المماليك.
لكن يحسب لـ سره الباتع كأحد المحاولات الجادة لتقديم الدراما النص والتي يكون النص أو القصة هي المحركة للأحداث لا تفصيل الأحداث لبطل المسلسل.