- كتب | محمد هلال.
هب الشعب الأمريكي في يوم الثامن من نوفمبر بالعام 2016 لكي يختار سيدًا جديداً للبيت الأبيض وكان اختياره لتاجراً، فهذه المرة لم يقع اختيار الشعب الأمريكي على من تمرس في دروب السياسة أو حتى من هو أدرى بعلوم الحروب والصِراعات، فمُنذ الأب المؤسس الأول للولايات المتحدة ” جورج واشنطن ” والذي قاد أرض الأحلام الأمريكية من بين رُكام النِضال من أجل الإنفصال عن التاج البريطاني، إلى الرئيس السابق ” باراك أوباما ” عضو مجلس الشيوخ قبل أن يرتاد مقعد الرئاسة لأكبر دولة بالعالم، لم يقف الأمريكان يوماً في اختياراتهم حول قائدهم على تاريخه المالي كرجل أعمال إلا في حالة واحدة، هي وبلا شك ” دونالد ترامب ” ويبدو أن الشعب الأمريكي هذه المرة أراد أن يُغامر تحت وطأة المشاكل الاقتصادية التي عانت منها الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية العالمية بالعام 2008 مُتغاضياً عن أي شيء وكل شيء من الممكن أن يُؤخذ على ترامب، وحقاً لقد نجح ترامب أن يضرب في سويداء الرغبة المُلحة لدى المواطن الأمريكي لحاجته في تغيرٍ شامل في الحركة الديناميكية للاقتصاد الأمريكي، والتي أصابها العطب بشكلٍ كامل مُنذ بدايات إدارة الرئيس باراك أوباما، ولكن يظل التساؤل الهام هل نجح ترامب فيما أراده منه المواطن الأمريكي، ولو فعلها ترامب فكيف كان السبيل، وهل كان طريق ترامب عبر تحقيقه لهدفه بحل مشاكل أمريكا المالية والاقتصادية أمناً.. هنا نجد وبكل حسم وتأكيد أن ترامب ولأول مرة في التاريخ الأمريكي وضع الدولار من تحته البارود لا يلبث أن ينفجر وفي أي وقت.
فترامب وبمنتهى البساطة قام ببناء خِطته للخروج بالاقتصاد الأمريكي من كبواته المُتتالية، عبر الاستثمار في القوة العسكرية الأمريكية ولو بطريقٍ غير مُباشر، فالرجل يُدرك أن العالم ينظر إلى بلاده نظرة الهيبة بل والخوف، فمن لا يُدرك ولا يُقدر جيداً حجم القوة العسكرية للولايات المتحدة، ولعل البداية لنهج ترامب هذا، كان مع أقرب حُلفاء واشنطن ” دول الاتحاد الأوروبي ” والذي لوح ترامب وبشكلٍ مُباشر بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي ” الناتو ” أن لم يتم إعادة صياغة ما تنفقه دول الحلف بشكلٍ عادل مع واشنطن، وهنا استخدم ترامب ولأول مرة منذ التحالف الأوروبي الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية.. ورقة التخويف بترك القارة العجوز وحيدة تواجه الدب الروسي الصاعد والمتأهب على حدودها الشرقية.
ولعل ترامب حصل جُزئياً على ما أراده من أوروبا في شكل إعادة صياغة كافة اتفاقيات التجارة بين بلادة ودول القارة الحليفة، لكن كان طموح ترامب ورغبته الشرهة كرجل أعمال أكبر بكثير من مُجرد القارة الأوروبية، فأعين الرجل على الصين، ذاك التنين المُخيف وبكل حق لسُلطة وسيادة واشنطن العسكرية والاقتصادية، وترامب يُدرك كم أن بكين قوية عسكرياً، والصين تُدرك أيضاً كم أن واشنطن أكثر قوة وسطوة في المجال العسكري، وظل الأمر بين الجبهتين وكأن البارود بينهم يرقص رقصة الموت، حتى كشر ترامب عن أخر أوراقه القوية الناعمة ألا وهى ورقة العلاقات التُجارية بين الصين وأمريكا، وهنا وقعت الواقعة، واشتعلت الحرب التجارية عالمياً بين أكبر اقتصاديين بالعالم، فمن واشنطن فُرضت رسومً مُبالغ فيها على الواردات الصينية، ومن بكين ردٌ مُقابل برسومٍ مُقابله على الواردات الأمريكية، وظل هذا وذاك تتأرجح أعينهم على الميزان التجاري لكل منهما مع الأخر.
انها الحرب التجارية العالمية، التي قادها وبكل شراسة ودون تردد رجل الأعمال والعقارات والمال الأشهر بالولايات المتحدة دونالد ترامب، وبلا شك نجح الرجل فيما سعى إليه، ولعل مؤشرات التوظيف الأمريكية وانخفاض مُعدلات البِطالة بالعام 2018 داخل الولايات المتحدة، تؤكد هذا بشكلٍ جلي، ولكن هل سينجو الشعب الأمريكي باختياره هذا الذي لا ينقصه الكثير والكثير من المُغامرة في شخص رئيس لم يُمارس يوماً السياسية.
حقاً أن نسبة النجاة ضئيلة، فترامب الذي استخدم الترهيب بالقوة الأمريكية، لكي يُلاعب العالم بالدولار فتقع فنزويلا صاحبة الإحتياطى الضخم من النِفط والذهب أسيرة لأزمة اقتصادية كُبرى شردت شعبها على حدود الدول اللاتينية المُجاورة بسبب ما فرضه عليها ترامب من عقوباتٍ اقتصادية، إلى حُلفاءه كندا والدول الأوروبية اللَّاتي وقعن في دائرة انخفاض مُعدلات النمو تحت تأثير مُشاكسات ترامب، حتى العدوين الدوديين روسيا والصين الآئى يفقدن مكاسب السنوات الفائتة من وصول ترامب إلى السلطة بسبب سياساتٍ أشبه إن لم تكن حرب اقتصادية مباشرة ومُمنهجة ضِدهما، نجد أن التاجر بثوب الرئيس دونالد ترامب قد وضع فعلياً البارود الساخن في رحم الدولار المُلتهب لا يلبث كليهما أن يحرقا العالم حينما تجد كل تلك القوى، أن الحقيقة الشاخصة أمامها أن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تسعى لحل جميع مشاكلها على حساب إفقار شُعوبهم.