13 ألف قتيل على الأقل، هم ضحايا حرب السودان، التي بدأت منذ 10 شهور، ولم يزل يستعر أوارها، دون بارقة أمل في أن يلتفت العالم إلى تلك الحرب، لوضع حد لها، وإنقاذ ما تبقّى من دولة السودان.
في سنة 1899 دخل الجنرال هربرت كتشنر إلى السودان (تحت الحكم المصري) بعد دحره لجيش المهديين، بقيادة عبدالله التعايشي، ورفع العلم البريطاني إلى جانب العلم المصري، بناءًا على إتفاقية الحكم الثنائي المصري البريطاني للسودان، والتي ظلت سارية إلى أن أنهاها النحاس باشا، في عهد الملك فاروق، الذي إنفرد بحكم السودان سنة 1951
وكانت قوة عسكرية قد تأسست في السودان تحت الحكم البريطاني، وإستغلتها بريطانيا في عدة حروب لها خارج الأراضي السودانية، إلى أن تأسس الجيش السوداني في سنة 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود، وذلك بعد إستقلال السودان عن مصر.
ومنذ ذلك التاريخ، والسودان واقع تحت حكم العسكريين، يتداولون الحكم بينهم بإنقلاب إثر إنقلاب، بالتسلسل الزمني الآتي:
- 1958 إستيلاء الفريق إبراهيم عبود، على الحكم.
- 1969 إستيلاء جعفر نميري، على الحكم.
- 1985 إستيلاء عبد الرحمن سوار الذهب، على الحكم.
- 1989 إستيلاء عمر البشير، على الحكم.
- 2019 إستيلاء الفريق أحمد عوض بن عوف، على الحكم.
وكان النشاط الأبرز للجيش السوداني منذ إنشاءه، هو حرب “الأنيانيا” التي نشبت بين سكان الجنوب المسيحيين، ذوي العرق الإستوائي، والشماليين المسلمين، والذين ينتمي إليهم كل القيادات العسكرية صانعة الإنقلابات.
دارت حرب الأنيانيا (وتعني: سم الثعبان) منذ 1958 ـــ 2005 على عدة موجات، وراح ضحية تلك الحرب 1.9 مليون قتيل، وتُعد أشرس حرب من حيث عدد الضحايا، بعد الحرب العالمية الثانية، وإنتهت بتوقيع إتفاقية “نيفاشا” للسلام بين عمر البشير وجون قرنق، وبموجبها إستقل جنوب السودان عن شماله، في سنة 2011
وفي 2019 أعلن الفريق أحمد عوض بن عوف (نائب رئيس الجمهورية ـــ وزير الدفاع) عزل عمر البشير عن رئاسة السودان، وتولي الجيش السوداني إدارة شئون البلاد، إلا أن إحتجاجات تصاعدت في البلاد، متهمةً إبن عوف، بأنه من بقايا نظام البشير، وأنه غير مؤتمن على إدارة المرحلة الإنتقالية.
فتنحّى إبن عوف، وسلم مقاليد الحكم للمفتش العام للقوات المسلحة السودانية: الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي شكّل ما سُمي بمجلس السيادة السوداني، وأشرك معه فيه (نائبًا له) محمد حمدان دقلو ـــ قائد ميليشيات الدعم السريع (الجنجويد سابقًا)
أُنشئت قوات الدعم السريع في سنة 2010 بقيادة دقلو، لمواجهة تمرد القبائل غير العربية التي تقطن منطقة غرب السودان (دارفور) وارتكبت تلك القوات جرائم إبادة جماعية، وسرقة وإغتصاب وخلافه، لولا الدعم غير المحدود الذي لاقته من الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير، وقيامه بتقنين عملها في سنة 2013 بل وأطلق على حميدتي، لقب “حمايتي”
لم يقتصر عمل قوات الدعم السريع خلال الفترة من 2010 ـــ 2019 على قمع التمرد في دارفور، بل تمدد نشاطها إلى أعمال النقل وتأجير السيارات وصناعة الحديد والصلب، وتنقيب الذهب من جبل عامر، الذي مثّل ذهبه في وقت من الأوقات 40% من إجمالي صادرات السودان، وأصبح حميدتي في قلب شبكة من الصفقات السيادية، على أعلى مستوى في السودان، بل ومن أثرَى أثرياءها.
