قام النحاس باشا بالأتفاق مع الانجليز في عهد فؤاد بعمل معاهده في لندن عام 1936و تشمل المعاهده “أن يتم أنتقال القوات الانجليزيه المنتشره في معظم بلاد مصر إلى القناة حيث ثكنات تقيمها مصر على نفقتها الخاصه، بحيث لا يزيد عدد القوات عن 10 ألاف جندى و400 طيار، كما شملة المعاهده أمكانية مراجعة الشروط بعد عشرون عاماً.
و من نتائج هذه المعاهده الاتى: فتح الكليات الحربية لدفعات جديده والسماح لطبقة الوسطى لدخول الكلية، فنت عنها دخول “جمال عبدالناصر والسادات وعبد الحكيم عامر”الكلية الحربية.
قامت الحرب العالمية الثانية وأصبح للإنجليز مركزا أقوى وتأجل تنفيذ بنود المعاهدة في الوقت الذي وضعت فيه مصر إمكانياتها في خدمة القوات البريطانية وتحملت الغارات الألمانية على الإسكندرية بالذات مما أدى إلى هروب الذين تعودوا الاصطياف في الإسكندرية واشتهار رأس البر التي أصبح يقصدها أغنياء المجتمع.
ورغم الإيجابيات التي جاءت في معاهدة 36 إلا أنها لم تحقق الاستقلال المطلوب كما جعلت السودان مستعمرة بريطانية يسيطر عليها الإنجليز. ولذلك كان من أهداف النحاس باشا خاصة بعد أن دخل في معركة مع المعارضة نتيجة عريضتها التي وجهتها إلى الملك لكن فاروق حولها للتصرف إلى مصطفي النحاس (انظر الحلقة السابقة) فلقد كان ضروريا أن يقوم النحاس بعمل يخفف فيه رد فعل الشعب الذي لم يرض عن انحياز النحاس والوفد بصورة كبيرة إلى جانب فاروق. وقد رأى النحاس في تغيير معاهدة 36 عملا ضروريا خاصة أنه اعتبر نفسه مسؤولا عن المعاهدة التي وقعها في ظروف لم تكن تسمح بأكثر من ذلك. ولكن وبعد أن تغيرت الظروف أصبح ضروريا تعديلها ومفاوضة الإنجليز على هذا التعديل، إلا أن الجانب الإنجليزى ظل متشددا يرفض مناقشة أى تعديل.
كانت ظروف الحرب العالمية قد غيرت موازين القوى العالمية وجعلت الاتحاد السوفيتى على قمة المعسكر الشرقى الشيوعى، وفي الجانب الغربى أصبح على قمة هذا الجانب الولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت من الحرب الدولة الأقوى التي لم تتضرر وقدمت العون للحلفاء. وكان من نتيجة هذا التطور أن أنهت الولايات المتحدة سياسة العزلة التي كانت تلتزم بها، وقررت أن يكون لها ولأول مرة دور في الشرق الأوسط كان هدفه احتواء المنطقة لضمان عدم وقوعه في الشيوعية السوفيتية. وكان أن قامت أمريكا مع بريطانيا وفرنسا وتركيا بإعداد ما أطلقت عليه «مشروع معاهدة الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط» ليضم دول المنطقة وعلى رأسها مصر في تحالف يرعاه الغرب بقيادة أمريكا. ولست هنا في مجال الحديث مطولا عن هذا المشروع الذي كان ولابد أن يرفضه أى وطنى يجده في حقيقته كمينا يستدرج دول الشرق الأوسط من سيطرة بريطانية فرنسية بدأت عام 1916 مع اتفاقية سايكس بيكو التي توزع التركة العثمانية بين البلدين، إلى سيطرة أمريكية.
ووصل إغراء أمريكا لمصر إلى درجة أن عرضت على «على محمد صلاح الدين» وزير خارجية الوفد قيام الحكومة الأمريكية بمساعدة مصر في إلغاء معاهدة 1936، في مقابل انضمام مصر لمعاهدة الدفاع عن الشرق الأوسط وعلى أساس أن التطورات العالمية لا تسمح بوجود دولة مثل مصر بدون حماية دولية من الخطر الشيوعى.
هكذا فإن مصطفي النحاس وجد نفسه بين سندان معاهدة 36 ومطرقة معاهدة الدفاع المشترك، فكان أن قرر أن يفاجئ الجميع أمام تعنت بريطانيا، بإلغاء معاهدة 36 من جانب واحد. وخوفا من أن يقيل الملك فاروق وزارة الوفد إذا استمر مد الدورة البرلمانية إلى آخر أكتوبر بحيث يجرى بعد ذلك دعوتها إلى دورة جديدة في الأسبوع الثالث من نوفمبر كما يقضى الدستور، (كان صاحب هذا الرأى فؤاد سراج الدين) لذلك تم إعداد مراسيم إلغاء المعاهدة بمساعدة الدكتور وحيد رأفت مستشار وزارة الخارجية، لعرضها في اجتماع لمجلس الوزراء يعقد يوم 7 أكتوبر. وبعد موافقة مجلس الوزراء دعا النحاس باشا البرلمان لاجتماع عاجل في اليوم التإلى 8 أكتوبر. واستدعى النحاس حسن باشا يوسف رئيس الديوان الملكى بالنيابة في نفس اليوم لأمر مهم وعاجل، وسلمه مراسيم الإلغاء طالبا منه إبلاغ الملك أنه إذا لم يتلق حتى موعد اجتماع البرلمان خبر توقيع الملك على هذه المراسيم فإنه سيعلن في بيانه أمام البرلمان أنه أرسلها إلى القصر، وأنه في انتظار تفضل جلالته بتوقيعها بين لحظة وأخرى. ولكن لم يمض وقت طويل حتى تلقى النحاس اتصالا تليفونيا من حسن يوسف يبلغه أن الملك وقع المراسيم «وعلى بركة الله».
وفي مساء يوم 8 أكتوبر أعلن النحاس باشا عبارته التاريخية: من أجل مصر وقعت معاهد 36، ومن أجل مصر أعلن اليوم إلغاءها. وأحدث القرار دويا خارج وداخل مصر، فحسب القرار أصبحت القوات البريطانية الموجودة في منطقة قناة السويس قوات احتلال غير مشروعة يجب مقاومتها وهو ما حدث بالفعل وكان بداية الطريق إلى غروب شمس الملكية عن مصر في 26 يناير بعد عشرة شهور.
