تذكرون جميعا هذا الديناصور الشرس الذي اقتحم قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة متحدثا ومحذرا قادة العالم من عواقب التغيرات المناخية التي يعيشها عالمنا اليوم بوتيرة متسارعة تهدد وجود الحياة على كوكب الأرض،
أطلق الديناصور رسالته التحذيرية إلى البشرية بشكل تخيلي تم بثها على منصات أممية على شبكات التواصل الاجتماعي ضمن الاستعدادات لمؤتمر قمة المناخ COP26 الذي عقد العام الماضي “بجلا سجو”، جاءت كلمات الديناصور لقادة ودبلوماسيي العالم تحمل رسالة”لا تختاروا الانقراض” وأنه” حان الوقت لكي يتوقف البشر عن تقديم الأعذار للبدء في إجراء تغييرات لمعالجة أزمة المناخ”.
و مصر اليوم تستعد لاستضافة COP27 في نوفمبر القادم بشرم الشيخ، المهمة تزداد صعوبة، وتلقي بمسئولية كبيرة على قمة العام الحالي، فأوضاع المناخ العالمي من سيئ إلى أسوأ، ما بين حرائق غابات هنا وفيضانات هناك، موجات جفاف وحرارة لم تكن مسبوقة في بعض المناطق وأخرى قارسة البرودة في أماكن أخرى من العالم، بات التحدي أكثر شراسة، ملزما لاتخاذ خطوات تنفيذية لدول الأطراف المسببة لكارثة المناخ من أجل التخفيف والتكيف والحد من الإحترار العالمي الذي يهدد المحيط الحيوي على الكرة الأرضية.
رسالة ديناصور الأمم المتحدة لم تكن مبالغ فيها، بل كانت تحذيرا صارخا من مصير الانقراض الذي لحق بملايين الكائنات الحية على مدى 540 مليون سنة، بفعل التغيرات المناخية، وينتظر الانقراض المزيد من الكائنات، وفيها الإنسان نفسه، إذا استمرت معدلات التغيرات المناخية بهذا التسارع.
فقد أكدت دراسة علمية حديثة 2022 أن التغيرات المناخية واستمرار الاحتباس الحراري الحالي سوف يؤدي إلى انقراض بعض الكائنات وتطور كائنات أخرى وظهور كائنات جديدة كما حدث في الماضي.
و أشارت الدراسة المنشورة على موقع Science Advances إلى أن الانقراض الجماعي الناجم عن تغير المناخ يوفر فرصا فريدة لاستكشاف آثار الاضطرابات البيئية العالمية على تطور الكائنات الحية، وإن كانت تأثيراتها على النظم البيئية الأرضية لتزل غير مفهومة.
قدمت الدراسة شجرة زمنية جديدة للتطور المبكر للزواحف وأقرب أقربائها لإعادة بناء كيف أثرت الأزمات المناخية على مسارها التطوري طويل المدى.
وقد ركزت الدراسة على الجمع بين معدلات تطور النمط الظاهري للزواحف وحجم الجسم وطريقة الاختيار وبيانات درجة الحرارة العالمية، وكشفت عن الارتباط الوثيق بين تطور الزواحف والتغيرات المناخية في الماضي، حيث تبين أن تطور النمط الظاهري للزواحف لم يكن مدفوعا فقط بالفرصة البيئية التي أعقبت انقراض نهاية العصر البرمي، كما كان يعتقد سابقا، ولكن أيضا نتيجة الاستجابات التكيفية المتعددة للتحولات المناخية التي امتدت ل57 مليون سنة.
دكتور كريم عمر خبير التغيرات المناخية والمدير الفني لمشروع تعزيز القدرات الوطنية لتحقيق اتفاقية ريو يقول أن الظروف المناخية تحدد الأنواع والأنظمة البيئية التي يمكن أن تستمر على الأرض، حيث ترتب على الظروف المناخية عبر ملايين السنين أحداث للانقراض الجماعي ووهو ما يعرف بالانخفاض الواسع والسريع والحاد في التنوع البيولوجي على الأرض بمعدل أسرع من التكاثر أو إعادة بناء الأنواع أو النظم البيئية. وتعدّ التغيرات المناخية الرئيسة مثل العصور الجليدية(الفترات الجليدية) والفترات الأكثر دفئا (الفترات بين الجليدية) هي الدوافع الرئيسية لأحداث الانقراض الجماعي للأنواع والنظم البيئية.
فقد شهدت الأرض من 5 إلى 20 حدث انقراض جماعي في آخر 540 مليون سنة، نذكر منها أهم خمس موجات انقراض حادة حدثت في هذه الحِقْبَة:
- أواخر العصر الأوردو فيشي، قبل 440 مليون سنة في عصر الباليوزويك، أدى التجلد الهائل إلى حجز المياه في القمم الجليدية التي تغطي أجزاء كبيرة من الكتلة الأرضية القطبية الجنوبية، مما يؤدي إلى تقليل مستوى الأكسجين البحري مما تسبب في القضاء على الكائنات البحرية الصغيرة.
- أواخر العصر الديفوني، قبل 365 مليون سنة في عصر الباليوزويك، انقرضت العديد من الأنواع البحرية الاستوائية ومخلوقات بناء الشعاب المرجانية مع انخفاض مستويات الأكسجين بشكل كبير، وهيمنت الأنواع المفترسة.
- العصر البرمي الترياسي، قبل 250 مليون سنة، حدث أكبر انقراض جماعي في تاريخ الأرض ناتج عن الانفجارات البركانية الهائلة واثر على مجموعة واسعة من الأنواع وبما في ذلك العديد من الفقاريات، مات 96% من جميع الأنواع البحرية وحوالي 75% من الأنواع على الأرض.
- أواخر العصر الترياسي الجوراسي، قبل 210 مليون سنة في حِقْبَة الدهر الوسيط، وفيه سمح الانقراض المفاجئ لنحو 80% من جميع الأنواع البرية والبحرية للديناصورات بالسعي والازدهار.
- العصر الطباشيري الثالث، قبل 65 مليون سنة في أواخر عصر الدهر، حدث فيه انقراض جماعي ناتج عن اصطدام كويكب كبير، حيث قضى على الديناصورات غير القادرة على الطيران، وما بين50-70% من النباتات والحيوانات، عدّ نقطة تحول رئيسية في تاريخ الأرض حيث أنه يمثل نهاية العصر الجيولوجي الطباشيري وبداية العصر الثالث.باختصار، على مدار 4،6 مليار سنة من التاريخ، خضع تكوين الغلاف الجوي للأرض ومناخها لتغيرات مختلفة من بيئة نقص الأكسجين إلى بيئة غنية بالأكسجين والنيتروجين ومن فترات جليدية شديدة البرودة إلى أعماق جليدية دافئة تؤثر على نوع الحياة والأنواع المستدامة على الأرض، أدت التغيرات المتطرفة إلى العديد من أحداث الانقراض الجماعي.
و السؤال الآن هل تنجح قمة شرم الشيخ في تفعيل آليات إنقاذ الكرة الأرضية من أزمة التغيرات المناخية وحماية الكائنات الحية والبشرية من خطر الانقراض؟