تمهيد
كتب الكاتب والمؤلف السوداني محمد محي الدين أبوزكو هذه الدراسة النقدية في سهر يناير من عام 2022 وقد صنفها الكثيرين بأنها أجمل دراسة نقدية في روايات الكاتب هشام عيد.
إليكم نص الدراسة
حارة سر الدين الفلواتي، هذه الرائعة الصادرة عن دار الهالة للنشر والتوزيع للكاتب المتميز هشام عيد، قرأتها مرتين لمحاولة تبين تقنية السرد التي اتبعها الكاتب، وما زلت في أول الطريق.
مدخل
أول ما شد انتباهي، هو مباشرة السرد في التعمق نحو واقع الشخصيات، وأخذ الكاتب في إخبارنا بصورة مباشرة بما يريده وجعل كل مقومات السرد تخدم هدفه لذلك سال النص معبرا بصورة مدهشة عما يحدث في تلك الحارة التي يعرفها كل من يقرأ النص.
وأكثر ما ميز السرد وجعله سهلا ممتنعا هي العبارات التي تنوب عن التشبيهات المملة، والمكررة في اغلب النصوص التي صدرت في عالم الرواية.
مثال
مثلا في الصفحة العاشرة، يتحدث الراوي عن شخصية ( حمودة الأفيونجي) أو (عم بيتهوفن) وفي هذا المشهد كان يروي الراوي عنه حديثه المتكرر عن بطولاته المصطنعة في حرب ٧٣ وقبلها ٦٩ حيث اعتادت الشخصية في استعطاف الحاضرين بقصصه البطولية المزيفة مرارا وتكرارا، وقد وردت هذه العبارة (قرر إستخدام طلقته الفضية)، وفي هذه العبارة عمق أكثر من مجرد عبارة دلالية أو تشبيه مجازي بليغ، فقبل ان تكمل مشاهدة المشهد (مشاهدة لا قراءة) ستعرف بناء على ما ورد من فعائل هذه الشخصية أنه سيروي قصته تلك، لكن إن امعنت النظر في هذه الجملة ستجد أن النص بدونها لا طعم له أو بهار، لم يذكر المؤلف أنه قرر إستخدام سلاحه الأهم، أو قنبلته النووية، أو سلاحه الفتاك. بل ذكر (قرر إستخدام طلقته الفضية) وحقيقة استوقفتتي هذه العبارة كثيرا، حتى أدركت المعنى المستتر.
مصطلح الطلقة الفضية
معظمنا قد شاهد أو استمتع بأفلام أو روايات الخيال العلمي الخاصة بالمستذئبين أو السحرة أو الأشرار خارقي القوة، والرابط المشترك بينهم جميعا هو ضرر الطلقة الفضية عليهم وأثرها الكبير على قواهم.
وهنالك معتقد سائد في معظم البلدان ان الطلقة الفضية تقضي على السحرة والمستذئبين بصورة نهائية.
وهنا كانت العبارة دلالية أكثر من كونها تشبيها بليغا فقط، حيث يقول الكاتب من خلالها ( أن الشخصية قررت إستخدام اقوى ما لديها ) حتى تستعطف من حضر وتجبره على الاستسلام أمام هدفها والرسالة الأهم هي انه يستعطف من يعرفونه جيدا وقد سمعوا حكايته هذه كثيرا لكنهم كالسحرة والمستذئبين يقفون عاجزين تماما أمام قوتها.
وتكثر العبارات الدلالية والتشبيهات الرائعة ذات الحدين في النص السردي، وهذا ما جعل الرواية شيقة سليلة تنسال كماء الجداول.
ولعل المساحة هنا غير كافية للبوح بالمزيد من أسرار هذه الحارة وصنعة هذه اللوحة الفنية، ولكن السبب الأهم هو مزيد من المراجعة حتى أتمكن من إكتشاف المزيد.
ولكن وأقولها بالفم المليء، لا يكتب هذا النص إلا بديع مقتدر على صناعة الجمال، ولعل صعوبة هذه الرواية تكمن في سهولتها، ومتانة بلاغتها، وأكثر ما يميزها خلوها من التشبيهات المباشرة، وإلا كانت مجرد نص مركب مكسور العمود الفقري.
الرواية متوفرة في جميع منافذ بيع إصدارات دار المكتبة العربية للنشر والتوزيع، وأقترحها على المؤلفين الذين يتحسسون خطواتهم الأولى قبل القراء، لما فيها من حبكة مترابطة بدون زيادة أو نقصان.
أكثر ما يحزنني أنني استمتع بأي نص أدبي في المرة الأولى فقط، أما المرات التي تلي ذلك، أجد نفسي أرى النص من منظور الحكم على أسلوب الكتابة ورسم الشخصيات، ولكن هذه المرة استمتعت للمرة الأولى والثانية، وقد صعب الحكم في المرة الثالثة، لذا لن اتمكن من تلخيص نا استنتجته الا في سلسلة ستكون ان شاء الله بعنوان (حارة سر الدين الفلواتي – من منظور آخر) عسى ان أفيد غيري وأستفيد.
دمتم في حفظ الله ورعايته، وحتى الملتقى.