“كانت تُحاصرني عصابة على هيئة حكومة”، حوار حصري مع والد “طفلٍ مُختطف” في الدنمارك، وكلمة السر “رضيع جميل”
“قِصتي مُختلفة عن بقية القِصص وحكايتي غير كُل الحكايات وشهادتي حول “الدنمارك” دولةً ونظاماً وحياة هي أيضاً شهادة مُختلفة”، هكذا وصف المواطن التونسي “ذاكر السليمي” معاناته مع “السوسيال” أو منظمة الخدمات الاجتماعي في الدينمارك.
وفي حوارٍ أجرته الكاتبة الصحفية أمل صلاح معه، وتنشره “نجوم مصرية” أكَّد السلِّيمي أنَّه ومن خلال سرد جوانب من قصَّته المعقَّدة ومعاناته مع زوجته في فقدان طفله بعد شهرٍ واحدٍ من الولادة سوف يعرِض “الوجه الأشدَّ قُبحاً “للسوسيال حتى يرى العالم حقيقة أوروبا والغرب” حسب وصفه.
“كنت بالفعل داخل “فخ” وكانت تحاصرني عصابة على هيئة حكومة ومؤسسات، وستعرفون الآن كيف حصل ذلك.”
1- أنت متزوج من أجنبية، عرِّفنا بنفسك، أين تعرَّفت على زوجتك وكيف بدأت العلاقة بينكم؟
اسمي ذاكر سليمي، وهو اسمي الحقيقي فليس لدي ما أخفيه، أمتهنُ السباكة، ميسور الحال موفور الصحة سليم الجسم والعقل، تعرَّفت على زوجتي التي تحمل الجنسية الدينماركية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، توطدت علاقتي بها طلبت منها الزواج فوافقت دون تردد.
جاءت إلى تونس للزواج مني عام 2010م، ورغم أنَّها أَحَبَّت تونس وأهلها، إلَّا أنَّها لم تُقم معي إقامة كاملة بل كانت تذهب إلى الدنمارك وتأتي إلى تونس كل فترة حتى 2012م.
كانت علاقتي بها متميزة جداً فقد كانت كما لو أنها ألقت على كاهلي عبء مسؤوليتها دون أن تدري، وما كنت لأخذلها أبداً، حاولَت أن تقنعني بالسفر إلى الدينمارك والإقامة معها هناك غير أني كنت متشبثاً بتونس وبمهنتي التي أُحبها وأُتقنها، حتى عام 2012م عندما أرسلت لي تأشيرة إقامة 3 أشهر حيث ذهبت إليها في الدينمارك.
وبعد انتهاء الشهور الثلاثة اقترحت زوجتي إجراء “لم شمل” بحيث أستطيع البقاء في الدينمارك فوافقتُ مرَّة أخرى وتمَّ ذلك بالفعل.
2- انتقلتَ للحياة بالدنمارك بشكلٍ كامل، كيف كانت علاقتكم في ذلك الوقت ومتى بدأت المشاكل التي واجهتها؟
كُنت سعيداً رغم ذلك الشعور الغامض الذي كان يجتاحني من وقت لآخر، كانت إقامتنا في الريف هنيئة إلَّا أني كنت وحيداً لا أعرف أحداً أبداً غير زوجتي، اتخذنا قراراً جديداً بالانتقال إلى مركز “البوروك” بدلاً من العيش في ريفه، استأجرنا شقة جديدة آخر العام 2012م وعندها عرفنا أن زوجتي حامل، وكانت سعادتنا بذلك كبيرةً جداً.
في هذه الأثناء كانت الدولة تكفل زوجتي التي لا عمل لها فذهبت إلى مكتب البلدية وطلبت مساعدتها في تكاليف متابعة الحمل إلَّا أنهم رفضوا مساعدتها على غير العادة وخلافاً للقوانين.
