- بقلم – إبراهيم فايد
لطالما تَفَكَّرت في ذاك المشهد الذي تدارسناه وتناقلته الأجيال جيلًا بعد جيلٍ عن قصة الضابط المصري الذي هبَّ بِفَرَسِهِ طائحًا مُصَهْلِلًا في دروب قاهرة المُعِزِّ؛ يبغي المَلِكَ المفسد وأعوانه.
سار وحده بلا سلاحٍ، ولا ذخيرةٍ، ولا مدرعاتٍ تحميه، أو طائرات تُقِلُّهُ، ولا معسكراتٍ تؤيه.. هَبَّ واقفًا في وجه ظُلْمِ المَلِكِ وطغيانه يحذره بألَّا يُعيد كَرَّةَ جَوْرِهِ على الشعب المسكين المغلوب على أمره، بكثرة فرض الضرائب وسياط الحواشي من تنابلة قصره.
إنه “أحمد عرابي” الضابط الأصيل بطل تلك الواقعة التي اهتز لها وُجدان الوطن، ودارت شبهاتٌ وادعاءاتٌ حول مدى واقعيتها، لكنه ليس المجال لِأن نُقَيِّمَ ونُحَلِّلَ ونُفَنِّدَ ونُحاسب التاريخ ونَجْلِدَه، بل دعونا نُسَلِّمُ بصحيح الرواية وسلامتها أتم التسليم، ثم لِنَتَلَمَّسَ مغزاها وما وراءها من دروس وعِبَرٍ في حب الوطن وأهله.
انطلق هذا الضابط دونما تحالفات وكيانات وأحزاب وتكتلات وكونفدراليات وعُصَبٌ وجماعات وحركات وفئات، بل فقط كان الدافع حب الوطن، وكان المدفوع واحدٌ أحدٌ متفردٌ بوطنيته العصماء، لا يرجو مالًا ولا سلطةً ولا رِفْعَةً ولا بهاءً ولا شهرةً في وقت انعدمت فيه برامج الـ Talk Show والفضائيات المتلفزة ومحطات الراديو وأثيرها.
إنها الوطنية يا “عرابي” يابن الأكرمين.. دُمْتَ مَثَلًا لكل شابٍ مصريٍ وعربيٍ شانه ما شان أبناء جلدته وهَبَّ من فوره يقول للظلم لا.. دُمْتَ قدوةً بكينونة كل جنديٍ بطلٍ مناضلٍ شريفٍ من خِيرة أبناء خير أجناد الأرض.