العدالة أو العدل يجب أن يكون أعمى، بينما يجب أن يكون القانون ذا عينين يرى بهما، لماذا؟، لأن القانون له آثار تتعلق بنصوصه ومواده، وبسبب ذلك فلا بد أن يتسم القانون برؤية ثاقبة عادلة لكي تتحقق العدالة ويتم تنفيذها، فالقانون هنا بمثابة العصا التي يتحسس بها الرجل الأعمى طريقه، أو بمعنى أدق هي الدليل للصواب والحق والحقيقة، أي العدل والعدالة.
القانون له آثار اقتصادية واجتماعية، وثقافية ودينية وشرعية، والعدالة هي الموازنة بين كل تلك الجوانب والمجالات، فإذا لم يكترث المشرع لميزان العدالة وهو يضع القانون، فإنه أعمى لا يرى سوى ما تمليه عليه مصالحه وأهواؤه، وهو بذلك بمثابة عصا منكسرة، مائعة، ترى كل اتجاه حق، وكل ناحية عدالة، وهذا محال، حيث ثمة تعثر واجب الحدوث، وصراعات، وحوادث مادية تحدث للأعمى، وربما يقع فتنكسر ركابه وأرجله، وأسنانه، أو ربما يقع في هوة سحيقة من النيران.
ولذلك فالعدالة هي مصدر للقانون، والعدل مصدر القانون، والقاعدة القانونية دائما يجب أن يتوفر فيها ركنان، وهما: الأول وهو التجريد، والثاني وهو العمومية، ولذلك وجب على المشرع أن يتسم بالموضوعية والعلم العميق بما يشرع ويسن من قوانين، فالقانون هو الإطار الذي ينظم المجتمع (معاملاته، تعليمه، أخلاقه، آدابه،).
ولذلك فإننا نجد قانوناً تجاريا، وآخر صناعيا، وثالث سياسيا، ورابع ثقافيا، وأخلاقيا، ولعل الأمثلة على تلك التشريعات واضحة وجلية في جميع الدول، والأنظمة.
والعدالة التي هي مصدر القانون والممسكة به كي يحركها نحو الحق والصواب، والذي تهتدي به العدالة الطريق، تكون فيما اجتمع عليه الناس، أنه هو الحق والعدل، الناس من كافة المجالات، ولكن ليس الناس بمعناها العمومي المطلق، وإنما المتخصصون في كل فن وعلم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا كان هناك ثمة حاجة لإطار تنظيمي في مجال التجارة، أو الصناعة، فلابد أن يكون أخبر الناس بها وأكثرهم سبرا لأغوارها هم أهل التجارة أو الصناعة، فليأتوا وليتفضلوا بوضع قانون، هو بمثابة هذا الإطار التنظيمي الحاكم، والمنظم لتلك الحاجة.
لكن ينبغي أن يكون المتخصصون، هم أيضا متجردون، بحيث لا يشرعون لخدمة مصالحهم الشخصية، ولابد من مراقبة أحوالهم أثناء صياغة القانون، فالعمومية هنا هي المحك، والتجريد هنا هو الضابط.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر أيضا، فإننا نجد قانونا يخص الآداب العامة، وفي ذات الوقت يندرج عند أهل القانون في قسم “قانون العقوبات”، ألا وهو “قانون عقوبة التحرش“، ويحمل رقم 141، لسنة 2021، حيث نص القانون في نسخته المعدلة والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/ 8/ 2021، الموافق الأربعاء، على أن جريمة التحرش أصبحت جناية، عقوبتها السجن، مدة لا تجاوز خمس سنوات، هذا بعد أن كانت في الماضي جنحة، وهذا ما شملته المادة 306، مكررا “ب”.
ولعل هذا القانون الذي ضربناه مثالاً، ليدل دلالة قاطعة على أن التغير وعدم الثبات هو سمة القوانين البشرية الوضعية، والتي قد تصيب، وقد تخطئ، وما أكثر اقترافها للأخطاء، ولعل الأمر يزيد وضوحا لديك عزيزي القارئ، عندما تعلم أن القانون الذي ذكرناه، وتم تعديله، هو قانون قديم في الأساس، ولقد أتيت بذلك من خبر في موقع اليوم السابع بعنوان “تغليظ عقوبة التحرش المباشر والإلكترونى بالقانون الجديد واعتبارها جناية”، وهو قانون يحمل رقم 58 لسنة 1937، ترى،! لماذا نعدل قوانين مضى عليها أحقاب زمنية طويلة؟!، والجواب، إنها الطبيعة البشرية.
ملحوظة/ هذه المقالة لا تعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي في مجملها تشكل وجهة نظر الكاتب.
حلم وأكبر فوز يارب