ظلَّت زوجتي فترة بلا متابعة لعدم توفر النقود حتى ساءت صحتها وتم نقلها إلى المستشفى وخلال تلك الفترة لم تتوقف عن مراسلة البلدية لدعمها وإعانتها ولكن دون جدوى، ورغم أنني كنت غريباً أعاني مُر البطالة ومُر جهل اللغة والقوانين فقد قررتُ أن أعمل رغم أن القانون يحظر عليَّ ذلك، لقد كان من واجبي أن أنقذ تلك المسكينة التي خطر لي أنهم يعاقبونها على زواجها من “عربي”.
واصلت العمل والانفاق عليها حتى تحسنت صحتها وخرجت من المستشفى وبعد أشهر قليلة وضَعت طفلي في 5 أغسطس 2013م. الذي كان كُلُّ ذنبه أنَّه “رضيع جميل”.
3- ماذا حدث للطفل وما هي قصة “رضيع جميل” التي كانت بداية المشاكل التي تعرَّضتم لها؟
نعم كانت خطيئة طفلي أنَّه كان طفلاً جميلاً، وكانت دهشتي كبيرةً جداً عندما أخبرتني الممرضة أنَّ تقرير المستشفى قد كُتبت فيه عبارة (رضيع جميل)، تجمَّدتُ أمامها لدقائق وبدأ شعورٌ غامض في السريان من قلبي إلى كامل جسدي.
قرَّرتُ أن أتفقَّد عدداً من التقارير الطبية لِحَديثي الولادة الذين تمت ولادتهم في نفس التوقيت، وكان عليَّ الاستعانة بأحد فإن جهل اللُّغة يحبسني داخل قفصٍ وقيد، عثرتُ على أحد الآباء من أهل الدينمارك يقف وحيداً مع كوب من القهوة فأسرعتُ لانتهاز الفرصة وأخذت 3 تقارير وتقرير ابني ووضعتهم أمام الرجل الذي تفاجأ بي أمامه أسأله، هل عبارة (رضيع جميل) مكتوبة في أي تقرير فالتقط تقرير ابني فقط مما دفعني لسؤاله وبقية التقارير فأجاب وهو لازال مندهشاً، لا.. ليس بهم نفس العبارة.
انطلقت بعيداً عنه وقلبي يكاد ينخلع من مكانه ولم يكن ذلك مجرد إحساس كاذب فقد أخبرنا المحامي بعد ذلك أن طِفلنا قد سُرق منذ يوم ولادته وأنَّ عملية خطفه بدأت من المستشفى، ولِمن لا يعرف فإن تحديد الضحية ودراستها تتم من المستشفى وأنا “العربي” غريب الأهل واللُّغة، قليل الحيلة كُنت “لقمة سائغة” وهدف سهل للغاية.
4- ما الذي حدث بعد خروجِكم من المستشفى، وكيف تم اختطاف الطفل؟
جميع الأحداث بعد خروج زوجتي من المستشفى كانت تؤكِّد أننا وضِعنا تحت المراقبة بالمعنى الحرفي الحقيقي وليس المجازي، وقد بدأت أستشعر كوني مراقباً حتى جاء يوم 5 سبتمبر 2013م أي بعد مرور شهر واحد من الولادة، فتحت صندوق الرسائل فوجدت رسالة من الشرطة تطلب منا الحضور.
توجَّهتُ إليهم وأنا أحمل طفلي فأخبروني أنَّ علي مغادرة الدينمارك فوراً وألَّا أذهب إلى أيِّ مكان آخر سوى المطار ومنه إلى تونس، فأخبرتهم أني موافق جداً وأنني سأغادر اليوم إن سنحت لي الفرصة.
دُهِش الضابط بشدة ومرَّت عدة دقائق توقف فيها عن الكلام وهو ينظر إلى وأنا مبتسمٌ هادئ، أدركت حينها أن الأمر بالمُغادرة كان وراءه أمر آخر، وبعد مُدة من الصمت قال لي: “اذهب لمحامي إن أردتَ البقاء”
فأجبته: “سأفكر غير أني أُرحِّب بالمغادرة أكثر من البقاء”.
