بدأت محكمة العدل الدولية، إعتبارًا من الإثنين 19 فبراير، سماع مرافعات 52 دولة، بشأن مسألتين، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أحالتهما إلى المحكمة، منذ ديسمبر 2022 لمعرفة الرأي “الإستشاري” للمحكمة حيالهما، والمسألتان هما:
(1) الآثار القانونية لإنتهاك إسرائيل لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإحتلالها طويل الأمد للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 وإستيطانها وضمها إليها، ومحاولاتها تغيير ديمجرافية مدينة القدس وطابعها ووضعها، وإعتماد إسرائيل تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن.
(2) كيف تؤثر سياسات إسرائيل وممارساتها، على الوضع القانوني للإحتلال؟ وما هي الآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول؟ والأمم المتحدة؟
ويسمح النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية في المادة 65 منه، للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تطلب رأيًا قانونيًا – إستشاريًا غير ملزم – بشأن ثمة موضوع معروض على الجمعية، لا يحظى بتوافق دولي.
وتعد كلٌ من محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة، فرعان لمنظمة الأمم المتحدة، ووفقًا لميثاق منظمة الأمم المتحدة، فكلا الفرعان لا يملكان أي آلية إلزامية لما يصدر عنهما من قرارات، إلا ما يقبل مجلس الأمن الدولي إحالته إليه من قرارات، قد يرى بعد نظرها إتخاذ إجراءات تنفيذية حيالها.
وحتى مجلس الأمن، الذي هو الهيئة الدولية الوحيدة التي تملك آليات تنفيذية لقراراته، لم يتمكن من إلزام إسرائيل بتنفيذ أيٍ من قراراته الصادرة ضدها، وبعض القرارات الصادرة من مجلس الأمن ضد إسرائيل مر على صدورها مايقارب 60 عامًا.
ومن المقرر، وبعد إنتهاء مرافعات ال52 دولة، أن تدرس هيئة المحكمة كل المرافعات التي قُدمت، وهو ما سيستغرق شهورًا، ثم تتخذ المحكمة قرارها الغير ملزم، وترسله إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذات القرارات الغير ملزمة أيضًا.
وبمجرد فتح باب المرافعات أمام المحكمة، إنبرَى مندوبوا الدول، يتنافسون في إلقاء خطب رنانة، ملؤها إدانة إسرائيل، وإبداء التعاطف مع الشعب الفلسطيني، في سباق محموم لنَيل جائزة الخطبة الأقوى أداءًا، والأشد درامية، والأكثر إرضاءًا لشعب كل دولة.
ولا يملك منصفٌ يتابع هذا المشهد، إلا أن يحس بالأسَى على ما آل إليه حال العالم من قلة حيلة، وهوان يكسو محاولاته البائسة لأداء أدوار تمثيلية هزيلة، يريد بها أن يقول (كاذبًا) أنه لم يزل في العالم قانون يحكم علاقاته، وأن محكمة دولية تنظر في قضاياه.
إن تكلفة الطائرات التي إنطلقت من 52 دولة متجهة إلى لاهاي في أقصى شمال الكوكب، حاملةً وفودًا رفيعة، وقاطعةً آلاف الكيلومترات، إضافة إلى تكلفة الفنادق التي ستؤوي كل تلك الوفود، قد تتعدى العشرات، إن لم يكن مئات الملايين من الدولارات، ألم يكن الأولَى تدبير طعام وماء ودواء بتلك الملايين للشعب الفلسطيني، الذي يتساقط أفراده موتَى من الجوع والعطش والمرض، بدلًا من الخطب العصماء التي لن تُفضِي إلى شيء؟
أم تُرى العالم بتجمّعه هذا يعلن وفاة “العدل” ويقيم سرادق العزاء في محكمة العدل الدولية، وترسل الدول وفودها لإلقاء خطب التأبين، ليُقفِلوا بعدها عائدين إلى بلادهم، بعد مواراة المرحوم (العدل) الثرى، حاملين معهم هدايا تذكارية لحكامهم، من شارات محكمة العدل الدولية.