على الرغم من أنه مات صغيراً، إلا انه عاش في وجدان الكثير من الجمهور، فهو ولد على أرض مصر وعاش بها ومات ودفن في ترابها، فالكل حينما يسمع صوته يحس انه ليس غريباً عنه، إنه الفنان والمطرب محمد فوزى، والذى ولد في إحدى القرى التابعة لمحافظة الغربية عام 1918، وكان منذ طفولته يحب التمرد، حيث أن كل ما يحيط به في الصغر لا يساعده على تحقيق حلمه بالغناء والشهرة في المحروسة، إلا أن محمد لم يستسلم وظل يسعى وراء حلمه، حتى أتت له الفرصة وإلتحق بكازينو بديعة، والذى كان بمثابة البوابة التى دخل منها إلى عالم الشهرة والمجد.
لم يكن مشواره الفنى مليئ بالورود، ولكن كان هناك الكثير من الصعاب والعقبات، والتى ظلت تواجهه في شبابه حتى أنه أصر على تحقيق حلمه والسعى وراء هدفه، وقد ساعده صوته المرح والقريب من القلب إلى نجاحه وتربعه على عرش الغناء في ذلك الوقت.
قدم فوزى 36 فيلماً سينمائياً، ليصبح أكثر المطربين الذىن قاموا ببطولة الأفلام، وتفوق على المطرب فريد الأطرش والذى قام ببطولة 33 فيلماً، وذات مرة قال الراحل كمال الطويل للناقد المعروف طارق الشناوى، بأن محمد فوزى أعلم محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال، بأن كمال الطويل شاباً موهوب وحدد معاد ليتقابلا، وبعد أن قام كمال بتقديم لحن “على قد الشوق” في حضور عبد الوهاب وفوزى، أبدى عبدالوهاب رأيه باللحن وقال “يعنى”.
وعقب تعليق عبدالوهاب أُصيب كمال بالإحباط، وترك المكان برفقة محمد فوزى، وقال وقتها أنه سوف يعدل من اللحن، ولكن محمد فوزى قال له لا وأكد له أن اللحن هيكسر الدنيا، وكان موقف فوزى من المواهب الشابة على العكس تماماً من محمد عبدالوهاب.
وظل حلم الفنان في أن يقدم لحن لـ لأُم كلثوم، والذى لم يتحقق على الرغم من إقترابه منه، إلا أنه أثناء وجوده مع بليغ حمدى في منزل محمد، قام بقرأة كلمات أُغنية “أنساك”، وبدأ الفنان في تلحين الأُغنية، ليفاجئ ببليغ يطلب رأية في مطلع الأُغنية الت قام بتلحينها وهو في بيته، فقام فوزى على الفور وكلم كوكب الشرق وقال لها أن بليغ لحنها أحسن منه، على حسب تصريحات المطرب محمد الحلو في برنامج “صاحب السعادة”، وأكد بيلغ حمدى نفس الكلام.
كل هذه التصرفات من تساهل وتسامح لا تخرج إلا من فنان حقيقى، والذى يعلم جيداً أن موهبة أى شخص أخر مهما كانت فلن تغير في كون انه واحداً من أهم الفنانين في تاريخ الفن المصرى، وكان الفنان متأكد أن إتاحة الفرصة لغيره لن تبعده أبداً عن القمة طالما أنه موهوب، ولا يمكن أن ننسى أن فوزى هو من قام بتزكية بليغ عند كوكب الشرق وقال عنه:ـ “هناك ملحن موهوب بالفطرة الكل هسمع غناه لـ 100 سنه جايه”.
كما أن للفنان موقف يدل على أنه متسامح، حيث أنه ترك الفنانة فايزة أحمد تغنى في فيلم أنتجه لملحنين غيره، حتى أن أغانى التتر كان من الممكن أن تكون لأخرين، وهذا من الصعب أن يحدث في أفلام من بطولة أو إنتاج فريد الأطرش أو عبدالوهاب.
وقد إصطدم الفنان بالرقابة والتى كان يرأُسها في ذلك الوقت الكاتب نجيب محفوظ، بعد أن قام أحد الأعضاء بمنع أُغنية “يا مصطفى” إعتقاداً منه أن فوزى يقصد مصطفى باشا النحاس، ولكن نجيب وافق عليها، لتنجح الأُغنية وتصبح من أهم ما قدمه الفنان.
وقد رحل محمد فوزى عن عالمنا في 20 من شهر أُكتوبر لعام 1966، بعد أن أثرى مكتبة الفن بما قدمه، وبقيت أغانيه خالدة حتى وقتنا هذا.