قالت لي زوجتي علينا التريث ودعني أتصل بمحامي صديقتي نستشيره فيما حدث
ولكن قبل أن نقوم بإجراء الاتصال مع المحامي اتصل مكتب رعاية الأمهات حديثي الولادة بزوجتي وأخبروها بأن عليها إرسال الطفل إليهم.
5- هل طلبوا إرسال الطفل وحده؟ وماذا كانت حُجتهم لذلك؟
نعم طلبوا إرسال الطفل وحده ودون الأم أيضاً، رُغم أنَّ هذا المكان يبعد مسيرة سفر ثلاث أيام، وعندما سألناهم كيف نُرسل الطفل وحده، أجابوا أن علينا أن نرسله في سيارة أجرة “تاكسي”.
6- ماذا كان موقفكم، وما هي ردة فعل المحامي على ذلك؟
لم أوافق طبعاً ولم أُرسله وقمنا بالاتصال بالمحامي الذي وصل إلينا، وعندما أخبرناه بما حدث قال وهو يرى الطفل: “أول مرَّة أرى طفلاً قبل أن يخطِفوه” ثم صمت وهو يتعرق فقد فلت لسانه بما صدمنا دون أن ينتبه، لقد تلعثم وبدأ يحاول تصحيح عباراته فقال: “قبل أن يأخذوه من والديه” ثم قال أنَّه سيدرس الحالة ويبلغنا رده، لكن بعد مغادرته بأقل من ساعة اتصل مكتب البلدية وأخبرونا أنهم قادمون وعلينا انتظارهم.
في الثالثة والنصف عصراً خرجت سيدتان من سيارة وتوجهن ناحية البيت، كُنت وقتها مُتخفياً بين الأشجار لأُراقبهم عند وصولهم، رأيتهن يسِرن على أطراف أصابِعهن بطريقة غريبةٍ جداً ولم يسلكا الطريق المباشر للمنزل مما جعلني أشعر بالمزيد من الشك والريبة، ثمَّ فجأة انضم لهُنَّ ثلاث نساء أخريات، دخلوا البيت وطلبوا من زوجتي مباشرة دون تمهيد أن تُعطيهم الطفل، كنت قد لحقت بهم إلى داخل المنزل، رفضنا إعطائهم الطفل فقالت إحداهن بمنتهى الثقة: “أعطونا الطفل وإلا سنأخذه بالقوة” كأنه يخصُّهم أو كأنه طاولة أو كرسي وليس ابننا!
في حركة مُفاجئة أخذت طفلي وركضتُ خارج المنزل واختفيت في الغابة، كنت أركض وأبكي وكأن دموعي تُسابق خطواتي وتنافسها، أجري دون أن أُحدِّد طريقاً أو وجهة، فقط أريد الهروب والوصول إلى مكان لا أعرفه، بقيت مختبئاً حتى جاع الطفل وبدأ بالبكاء وتسلل الليل وغطى بستائره المكان، عندها تسللت عائداً إلى المنزل وعندما وضعت قدمي على عتبة الباب فاجأتني الشرطة ثم قيدوني وأخذوا الطفل وانطلقوا.
لقد خَطفت الشُرطة طفلي الرضيع كأنه “دُمية”، انتزعوه من بين أحضاني وهم يضحكون بصوت مرتفع، لم يبالي أحد منهم بمشاعري ولا ملامح القهر التي أغرقتني والعجز الذي سيطر على كياني.
اتصلنا بالمحامي وشرحنا له ما حدث فأخبرنا أنه إجراء غير قانوني وأن الطفل سوف يعود دون شك.
