يبدو عنوان الإنتخابات الرئاسية 2024 الأبرز، هو إفلاس الولايات المتحدة الأمريكية “بشريًا” فقد عجزت الأمة عن تقديم مرشح بلا تاريخٍ من المشاكل أوالعيوب، حتى أن جو بايدن ودونالد ترامب، لم يواجها منافسة حقيقية في الإنتخابات التمهيدية لحزبيهما.
عَجَزَت الأمة ذات ال333 مليون نسمة، أن تقدم مرشحين ينافسون مرشحَي الحزبين الرئيسيين، فَرَسَا المزاد على رجلين، أحدهما تعدى عتبة ال80 من العمر، والثاني يحاول جاهدًا تسلقها.
وكما تُفلس بعض الدول ماليًا، فقد يفلس بعضها بشريًا، ليس من قلة عددهم، وإنما لتسلط نخبة نافذة على مفاصل الحياة السياسية في البلاد.
في 2016 إقتحم ترامب عالم السياسة، آتيًا من عالم الملياديرات، متبنيًا خطابًا شعبويًا، لم يعتده المجتمع الأمريكي كثيرًا، فتمكن الرجل الرأسمالي الأرستقراطي، من إستقطاب ودغدغة مشاعر الفئة التي ترى نفسها ضحية النخبة الفاسدة في البلاد، ويفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ترامب يرسخ مفهوم الشعبوية
وقد رسّخ ترامب (المولود في 14 يونيو 1946) معنًى واضحًا لمصطلح “الشعبوية” الذي إختلف الأكاديميون في وضع تعريف واضح له، حتى إعتمد قاموس كمبريدج الكلمة، واعتبرها كلمة العام 2017 بعد أن تبلور معناها، حين تبني رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، تلك السياسة.
وقد كان للولايات المتحدة الأمريكية، تجربة سابقة في الدعاية السياسية الشعبوية، أطلقها “ويليام برايان” (1860 ــ 1925) الذي كان عضوًا في الحزب الديموقراطي الأمريكي، وترشّح للرئاسة الأمريكية 3 مرات أعوام (1896 ــ 1900 ــ 1908) ولم يتمكن من الفوز في أي من تلكم الإستحقاقات.
دَخَلَ ترامب، بعد توليه الرئاسة، في صدامات متشابكة مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمثلها المؤسسات الدستورية، ذات السلطة الحقيقية في البلاد، والتي ترفض فكرة أن يجبرها عامة الشعب على تبني سياسات، من بنات فكر الدهماء.
تزعم ترامب أولئك الدهماء، واتخذهم سلاحًا ضد الدولة العميقة، وكلما عاندته الدولة العميقة، أشهر في وجهها سلاح الشعبوية، إلى أن إنتهى به الأمر لتسخير جحافل من العامة، فاقتحموا الكونجرس عقب خسارته الإنتخابات الرئاسية في 2020 وهددوا إستقرار الدولة.
إنتخابات الرئاسة الأمريكية 2020
وكانت الدولةُ العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، قد إختارت جو بايدن (المولود في 20نوفمبر 1942) لمجابهة ترامب في إنتخابات 2020 وإزاحته عن الحكم، ويُعد بايدن من أبناء الدولة العميقة المخضرمين، تربى وترعرع في الكابيتول منذ كان في سن الثلاثين، وأُعيد إنتخابه لمجلس الشيوخ ست دورات متتالية، ليستقيل من الكونجرس في 2009 ويتولى منصب نائب الرئيس لمدة 8 سنوات، مما أكسبه خبرة عميقة بالمؤسسات النافذة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إستطاع بايدن أن يُخرج ترامب من البيت الأبيض، ولكن هزيمة ترامب في الإنتخابات كانت بطعم المكسب، فقد حاز ترامب في تلك الإنتخابات التي هُزم فيها 72 مليون صوت بفارق 5 مليون صوت عن بايدن، مما أعطى ترامب أملًا كبيرًا في العودة مجددًا للرئاسة.
إنتخابات الرئاسة الأمريكية 2024
وبحلول 2024 وهي سنة الإستحقاق الرئاسي، وَجَدَ الشعب الأمريكي نفسه بين مرشحين إثنين مفروضين للرئاسة، أحدهما الرئيس الحالي بايدن، الذي بَلَغَ 82 عامًا، وبَدَت عيه مظاهر الخرف العقلي بوضوح.
وثانيهما الرئيس السابق الذي تحاصره خمس محاكمات منفصلة، وأحكام في قضيتين مدنيتين، قد تكلفانه هو وشركاته مئات الملايين من الدولارات، وفي القضايا الجنائية الأربع، يواجه ترامب 91 تهمة جنائية، من بينها تهم قد تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة 20 عامًا، بحسب شبكة ” أن بي سي نيوز“.
وقد إستقرت النخب السياسية في كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي، على مرشحيهما، ولا يبدو ثمة أمل في ظهور مرشح يخلو من عطب.
