بقلم – إبراهيم فايد
للمرة الألف ويزيد، نُعيدُ خلالها كَرَّةَ الحديث عن المناخ وتَغَيُّراته التي أصابت الأرض في مَقتَلٍ كاد يُزهِقُ روحها ويمزق أحشاءها وهي التي صمدت وصبرت وعاشت حِقَبًا عَديدَةً وعُصورا مَديدَةً مُذ ملايين السنين لم يُصِبْها مَخمُورٌ ولا مأجورٌ كما أصابها إنسان القرنَيْنِ العشرين والحادي والعشرين؛ بما يبُثُّه من ملايين أطنان السُّموم الصلبة والسائلة والغازية على مَدار الساعة والدقيقة فيما أسماه زورًا بـ«الثورات الصناعية»! والحقيقة وفي اعتقادي الدامغ أنها ليست بثورة بل انقلاب غاشم على سكون الطبيعة، وأرى الأوان قد فات على التوعية وشرح الأضرار وسرد سُبُل المعالَجة وتفنيد المُعَوِّقات والعراقيل، فنحن اليوم بِتنا في مَرمَى التصويب ولم يَعُد الوقت كافِيًا لإضاعة مزيد من الوقت، اللهم إلا التوقف العاجل والفوري عن (خَنْقِ) رِئَةِ الكوكب، فيا تُرَى متى نتحرك بِصِدق تلقاء الحل الناجع بعيدًا عن بريق الكاميرات والشاشات؟ أم ننتظر كارثة مُحَقَّقة تَحُومُ في الأُفُقِ عَمّا قريب؟!
لم يعد القلب يستوعب هكذا مَشاهِدَ نُزوحٍ وهرب من أثر الجفاف ومَواتِ التربة الزراعية وحرائق غابات تدمر الطقس والمناخ وتنشر الأمراض على بُعدِ مئات الكيلو مترات، ولا يكاد العقل يرى أو يتَسَمَّعُ البيانات الرسمية حول تَخَوُّفات غَرَقِ مُدُنٍ وسَواحِلَ إلا ويستشيط قلبي غَضَبًا وحُزنًا على أجيال قادمة سَتُعاني الأمَرَّيْن بل وربما لا تمتلك ثَرواتٍ ومَواردَ بَديلَةً تُسٍعِفُها حالَ نَفِدَت أو فَسَدَت أسباب الحياة مِن ماءٍ وهَواءٍ وغِذاء؟! ناهيكَ عن توالي الظواهر الطبيعية مَن زلازل وبراكين وتسونامي وغيرها قد لا نملك إنسابها مباشرةً لتجاوُزات البشر، لكن ألا نتَدَبَّرُ ونَعقِلُ هذا الكَمَّ من الأمراض الصدرية والجلدية وغيرها الناجمة عن تقبيح خلق الله وتغيير الطبيعة وتشويه الأرض بمَشروعاتٍ وصِناعاتٍ ضَرُّها أكبَرُ مِن نفعِها؟!
والآن وبعد أن وصلنا لنقطة اللاعودة؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا ينتظر قادة العالم؟ ولسنا هُنا بِصَدَدِ الحديث عن ندوات ومؤتمرات واجتماعات ومهرجانات…إلخ، فلقد سئمنا هكذا فعاليات منذ تسعينيات القرن الماضي دون جدوى على أرض الواقع، ثم ماذا بعد كل هذه الاتفاقيات والتي لا أُنكِرُ كَمّ إجراءات التحضير والمجهود الچَمّ المبذول من أجل ظهورها للنور في أعلى مستوى، كما ولست أهْلًا للجحود لِأَغُضَّ الطَّرفَ عن قائمة من اللوائح والقوانين الجادّة التي وقّعُوها وتحَمَّلوا المسؤولية التاريخية والإنسانية في الحفاظ على ما بقي من الأرض، لكن (على أرض الواقع) ما التغَيُّر الإيجابي الحاصل في هذه القضية اللهم إلا شعارات بَرّاقة وكلمات معسولة ليل نهار على الفضائيات والمِنَصّات الإخبارية؟!
على كُلٍّ، وبعد أن كِلْنا النَّقد أشكالًا وألوانًا للكيانات المسؤولة، فقد آنَ الأوانُ كذا لِنَقِفَ على حقيقة تَصَرُّفاتنا كَشُخوص ومواطنين ونتساءل: هل نحافظ نحن على البيئة مِن حولنا أَم نسهم في قطع شجرها وتجريف تُربَتِها وحَرقِ وَقُودِها بشكل عشوائي دون مراعاة لعوامل صحية ولا مناخية؟ ولا يستصغِرَنَّ أحدكم فِعلَتَهُ فوالله إن الفِعلَ ذاتَهُ إذ يمارَسُ على يَدِ ملايين مُمَلْيَنَةٍ فيصبح في مُجمَلِهِ جُرمًا أكبَرَ ووِزْرًا أعظَمَ في حَقِّ هذا الكوكب الطيب، ولعل الله أذاقنا بما كسبت أيدينا وَيْلاتِ المرض والجفاف ونقْصٍ في الماء والثمرات؛ فليُراجِع كُلٌّ مِنّا نفسَهُ فـ«إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» صدق الله العظيم.
#إبراهيم_فايد