7- أين أخذوا الطفل، وماذا فعلتم بعد ذلك، وكيف كان تعامل “السوسيال” معكم؟
بعد أن أخذوا الطفل، أصبح كل شيء فارغاً، قلبينا، وحياتنا، والبيت، لقد سرقوا طفلي لأنهم يعلمون أنني غريب “عربي” جاهل بلغتهم وقانونهم، يستطيعون أن يُلقوه خارج دولتهم بأي طريقة حتى وإن كان تلفيق التهم.
بدأنا مرحلة جديدة من حياتنا وهي مرحلة البحث عن الطفل، كنا نتصل بالسوسيال بشكلٍ مستمر لنعرف أين أخذوا طفلنا وأين هو، لكن لا مجيب.
شهرٌ متواصل من الاتصالات التي لم تتوقف وأخيراً جاء الرد: إذا أردتم رؤية الطفل فإنه الآن عند عائلة جديدة في مدينة بعيدة جداً عن مركز “البورك”.
8- ما هو السبب الذي قدَّمته السوسيال لتُبرر سحب طفل من والديه بعد شهر واحد من ولادته، ويعطوه لعائلة أخرى جديدة، وماذا وجدتم عند زيارة الطفل؟
لم يعطونا أية إجابات أو تبريرات، فقط إذا أردتم رؤية الطفل توجهوا إلى ذلك العنوان، لم نكن نملك خياراً أخر ذهبنا وهالنا ما رأينا هناك، لقد كان المنزل عبارة عن ثكنة عسكرية، كان مُحاصراً بالشرطة والمشرفات الاجتماعيات منتشرات في أنحاء المنزل، وفوق كل ذلك كان ممنوعاً أن تصوِّر ولدك أو تلتقط صورة له معك أو مع والدته
لن أصف لكم حرارة اللِّقاء، رغم أنه من طرف واحد حيث أنَّ الطفل لا يدري ما يحدث ولا يعرف من نحن حتى، انتهت المدة المُحددة فغادرنا وتركنا أرواحنا هناك حول طفلنا الجميل.
9- ماذا كان دور المحامي في كل ذلك هل تقدمتم بشكوى، كيف تعاملتم مع القضية بعد ذلك؟
في صباح اليوم التالي رفعنا قضية ضدهم، فما كان منهم إلا أن ادعوا أننا أردنا خطف طفلنا إلى تونس، يا للعجب نخطف طفلنا إلى دولتنا، رغم منطقية الوضع غير أنه لم يحدث
أعلن القاضي أن البلدية اقترفت خطئاً فادحاً بسرقة طفلنا وإلحاقه بعائلة أخرى وأنَّ المحكمة لا ترى ضرورة لذلك، وفرِحنا جداً لقرار المحكمة غير أن الفرحة لم تكتمل، فأنا عربي أي أنَّه من حقهم التلاعب بقرار المحكمة وعدم تنفيذه ولديهم أساليبهم الخاصة. فقد عقدت جلسة أخبرونا خلالها أنهم سوف يعيدوا لنا الطفل بعد 3 أشهر، شرط أن نلتزم بالتعاون معهم، وافقنا على ذلك ومع ذلك لم يعد الطفل.
10- لم يُعيدوا الطفل رُغم الحكم القضائي بإعادته! كيف حصل ذلك، وماذا كان موقف القضاء من كل ذلك؟
إنها تصرفات لا تستند لأي قانون، حَصلت مجموعة مواقف جعلت الجريمة وأفراد العصابة يأخذون أشكالاً فعلية وحقيقية في مخيلتي، لقد كنت بالفعل داخل “فخ” وكانت تحاصرني عصابة على هيئة حكومة ومؤسسات، وستعرفون الآن كيف حصل ذلك.
لم ننجح باستعادة الطفل رغم قرار المحكمة، وفي عام 2014م جاءت الشرطة إلى منزلنا وأخبرونا أنَّ علينا مغادرة الدينمارك فوراً، هذه المرة كان الأمر موجها لي ولزوجتي الدينماركية، نفس الشرطي الذي أخبرني في عام 2012 أن عليَّ المغادرة وحدي فوراً، هو من أخبرني أنني وزوجتي علينا الرحيل فوراً.
