محمد إبراهيم: يكتب
في حياة كل إنسان ذكريات جميلة، منذ الطفولة لا تنسي أبدا، حتى وإن مر عليها السنين الطوال، ذكريات مع الأسرة، والأهل، والأصحاب، ذكريات في الشارع الذي نشأنا فيه، والحارة التي تربينا فيها، على أصول وقواعد أخلاقية مميزة، تتراوح نسماتها من حين إلى آخر لنتذكر تلك الأيام الخاليات، عندما كانت الدنيا يرتل أهلها كلمات تحلو بها أيامهم لنتذكرها في الكبر، ونتحسر عليها أتذكر عندما كنا نجلس أمام التلفاز لنشاهد الأفلام العربية والأجنبية، وكان منها مسلسل كان يمتلئ بكثير من الخيال العلمي الذي كان أبطاله أقوياء يحاربون الوحوش والعملاقة.
نعم عن مسلسل هيركليز، وزينا، أتحدث.
هذا المسلسل الذي دخل كل بيوت العالم العربي، حتى أصبح حلم كل شاب أن يصبح هيركليز، وحلم كل فتاة أن تكون زينا،
لقد أثارني أن أكتب عن هذه الذكرى الخالدة، عندما صادفت صورة لأبطال المسلسل الخالد وهما هيركليز واسمه الحقيقي، كيفن سوريو، ويبلغ من العمر الآن 62 عاما،
وزينا واسمها الحقيقي، لوسي وتبلغ من العمر الآن 52 عاما.
وحينها تذكرت تلك الأيام الخاليات، عندما كنا ننتظر الأبطال لنشاهد الأكشن والمغامرات، حتى تحول هذا العمل الفني إلى لعبة على أسطوانة بلايستيشن للقديرة زينا.أو لوسي، وحتى الآن متواجدة حتى على أجهزة الكمبيوتر ليلعبها أبناؤنا، يا لها من ذكرى خالدة كانت تجمعنا جميعا كاسرة، أمام التلفاز الأبيض والأسود ونشاهد ونستمتع بتلك الأعمال الفنية.
ولكن عندما أنظر إلى صور أبطال هذا العمل، وقد بلغوا من العمر الخمسين والستين أشعر بالحسرة على أيام طفولتي، وأكاد أن أشعر أنني قد أصابني الهرم في عز شبابي، وأنا أردد وأقول يالها من أيام جميلة ذهبت ولم تعد، تبدلت تلك الأيام الخاليات بالسوشيال ميديا، حتى تفرق الجميع، وأصبح كل إنسان يعيش في عالمه الخاص حتى أوشكت الذكريات على حافة النسيان في عقول الناس.
وليس ذلك المسلسل فحسب من يذكرنا بأيام الطفولة ولكن كان هو من الأعمال الظاهرة التي انتشرت وأصبحت خالدة إلى يومنا هذا، يالها من أيام راقية ذهبت ولم تعد، ولم يبق منها سوى الذكريات الجميلة التي تهون علينا في بعض الأوقات ضغوط الحياة.
إنني أتحدث عن ذلك المسلسل عندما وجد إلى يومنا هذا بعض الناس ما زالت قلوبها تتعلق به، وبغيره من الأعمال الفنية القديرة، ولكن هذه الذكرى بالتحديد ظلت خالدة، ولا ريب عندي أنها ستظل خالدة إلى الأجيال القادمة، ستظل أسطورة يشاهدها الجميع، كما يسمع الجميع الآن أغاني الزمن الجميل، التي مر عليها خمسون عاما، وليس الطرب فقط، بل أفلام الزمن القديم الذي أصبح أسطورة يتحدث الجميع عنها في القرن الحادي والعشرين.
وهذا العمل يلقن الأجيال الحالية درسا هاما، أن الأعمال التي تبنى على تقديم رسالة للناس، هي الأعمال التي ستبقى إلى الأبد وليس الفن الهابط، الذي انتشر في هذا الوقت، هدفه الربح فقط ولو كان على حساب هدم الأسرة المصرية، وتدمير قيمها وأخلاقها، الفن الهادف الذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويبقي، والذي يهدم الأمم يذهب هباء منثورا، ولا يذكر صاحبه وسيشهد التاريخ إما له أو عليه.
هيركليز، وزينا، رسالة خالدة يقصها تاريخ الفن الراقي الباقي وليس أبطال العمل، فالإنسان يصنع عملا وينتظر حكم التاريخ، إما أن يخلده قيمة مجتمعية، أو عار فني حتى بعد مماته، كل التحية والتقدير لمن صنع عملا فنيا عظيما، ساهم في بناء الأمم وتصد لهدمها من أجل بناء أمجادها.