تكلمنا في المقالة السابقة عن النجاح الساحق للخطة الهجومية المصرية “المآذن العالية” وأنها استطاعت تحقيق جميع أهدافها بأقل الخسائر، وأشارنا إلى أن الالتزام بتنفيذ كل تفاصيل الخطة كان اهم أسباب نجاحها، فقد كانت المؤشرات طوال 7 أيام عمليات وبالتحديد من 6 أكتوبر وحتى 12 أكتوبر تشير إلى تفوق مصري غير مسبوق على كافة الأصعدة، إلا أن ما حدث بداية من يوم 14 أكتوبر، وبعد نقاش واجتماعات في غاية الأهمية بين القيادة العليا للقوات المسلحة والقيادة السياسية متمثلة في الرئيس الراحل “محمد أنور السادات”، أدى إلى اتخاذ أول القرارات الخاطئة وهو قرار تطوير الهجوم.
تطوير الهجوم
كانت الخطة الموضوعة بناء على الإمكانيات والظروف المحيطة، هي العبور، ثم تدمير خط بارليف، والتعامل مع نقاط العدو القوية شرق القناة وتدميرها، ثم السيطرة على من 10 حتى 12 كم شرق القناة، وتكوين تشكيلات دفاعية، وصد الهجوم المضاد للعدو المتوقع، ثم عمل وقفة تعبوية للقوات، لم تحدد الخطة مدة الوقفة التعبوية، وأنما اعتبرت ضمنيا الفترة اللازمة لاستكمال الخسائر من الأفراد والأسلحة والمعدات، ودراسة الوضع الحالي على الأرض لتقدير وضع قواتنا بالمقارنة بقوات العدو سواء من أعداد القوات على الجانبين أو الغطاء الجوى الهجومي أو الدفاعي للجانبين، لتحديد جدوى تطوير الهجوم من عدمه، وللأسف هذا لم يحدث.
أخطاء الكبار تكلف الكثير
في صباح يوم 12 أكتوبر فوجئ كبار القادة بمركز القيادة والعمليات بطلب الرئيس “السادات” بضرورة تطوير الهجوم لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، التي كانت قد حققت نجاح كبير في هجومها الذي تزامن مع الهجوم المصري يوم السادس من أكتوبر، إلا أن الهجوم المضاد الإسرائيلي في الأيام التالية كان قويا ومركزا على الجبهة السورية لخطورة الجبهة السورية على العدو الإسرائيلي نظرا لقربها الشديد من قلب إسرائيل نفسها بعكس الجبهة المصرية التي تفصلها عن الحدود إسرائيلية شبه جزيرة سيناء بالكامل، الضربة المضادة إسرائيلية تسببت في تراجع القوات السورية بعد تكبدها خسائر كبيرة، كل هذا دفع “السادات” إلى التخلي عن ما تم الاتفاق عليه بالخطة والالتزام بالوقفة التعبوية لدراسة الموقف قبل أي تحرك، وطالب بتحريك تشكيلات من الدبابات لتطوير الهجوم نحو المضايق التي يحتلها العدو لتخفيف الوضع على الجبهة السورية.
اعتبر قادة الجيشين الثاني والثالث وكذلك رئيس أركان حرب القوات المسلحة طلب “السادات” بمثابة إلقاء هذه التشكيلات في معركة معروف نتائجها سلفا، وهى تدمير كامل لها في معركة غير محسوبة وغير متكافئة، فمن المعروف في العلوم العسكرية أن قوة الهجوم يجب أن تكون ضعف قوة الهجوم، بمعنى أنني حينما أهاجم 100 دبابة يجب أن أهاجمها بـ200 دبابة، فالمدافع دائما يكون في وضع أفضل من المهاجم، فهو من يختار الأرض ويؤمنها سواءا بالتحصينات الأرضية أو بالدفاعات الجوية، وهذا لم يكن متوافر لقواتنا أطلاقا، فالقوة المهاجمة تقريبا نصف قوة العدو، 400 دبابة تقريبا من قواتنا تهاجم 900 دبابة للعدو محصنة تحصينا جيد.
أجواء المعركة
القوانين والأعراف العسكرية في كل بلاد العالم تسمح بالنقاش والمشاورات قبل اتخاذ القرار، ولكن بعد اتخاذ القرار يجب على الجميع التنفيذ حتى وان كان القرار هو الانتحار، وهذا ما تم بالفعل، فبعد إصرار الرئيس “السادات” على قرارة بتطوير الهجوم، لم يستطع أي من القادة أثنائه عن قراره فهو القائد الأعلى وله القرار ألنهائي.
كما توقع أهل الاختصاص من القادة العسكريين كانت عملية التطوير عملية انتحارية غير مدروسة أدت إلى فقدان القوات المصرية في يوم واحد أكثر من 250 دبابة من القوات المهاجمة، بعد أن وقعت ضحية في فخ ألاكمنه الإسرائيلية التي أعدتها لمقابلة أي هجوم مصري، تعرضت القوات المصرية للضرب من الأرض والسماء بعد أن خرجت من مظلة الدفاع الجوى المصري فأصبحت صيدا سهلا للطيران الإسرائيلي، ولقد اعتبر هذا اليوم الحزين هو أسوء أيام حرب أكتوبر المجيدة، ولكن هذه هي طبائع الأمور فالحروب بالنتائج النهاية حتى وان خسرت معركة، ونتائج حرب أكتوبر عظيمة.
الدروس المستفادة من تطوير الهجوم
يمكن حصر الدروس المستفادة في عدة نقاط أهمها، الالتزام بالخطة مهما كانت النتائج، فبالرغم من وجاهة رأى الرئيس الراحل “السادات” فان تطوير الهجوم لم يؤثر على الجبهة السورية في شئ، ولم يخفف عنهم الهجوم بل بالعكس حملنا خسائر كان يمكن تجنبها.
وكذلك من الدروس المهمة الأخذ بآراء المتخصصين، حتى وان كان لك سلطة اتخاذ القرار منفردا، مصداقا لقوله تعإلى “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” صدق الله العظيم.
اقرأ ايضاً
المآذن العالية.. خطة حرب اكتوبر