لم أستطع تحمُّل الصدمة، كانت هذه المرة أكبر من طاقتي فأصبت بـ “فتق بالحجاب الحاجز” ما استدعى نقلي إلى المستشفى، تم علاجي ولكن مع تأكيد الطبيب أن ذلك بشكل استثنائي لأن اسمي غير موجود بالنظام لعدم حصولي على بطاقة “إقامة”.
بقيت في المستشفى مدة 10 أيام لكنني بعد أن خرجت وعدت إلى منزلي كان في انتظاري مفاجئة، رسالة في الشهر السابع من العام 2014م، فتحتها فإذا بها بطاقة إقامتي بتاريخ سبتمبر 2013 تاريخ الإصدار، أما تاريخ الانتهاء فكان عام 2015م.
وهذا يعني أنَّني مقيم بشكل رسمي وأن اسمي موجود بالنظام، وأن علاجي لم يتم بشكل استثنائي كما قيل لي، وكان ذلك كله جزءً من الخطة، حتى ضابط الشرطة الذي كان يلحُ علينا لنغادر الدينمارك لم يكن يفعل ذلك بشكلٍ رسمي وإنَّما كان متواطئاً ومتورطاً في عمليات خطف الأطفال من خلال السوسيال، وكانت مهمتهم أن يُرهبوني لأترك الدينمارك فوراً.
11- كيف كانت ثقتك بالمؤسسات الرسمية في الدينمارك بعد ذلك؟ وهل حاولت طلب المساعدة من سفارة بلادك؟ كيف تصرَّفت وماذا كان موقفها؟
لم يزدني ذلك إلَّا إصراراً على المواجهة، لم أهرب وأترك زوجتي وابني، كنت مستعداً لتحمُّل مسؤوليتي تجاه عائلتي بشكلٍ كامل.
هذا الصمود قوبل بالتهديد من قِبل الشرطة والسوسيال، بدأت ألاحظ أن بيتي يتم دخوله في غيابي فهناك نسخة من مفتاحه بمكتب التأجير، أشياء بسيطة لكنها مُلفتة للانتباه، مثل اختفاء علبة سجائري، أو يضعون لنا بطاطا مغروس بها سكين على طاولة الطعام كتهديد بالقتل، وفي أحد الأيام اختفت إقامتي ومعها تم إيقاف كل حقوق زوجتي أيضاً.
قررت أن أراسل السفارة التونسية، فأرسلت لها كل ما حدث ونسخة من كل تقرير وقرارات المحكمة ورسائل الشرطة، فما كان من السفارة التونسية التي أرادت تبرئة ساحتها إلَّا أن كتبت تقريراً فحواه أن زوجتي لا تصلح لرعاية الطفل لأنها تُعاقر الخمر واتهموها أيضاً بالجنون، ولذلك تم سحب الطفل!
كان هذا التقرير الذي كتبته السفارة بمثابة مُسكِّن ليريح ضمير كل العاملين فيها ومن هنا تأكد لي أن بعضاً من العاملين بالسفارة هم جزء من العصابة وكما خذلت الكثيرين، خذلتنا نحن أيضاً.
12- هل كانت زوجتك تعاني فعلاً من الجنون، أو أي أمراض نفسية؟
كانت زوجتي تتابع مع الطبيبة الخاصة في المستشفى ففوجئت بأن الطبية تعرض عليها أن تتناول حبوب منع الحمل وكتبت في “الجورنال” أنها ترشح زوجتي لتناول حبوب منع الحمل أو أن تقوم بإجراء عملية لاستئصال الرحم حتى لا تُنجب من عربي!
والجورنال لمن لا يعرفه هو “سِجل” فيه معلومات عن الشخص من ميلاده وحتى وفاته يحصرون فيه حتى عدد أنفاسه، كل بيانات الفرد مكتوبة فيه وهذا السجل بين المستشفى والبلدية وكل مؤسسات الدولة.
