عجيب هو أمر الإنسان، كلما ضاقت به اكتشف انه كان يعيش في نعمة لم يدركها إلا حينما زالت عنه، لو رجعنا بالزمن فقط تلاته أشهر للوراء وسألتك عن وأنت حر في تحركاتك، تخرج من منزلك وقتما تريد وتدخل وقتما تريد؟
أكيد أنك كنت ستستغرب السؤال ولربما ضحكت وشككت في قدراتي العقلية، أما الآن وبعد ظهور كورونا، فقد أصبح الكل يتحسر على أيام كان فيها حرا، يخرج ويدخل دون الحاجة لتصريح أو الخوف من مخالفة، يذهب حيتما شاء ويخالط من يشاء، يقبل أولاده ووالديه بدون خوف.
هنا يطرح سؤال: هل لابد من زوال النعمة لكي يعرف الإنسان قيمتها؟
نفس الأمر تكرر على مر العصور، فلقد مر على البشرية من الكوارث ما لا يحصى ولا يعد ولكننا لم نتعلم من تاريخنا، في كل مرة تأتي الكارثة ونتذكر اننا كنا غير مدركين للنعم التي كنا ننعم بها من أمن وحرية، وتمر الكارثة ونعود لغفلتنا كأن شيءا لم يكن.
سيتكرر نفس الشيء مع وباء كورونا وسنعود لغفلتنا، سنعتبر كل نعمة شيء عادي، لكننا مخطئون.
أن تستطيع التنقل بحرية ليس عاديا فالكثير يتمنى ذلك ولا يستطيع، أن تكون لديك وظيفة ومصدر رزق قار ليس عاديا فالملايين يتمنون تلك الوظيفة، أن تقبل رأس والديك وتجلس معهما تتذكر طفولتك وتستشعر انك ما زلت ذلك الطفل الصغير ليس عاديا فهناك من يتمنى ان يرى والديه ولو دقيقة مقابل كل أموال الدنيا، أن تكون عندك زوجة صالحة ليس عاديا فهناك من تعدا سن الزواج ولا زال يبحت عن تلك الزوجة.
تأكد عزيزي القارئ بأن كل نعمة تعتبرها امرا عاديا ليست كذلك.
لو افترضنا بأن فيروس كورونا مازال في البداية، وهو افتراض غير منطقي بالنظر للطفرة العلمية والتكنولوجية في عصرنا، لو استمر الفيروس في انتشاره بهذه الوتيرة فإن أغنى دول العالم لن تستطيع الصمود، سيقل الطعام لان الشركات ستتوقف عن العمل، ستنقطع المعونات التي تصرفها الدول لمواطنيها بسبب توقف عجلة الاقتصاد، ستنقطع وسائل الاتصالات، ستعلن المستشفيات عن عجزها، سيصبح الكهرباء الذي اعتبرناه شيءا اكتر من عادي من الاشياء صعبة المنال، فتح الصنبور ونزول الماء سيصبح ترفا يقتصر فقط على علية القوم، زيارة الاهل سيصبح بترخيص…
هل ما زلت تعتقد ان ظروف حياتك الآن شيء عادي؟
ربما لفيروس كورونا فوائد رغم كل شيء، لعلها فرصة لنراجع انفسنا ونستيقظ من سباتنا الذي طال، ربما هو فرصة لنعيد حساباتنا، ففي هاته الظروف الاستثنائية اكتشفنا بأننا كنا مقصرين، اكتشفنا بأنه لدينا عائلة لم نكن نهتم بأمرها، أصبحنا نقضي يومنا في المنزل بين زوجاتنا وأبنائنا، تقربنا أكتر من أطفالنا وزاد خوفنا على آبائنا كما لو أننا اكتشفنا فجأة بأنه لدينا آباء نخشى فراقهم وأبناء لم نكن نهتم بهم كفاية، كل هذا فرضته ظروف الحجر الصحي الإجباري، فهل سنستمر بعد انتهاء الوباء في الاهتمام بمن نحب وتقدير هاته النعم أم اننا سنعود لغفلتنا كأن شيءا لم يكن؟
ربما هذه مجرد خواطر كورونية لكاتب تحت الحجر الصحي، لكنها أيضاً دعوة للتأمل وتقدير النعم التي نراها.. عادي.