إستمر نشاط حميدتي الإقتصادي، بالتوازي مع نشاطه السياسي، كنائب لحاكم البلاد، فقويت شوكتاه الإقتصادية والسياسية، إلى أن إستوجبت التطورات السياسية في سودان مابعد البشير، إلى ضرورة ضم قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة السودانية، وهنا إنفجر الخلاف بين حميدتي والبرهان، وبدأت حرب السودان.. الجديدة.
فيما قبل نشوب حرب السودان، كانت للمشاركة الفعالة لقوات الدعم السريع (كمرتزقة) في الحرب اليمنية، لصالح الإمارات، أن أنتجت علاقات قوية لحميدتي بساسة الإمارات، الذين إستعانوا به أيضًا لمساندة خليفة حفتر في ليبيا، إبان صراعه مع الحكومة المعترف بها دوليًا في غرب ليبيا، مما وَضَعَ حميدتي على خارطة النفوذ في قلب العالم العربي ــ المتصارع مع نفسه.
بدأ حميدتي حرب السودان، بالتمرد على القوات المسلحة في أبريل 2023 بمهاجمة بعض معسكرات للجيش السوداني، وأسر مجموعة من العسكريين المصريين، كانوا موجودين “بالصدفة” في إحدى المطارات العسكرية بالخرطوم، لإجراء مناورات وتدريبات مشتركة مع الجيش السوداني، ودارت رُحَى الحرب الأهلية من جديد في السودان.. المُبتَلَى.
حسب تقديرات الأمم المتحدة في نهاية يناير 2024، وبعد مرور 10 أشهر من حرب السودان، بَلَغَ عدد الضحايا أكثر من 13 ألف قتيل، و26 ألف جريح، أكثر من 8 مليون نازح، منهم ما لا يقل عن 1.5 مليون نزحوا إلى دول جوار السودان (مصر وليبيا وتشاد) ناهيك طبعًا عن الأضرار الإقتصادية والإجتماعية التي سببتها حرب السودان.
ويتمتع السودان بثروات طبيعية هائلة، فالبلد الذي كانت مساحته قبل إنفصال الجنوب عنه، تبلغ 2.5 مليون كيلومتر مربع، وتقلصت إلى 1.87 مليون كيلومتر مربع بعد إنفصال الجنوب، وتحده دولتان عربيتان (مصر وليبيا) + خمس دول أفريقية، ويضم قرابة 46 مليون نسمة وفق إحصاء 2022
يمتلك السودان وفرة كبيرة من الماء، ففضلًا عن نهر النيل الذي يجري بطول 1700 كيلومتر في الأراضي السودانية، تجري أيضًا روافده: النيل الأبيض والنيل الأزرق وعطبرة وستيت والدندر وبحر سلام والرهد، بخلاف الأودية والخيران والبحيرات الطبيعية والصناعية.
- بخلاف 400 مليار متر مكعب/سنوياً، من مياه الأمطار.
- وتبلغ مساحة الغابات والمراعي الطبيعية في السودان حوالي 28% من إجمالي مساحته.
- 115 مليون فدان من المراعي الطبيعية.
- 200 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، المزروع منها حالياً 64 مليون فدان فقط!
- ثروة حيوانية بحجم 110 مليون رأس ماشية.
- 42 ألف طن/سنة، إنتاج السودان من الأسماك.
- وينتج السودان 93 طن ذهب/سنويًا، ويمتلك احتياطي يقدر بـ 1550 طن.
- بخلاف إحتياطي من الفضة يقدر بـ 1500 طن.
- و5 مليون طن من النحاس.
- و 1.4 مليون طن من اليورانيوم.
- وينتج السودان 80% من الإنتاج العالمي من الصمغ، الذي يدخل في 180 صناعة مختلفة.
ومن غير المفهوم، سكوت العالم على حرب السودان، برغم فداحة خسائرها، وتدهور أحوال الشعب السوداني جراء أحداثها، وعدم وجود ثمة مساعي أو مبادرات، لا دولية ولا إقليمية، لإخمادها، خاصة في ظل تكافؤ قوة الطرفين المتحاربين، بما يشي بأن حرب السودان، يُراد لها أن تمتد.