قرأت تقرير هذه الطبيبة وما كتبته عن زوجتي، لم تذكر فيه أبداً أنها مجنونة، كل ما في الأمر أنها وصفت لها دواءً مضاداً للاكتئاب الذي تسببوا فيه نتيجة اختطاف الطفل.
13- وسط كل تلك الظروف، هل تابعت في مواجهة السوسيال وماذا حدث بعد ذلك؟
عندما أردت المواجهة كان عليَّ أن أبدأ في تعلُّم لغة القوم حتى أستطيع فهم ما يكتبونه ويقولونه بالمحكمة خاصة بعدما عرفت أن المترجم يعمل لصالح تلك العصابة أيضاً، أنت تقول شيء والمترجم يترجم شيئاً آخر وأنت تسمع كلامك مُحرَّفاً ولا تعرف أنه تم التلاعب به، لذلك قررتُ أن أتعلم اللغة.
ذهبت للمدرسة ففوجئت أن المعلمين بها لا يمتون للبشر بشيء مُجرَّد حفنة من قساة القلب، العنصريين جداً الذين لا يريدونك جزءاً من المجتمع، غير أن “ذاكر سليمي” له وضع خاص، هم لا يرغبون أن أتعلم لغة البلاد حتى أبقى دائماً بحاجة إلى المترجم، ومن هنا بدأ نظام التعجيز بين إصرارهم على يأسي وانقطاعي عن المدرسة، وإصراري على الاستمرار والمواصلة، كنا في سباق مع الوقت وفي صراع خفي بين بعضنا البعض، فأغلقوا باب المدرسة في وجهي، كانوا يعملون على أن يأتي الانصراف عنها مني لكني لم أعطهم تلك الفرصة.
ومع ذلك تم منعي من الدخول، طرقت الباب بقوة ولا مجيب رغم أن الفصل منعقد في الداخل، فكَّرت أن أنتظر حتى يخرجوا في نهاية الوقت غير أن سيارة وقفت أمامي وسألني سائقها، أنت من تونس؟ قالها بلهجتنا العربية المحببة، ابتسمت فرحاً فهذا أول عربي أتحدث معه من 2012م، فأجبته: نعم.
قال: أنا أيضاً من تونس ودعاني للصعود إلى السيارة، فوافقت وأنا مسرور للغاية فعدد التونسيين في “البورك” قليل جداً فقط 4 من الأشخاص.
ورغم فرحتى به إلا أنني كُنت حذِراً منه خاصة عندما وجدتُه يعرف عني بعض المعلومات وأنا لم أشارك تفاصيل حياتي مع أي مخلوق غير زوجتي.
مررنا بمبنى معروض للإيجار فوجدته يقترح عليّ أن أكتب طلباً لتأجير منزل باسمي، فقلت له أنا أقيم مع زوجتي.
قال: حتى أذا طردتك زوجتك وجدت سكناً آخر، ثم تابع حديثه وسط ذهولي من أسلوبه، ما رأيك أن تنسى ما حدث، صدقني أنت وقعت في بئر لن تخرج منه إلَّا إذا رميت كل ذلك وراء ظهرك وبدأت من جديد وسعيت للحصول على عمل
سألته: من يقبل أن يوظفني.
قال لي: صديق لي من لبنان يملك محلاً للبيتزا ما رأيك أن تعمل معه؟
قلت: لا أعرف شيئاً عن صنع البيتزا فأنا سباك.
قال: سيعلمك.
ذهبتُ فعلاً وقابلت مدير المكان الذي قال: إذا أردت أي مال ما عليك إلَّا أن تفتح “الدرج” وتأخذ ما تريده وعندها نخصمه من الراتب.