وتذهب بعض التصورات، إلى مناقشة إفتراض أن يفوز ترامب في الإنتخابات الرئاسية، ثم يُدان في القضايا المنظورة ضده، ويناقشون: هل يحكم ترامب الولايات المتحدة من خلف القضبان؟
زلّات جو بايدن
وعلى الجانب الآخر، يركز كثيرون الضوء على الحالة الصحية لبايدن، والتي تتفاقم مع قرب الإستحقاق الرئاسي، فالرئيس يظهر على الهواء، وهو يصافح الهواء، ويلف حول نفسه عدة دورات ليتعرف على وجهة سيره.
بدأ بايدن رئاسته بالتعثر والوقوع على سلم الطائرة الرئاسية، ثلاث مرات متتالية، في مارس 2021.
ثم سقط أرضًا في يونيو 2023 أثناء الإحتفال بتخريج دفعة جديدة من الكلية الجوية الأمريكية.
وأعاد السقوط على سلم الطائرة للمرة الثانية أثناء زيارته لبولندا في نوفمبر 2023.
ليكون الحديث عن صحة الرئيس، هو الشغل الشاغل للناخب الأمريكي.
وكان الأدهى من التعثر والسقوط، هو الزلات الكلامية المتعددة لبايدن، والتي وَشَت بوضوح عما يبدو أنه خرف بفعل الشيخوخة.
ففي الأول من مارس 2022- يقول: الشعب الإيراني، بدلًا من الأوكراني
خلال خطاب له، إرتكب بايدن خطأ فادحًا، بالخلط بين شعب إيران وشعب أوكرانيا، وذلك حين كان يحاول لفت الإنتباه إلى الحرب في أوكرانيا، والتعبير عن تعاطفه مع الأوكرانيين، فقال: “قد يطوق بوتين كييف بالدبابات، لكنه لن يربح قلوب وأرواح الشعب الإيراني، ولن يطفئ حبهم للحرية أبدًا، ولن يضعف تصميم العالم الحر أبدًا”.
وفي 23 أبريل 2022 يفاجيء بايدن العالم بقيامه بمصافحة الهواء
وذلك بعد إنتهاء مؤتمر صحفي له، على الهواء، بعد خطاب أدلى به، حول خفض التكاليف على المستهلكين، في كلية غرين ريفر في أوبورن بواشنطن.
وفي 28 أكتوبر 2022 يقول: إن الولايات المتحدة لديها 54 ولاية
أخطأ بايدن مرة أخرى، أثناء دعمه للحملة الإنتخابية لعضو مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا، الديمقراطي جون فيترمان، قائلًا: إن الولايات المتحدة لديها 54 ولاية، بدلا من 50 وذلك عندما كان يتحدث عن قانون الرعاية بأسعار معقولة.
وقال بايدن: “وبالطبع، الجمهوريون سيحاولون للمرة 499 أو أيًا كان الرقم، إنهم ما زالوا مصممين على إلغاء قانون الرعاية بأسعار معقولة، وبالمناسبة، إذا فعلوا ذلك، فهذا يعني، ليس مزحة للجميع، ولهذا هزمناهم في عام 2018 عندما حاولوا القيام بذلك، ذهبنا إلى 54 ولاية”.
وفي 12 أكتوبر 2022 فشل في قمة الآسيان في تذكر إسم البلد المُضيف
وخلال خطاب ألقاه في بنوم بنه بكمبوديا، أمام قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أشار بالخطأ إلى رئيس وزراء “كولومبيا” بدلا من “كمبوديا” عندما حاول توجيه الشكر إلى مضيفي القمة، في حين أن كولومبيا دولة في أمريكا الجنوبية، وليست في آسيا.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يخلط فيها بايدن بين كمبوديا وكولومبيا، ففي وقت سابق من نفس الأسبوع، أثناء حديثه إلى المراسلين في البيت الأبيض، قال الرئيس: “على أية حال يا رفاق، أنا أتجه أولًا إلى القاهرة، من أجل الجهد البيئي [COP27] ثم أتوجه إلى كولومبيا، وبعد ذلك (متداركًا) أعني.. كمبوديا”.
في 7 فبراير 2024 يجتمع مع رئيس متوفي
وكانت آخر زلاته، لا الأخيرة، حين قال إنه إلتقى بالرئيس الفرنسي ميتران عام 2021 خلال فعاليات مجموعة السبع، في حين أن الرئيس المذكور، متوفى منذ 28 عامًا!
جاء ذلك خلال خطاب لبايدن في لاس فيجاس، أمام حشد كبير من الجمهور، في محاولة منه لإكتساب قاعدة مؤيدين له، قبل الإنتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيفادا.
طبيب البيت الأبيض يؤكد لياقة بايدن الصحية
وكان طبيب البيت الأبيض، د. كيفين أوكونور، قد كتب تقريرًا عن الحالة الصحية لبايدن، في نوفمبر 2021 يفيد بأن بايدن “يتمتع بنشاط وصحة جيدة، رغم بلوغه 78 عامًا، وهو لائق صحيًا للقيام بمهام الرئاسة بكفاءة”.
فهل أفلست الولايات المتحدة الأمريكية.. بشريًا؟