عندما نتحدث عن الأسرة بوجه عام والأسرة المصرية خصوصا، وعن مدى تماسكها وارتباطها في علاقات سوية تجعلها قادرة على الاستمرار والنمو، وبالتالي المساهمة الفعالة في بناء المجتمع، لا بد أن نكون حذرين جداً في التعامل مع خصائص ومفردات المجتمع المصري، في سبيل المحافظة عليها، مما يساهم في تماسك المجتمع ونجاحه في خلق أجيال جديدة قادرة على استكمال المسيرة وتحقيق طموحاتها في غد أفضل.
الأكيد أن الأرقام خير دليل، وخير مؤشر على الأداء في أي قطاع أو مجال، والأرقام المتوفرة عن الأسرة المصرية وعلاقاتها الداخلية، وخاصة علاقة الرجل والمرأة، من خلال الزواج والطلاق والخلع وما بينهما أو حولهما، دليل قاطع على تطور هذه العلاقات سواء إلى اليمين أو اليسار، وأحيانا تكون الأرقام صادمة جدا، رغم أن الجميع يعلم ما يحدث من حوله، ولكنه لا يتوقع أن الأمر تحول إلى ظاهرة، بل أن الظاهرة تضخمت وأصبحت مخيفة إلى حد كبير.
في الأسرة المصرية الأرقام تقول أشياء كثيرة صادمة وغريبة جدا، عن العلاقات بين الرجال والنساء، والرقم الأهم الذي يتصدر المشهد، أن حوالي 25% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق، أي ربع المتزوجين يفشلوا في استمرار العلاقة، معظمهم يصل إلى مرحلة الطلاق في أول 3 سنوات، والأغرب أن 88% من حالات الطلاق تتم بالخلع، أي أن الزوجة هي التي طلبت الطلاق من الرجل وخلعته حتى لو كان هو رافض الانفصال، لكن في الغالب الرجل هو الذي يدفعها للخلع خوفا من كم القضايا والمستحقات التي تجب عليه من وراء الطلاق.
الأرقام في الطلاق خصوصا كارثية، فقد بلغت حالات الطلاق 222 ألف حالة طلاق في عام 2020، ثم ارتفعت بنسبة 13% لتصل إلى 245 ألف حالة في 2021، أي حالة طلاق كل دقيقتين، و18 ألف حالة كل شهر، ومن المتوقع أن ترتفع حالات الطلاق في إحصائيات 2022 أكثر من ذلك، ومن غرائب أرقام الطلاق أيضا، أن 12% منها تم في السنة الأولى، و8% في السنة الثانية و6.5% في السنة الثالثة، أي أن 26.5% من حالات الطلاق تمت في الثلاث سنوات الأولى فقط.
في مصر 24 مليون سيدة بلا رجل، منهم 13.5 مليون امرأة لم تتزوج رغم تخطي سن الزواج، و7 مليون سيدة مطلقة، وحوالي 3.5 مليون أرملة، وهو عدد ضخم جداً من النساء في مصر اللائي يعشن بدون رجل، ينفق ويحمي ويتولى رعاية أسرة كاملة وليست المرأة فقط، لكن الأكيد أنه إذا لم يتوفر الرجل الذي يقوم بهذه المسؤوليات، التي تعد التفسير الحرفي لكلمة رجل، فالأولى أن تعيش بمفردها ولنفسها بدلا من أن تخسر كل شيء لمجرد أنها متزوجة.
فيما سبق أرقام كارثية خاصة فيما يتعلق بالطلاق والخلع من ناحية، وما يتعلق بوضع المرأة داخل المجتمع من ناحية أخرى، لان أرقام الطلاق عندما تصل إلى ربع عدد المتزوجين، هنا لابد من دور لمؤسسات المجتمع كلها، في بحث الظاهرة ومحاولة وضع الحلول المناسبة للحد من الطلاق، بلا من الفرجة على الإحصائيات وهي تنمو عاما بعد عام، والاقتصار على دور الدراما في معالجتها.
مطلوب بحث هذه الظاهرة عن قرب، والوقوف على أسبابها الحقيقية والعمل على تخفيضها إلى الحد الأدنى، لأن الطلاق يفكك الأسر ويضع ضغوطا شديدة على الأنباء، ويهدد مستقبلهم العلمي والعملي، وبالتالي يهدد تماسك المجتمع بصفة عامة، ويزيد من التوتر والجريمة بين أفراده، واعتقد أن محاولة تخفيض نسبة الطلاق أهم كثيرا من البحث عن أي حقوق للمرأة أو الرجل، لأن الطلاق في الغالب يهدر كل الحقوق لكل الأطراف.
تنفيذا لقرارات الرئيس السيسي تقديم الدعم المادي لصالح الأسرة المصرية وأولادها
الرقم الغريب الآخر، رقم السيدات التي لم تتزوج رغم بلوغها سن الزواج من سنوات أي تخطت الثلاثين من عمرها، الرقم كبير جداً لدرجة التشكيك في صحته، وهو ما أميل إليه، لكن حتى لو انخفض إلى النصف يظل كبير جداً أيضا، بالتأكيد هناك أسباب كثيرة للظاهرة، يشترك فيها كل الأطراف أيضا، يتصدرها التكلفة الباهظة للزواج عموما، وعدم وجود معايير صحيحة لعملية اختيار الزوج أو الزوجة، والتمسك بتقاليد وعادات في الزواج تمنع إتمامه في معظم الحالات من قبل الشباب.
الظاهرة متعلقة أكثر بأولياء الأمور الذين يمتلكون قرار إتمام الزيجة من عدمه، وأيضا على المجتمع أن يبذل جهدا أكبر في نشر ثقافة جديدة تعنى بالبحث عن سعادة الأنباء بدلا من التمسك بالشكليات التي ترهق الجميع ماديا ومعنويا، ومع ذلك لا توفر السعادة لأي طرف، بدليل أرقام الطلاق والخلع المرعبة، الحكاية تحتاج إلى خطة وطنية شاملة، تتولى شؤون الأسرة وعلاقة الرجل بالمرأة بحثا وتحليلا، لإعادة المياه إلى مجاريها داخل كل بيت.