فأجبته إذا احتجت لشيء سأخبرك
أجاب لا داعي لإخباري خذ ما تشاء دون الرجوع إلي
بعدها لم آخذ شيء وفي المقابل أعمل بجد حتى أنه جاء يوم وتحدَّث بشكل غاضب: لماذا لم تأخذ مالاً
أجبته: لا أحتاج.
قال: أنت تذهب لزيارة ابنك في مكان بعيد وتحتاج لأموال.
صَمَتُّ، وبدأت أفكر وأُفتش في غرفة المكتب فوجدت أنها مليئة بكاميرات المراقبة، المكان كله مراقب وليس المكتب فقط، يعدون علينا أنفاسنا بعد عدة أيام قام مدير المكان بطردي من العمل
أدركت حينها أنهم وظفوني ليقوموا بتصويري وأنا آخذ المال فيتهموني بالسرقة وكان صديقي التونسي جزءاً من العصابة أو عميلاً لهم أيضاً.
14- كانت زياراتكم للطفل مستمرة خلال تلك الفترة، إلَّا أنكم اضطررتم للسفر كيف حدث ذلك؟
كنا نتردد على طفلنا ونقوم بزيارته لمدة ساعة كل ثلاث أسابيع وأثناء هذه الزيارة، كان يبكي الطفل بشكلٍ متكرر وكان ذلك طبيعياً جداً فهو لا يعرفنا للأسف، وقد استمر ذلك حتى وضعت الدنمارك قانوناً عنصرياً يُفيد بأن أي مواطن يتزوج من أجنبي يُخصم نصف راتبه الذي تمنحه إياه الدولة.
كنا نستأجر منزلاً أدفع فيه راتبي كاملاً من الدولة، ونعيش براتب زوجتي طوال الشهر، فلما صدر هذا القانون كان حتماً علينا مغادرة الشقة التي كان سعرها يوازي راتبينا معاً، ومع المراقبة الدائمة لي فقد حُرمت العمل حيث أنه غير مسموح لنا بالعمل كما سبق وذكرت لكم.
كانت تلك القَشَّة التي قصمت ظهر البعير، انهارت قواي جميعها مرة واحدة وانفجر جدار المعدة، واجهتُ الموت عِدَّة مرات ورفض الأطباء مساعدتنا، قمنا ببيع ممتلكاتنا القليلة جداً وبعضاً من ملابسنا حتى استطعنا شراء تذكرتي سفر إلى تونس وغادرنا حيث كان لا بد لي من تلقي العلاج اللازم.
تلقيت بعضاً من العلاج واستعدت جزءاً من عافيتي، وبعد قرابة ستة أشهر عُدنا مرة أخرى إلى الدنمارك، وقمنا بالتنسيق مع بلدية أخرى حيث وفّرت لنا غرفة طلبة ضيقة، وقالت أنَّ هذا كل ما نستطيع منحكم إياه، حاولنا كثيراً التواصل مع البلدية من أجل السكن ومن أجل طفلنا لكن لا أحد يسمعنا، تعرَّضتُ لانتكاسة صحية وداهمني المرض والإعياء الشديد مما دفعني للعودة مرة أخرى إلى تونس، وهذا بالتحديد ما كانوا يرغبون فيه منذ بداية 2013م، أن أسافر وحدي واترك عائلتي هناك.
15- سافرتَ وحدك إلى تونس، كيف استغلت السوسيال ذلك وماذا حدث لزوجتك وطفلك؟
ظللتُ طريح الفراش لمدة أربعة أشهر، خلال هذه الفترة قامت مصلحة الهجرة والبلدية، اللتان أتهمُهما بالتواطؤ مع السوسيال بتعيين محامٍ عني، وتم تحديد موعد جلسة محكمة بدون علمي، والمحامي الذي كان يتكلم بلساني لم يكن على علم بما حدث وليس لديه إلمام بالقضية،
عُقدت المحكمة وأنا في تونس وتمَّ الحُكم بمنعي من حضانة ابني أو مكالمته هاتفياً، وتم منح حضانة شكلية للأم، أي أنها في نظر القانون هي حاضنة الطفل رغم أنها نفس المحكمة التي اتهمت زوجتي في 2013 بالجنون وعدم صالحيتها وجهوزيتها لاحتضان الطفل!
وعادت لتنقل التُهمة من زوجتي إليَّ أنا، أصبحتُ بنظر المحكمة أنا المجنون، الذي يجب أن يُعاقب ويُحرم من حضانة ابنه وبقية ما حدث معي حدث مع جميع الأسر تقريباً فكل من قابلتُ منهم والتقيت بهم وجدتهم يشاركوني بعض التفاصيل.
16- ما هو الوضع الذي تعيشونه الآن وكيف هي علاقتك بزوجتك وطفلك؟
لقد قامت السوسيال بالتفريق بيني وبين زوجتي بالافتراء والكذب، وأقنعوا زوجتي أنني قد عدتُ لبلدي وتزوجت وأنجبت وتخليت عنها فصدقتهم وقاطعتني من عام 2020م، حتى بداية عام 2022م، عندما انتبهت لحيلتهم وكشفتها فاتصلت بي وبكت بكاءً شديداً
كنا خلال هذه الفترة مُنقطعين عن الكلام لكن لم نتطلق قانونياً، لذلك فقد قدَّمت طلباً جديداً للمِّ الشمل سيتم البت فيه خلال أشهر قليلة حتى يمكنني اللحاق بها مرة أخرى ومواصلة النضال من أجل طفلنا.
17- ختاماً لدينا بعض الأسئلة التي وصلتنا من قراء “نجوم مصرية” حيث يقول البعض أنَّ السوسيال لا تأخذ إلا أطفال الأُسر المُفكَّكة ومدمني المخدرات وغيرها فما تعليقك؟
هذا ما سمعتُه أيضاً من أقرب الناس إليَّ هنا في بلدي حيث قالوا كيف ذلك وهي بلاد التطور والحرية، فأجبتهم أني كنت كذلك مِثلهم حتى رأيت بنفسي وسألتهم سؤال: هل أنا مجنون؟ أو زوجتي؟ هل أحدنا مدمن للمخدرات؟
وكانت كل الأجوبة لا لا
سألتهم هل طلَّقت زوجتي أو طلَّقتني زوجتي؟ فهم يوثقون في أوراقهم أننا مختلفين على حضانة الطفل
كانت الأجوبة أيضاً “لا”.
18- لماذا أنت مُصرٌّ على العودة مرة أخرى، لماذا لا تبقى في تونس تتزوج وتنجب وتنسى ما مضى؟
هذا ما يتمنَّوه لكن لن أترك لهم ابني، ودعيني أُعلمك أمراً أن الأسرة التي يعيش عندها طفلي، عندها 3 أطفال بيولوجيين و3 أطفال بالتبني وهؤلاء الثلاثة هم ما يُنفق على العائلة، فالأب والأم ينفقون من موارد هؤلاء الثلاثة التي تصرفها لهم البلدية.
إنهم يتاجرون بأبنائنا لقد أرسلتُ رسالة نصية لمصلحة الهجرة وسأرفق لكم صورة منها أتهِمها أنها تتاجر بأعضاء الأطفال وتستخدمهم للتجارب الطبية ولأغراض أخرى كتجارة المخدرات والدعارة.
19- لماذا أرسلت لها ذلك؟
لأنني قرأتُ تقريراً مُترجماً يفضح عصابة السوسيال وتوغُّلها وتورط العديد معها وكيف أنهم يستغلون الأطفال لكل الأغراض المشروعة وغير المشروعة، لذلك سأعود، سأقاتل حتى أسترد طفلي.
المواطن التونسي الأستاذ ذاكر السليمي، شُكراً لك.
أمل صلاح
مُلاحظة: تبقى صحَّة الوثائق والمعلومات المُقدَّمة في هذا الحوار على مسؤولية الأستاذ ذاكر السليمي شخصياً.